«داعش» نتيجة حتمية لتعريب الإسلام وفشل الطرح السياسي العربي

نشر في 18-06-2016
آخر تحديث 18-06-2016 | 00:00
 أنس محمود الشيخ مظهر عندما تفشل الشعوب في بناء مستقبلها فالسبيل الوحيد للانتحار هو الهروب إلى التاريخ واجترار أحلامه لتصحو على كوابيس.

تحولت الشعوب العربية في عصر الخلافة الإسلامية (الأموية والعباسية) إلى رقم مهم على خريطة العالم السياسية، في وقت كانت متطلبات إدارة الدولة بسيطة تشبه إلى حد كبير إدارة عشيرة أو قبيلة كبيرة, في عدم وجود تعقيدات سياسية، فإدارة الدولة حينئذٍ كانت تعتمد على القيادة الفردية (الخليفة أو الوالي) لا الجمعية التي تعتمد على مؤسسات تقود الدول الديمقراطية في وقتنا الراهن، وكانت السياسة آنذاك تنحصر في توقيتات إعلان الحروب وإيقافها وظروفها, إضافة إلى كيفية نجاح الخلفاء في وأد المؤامرات التي كانت تحاك ضدهم في دهاليز قصورهم، أما بعد أن تغير مفهوم الدولة في العصر الحديث فإن تلك الشعوب العربية لم تستطع مجاراة المتغيرات ومواكبتها, مما جعلها تغرد خارج سرب "العصرنة" السياسية وتتحرك على هامشها.

المشكلة الرئيسة التي واجهت الشعوب العربية في إدارة الدولة الحديثة هي فشلها في التخلص من الهاجس التاريخي في طروحاتها السياسية لبناء دولها، فقد استمرت الحكومات التي ظهرت في الدول العربية بعد الحربين العالميتين في الانطلاق من الموروث التاريخي للشعوب العربية الذي ينطلق من حكم شيخ العشيرة ويتصل وجدانيا بتركيبة الدولة الإسلامية القديمة في العهدين الأموي والعباسي, وبقيت آثار معالمها راسخة في العقل السياسي العربي كحكومات وأحزاب معارضة، فقد تأثر الحاكم العربي المعاصر بشخصية خليفة المسلمين التاريخية, والذي كان محاطا بهالة من القدسية كونه خليفة الله على الارض مختزلاً الدولة في شخصه، جاعلاً نفسه وصياً على الشعب يقرر ما يراه مناسبا بالنيابة عنهم. ورغم أن الحاكم العربي كان يقدم نفسه تقدميا علمانيا في أغلب الدول العربية، فإن جينات الحكم الوراثي الذي رافق الدول الإسلامية (الأموية والعباسية) برزت عندهم مع أنهم كانوا يحكمون جمهوريات لا ممالك.

أما أحزاب المعارضة في الدول العربية، فقد تراوحت بين تبني الفكر القومي العربي وتبني الفكر الإسلامي للنهوض بهذه الشعوب، ولم يختلف كلاهما عن الحكومات في التشبث بتلابيب الماضي والتاريخ، ولأنها ليست على محك الحكم، فشطحت وانجرفت إلى الماضي بشكل أكبر وأكثر تأثيرا وقولبة.

فقد حاولت الأحزاب القومية حل الإشكالية التاريخية في طرحها فقدمت نفسها على أنها البديل عن الفكر الديني في إدارة الدولة، واعتبرت الإسلام ثورة قومية استطاع العرب من خلالها أن يسودوا على الشعوب الأخرى، ودعت إلى العودة لتلك المكانة، لكن من خلال الفكر القومي هذه المرة، في "ملازمة" غير مقنعة بين الإسلام والعروبة، فأصبح الماضي التليد وأمجاد التاريخ (العظيمة) هاجسا أفردوا له الكثير من الكتب والنظريات، متغافلين أن التوجهات القومية لبعض الخلفاء وردود أفعال الشعوب الأخرى كانت السبب الرئيس في ضعف الدولة الإسلامية التاريخية, وتناسوا أيضا النقطة الجوهرية التي كانت وراء ازدهار الدولة التاريخية الإسلامية، وهي تفاعل قومياتها حضاريا وثقافيا مع بعضها بغض النظر عن بعدها القومي, وبذلك فإن الأحزاب العربية القومية أيضا تكون قد وقعت تحت تأثير العقد التاريخية وانتقت منها أسوأ ما فيها.

أما الأحزاب الدينية فقد تبنت الفكر الإسلامي بأثر رجعي في ضرورة استتساخ تجربة الحكم الإسلامي التاريخي وتطبيقها على الوضع الحالي بحذافيره كي تستعيد الشعوب العربية مكانتها بين الشعوب المتقدمة (كما تصوروا). وكررت نفس النظرية التي تبنتها الأحزاب القومية، وهي أن سبب ازدهار الشعوب الإسلامية قديما كان تطبيقها ما أسموه "أحكام الإسلام وشرعه"، ولقد أوضحنا سابقا أن سبب ذلك الازدهار لم يكن إلا بسبب التلاقح الحضاري والثقافي للشعوب التي جمعتها تلك الدولة، إضافة إلى أن ذلك الازدهار لم يكن يفوق كثيرا ازدهار الإمبراطوريات الأخرى التي عاصرتها، فالإمبراطوريات في أوروبا وآسيا لم تكن أقل ازدهارا من الدولة الإسلامية، وكل ما في الأمر أن الشعوب العربية هي التي ارتفع شأنها وأصبحت في مستوى بقية الشعوب من خلال الدولة الإسلامية ليس إلا.

وقدمت هذه الأحزاب الإسلامية النموذج الأكثر تخلفا في المجال السياسي وأكثرها اغترابا عن العصر، في محاولة لجر الشعوب العربية وإرجاعها إلى قرون عديدة خلت، بدلاً من تقديم طرح يلائم تطور الفكر الإنساني، وهو ما أشار إليه الكثير من منظري تلك الأحزاب في وجوب عدم تفصيل الإسلام على المتغيرات الحياتية، وإنما ضرورة تطويع العصر لمبادئ الإسلام، وبالتالي للإسلام السياسي. فكفروا بمبدأ الديمقراطية، وشيطنوا مبدأ العقوبات الجنائية في القانون المعاصر، وسخفوا مبادئ حقوق الإنسان بمفهومها الحديث، وفرضوا الرؤية الإسلامية عليها رغم عموميتها وبساطتها، وفرضوا الرؤية الاقتصادية البدائية على تعقيدات الاقتصاد العالمي الحديث، لذلك سارت المجتمعات العربية باتجاه معاكس بعيد تماما عن المجتمعات الحديثة.

وهكذا فشلت الشعوب العربية بأحزابها وحكوماتها في تحقيق حياة كريمة وازدهار ملموس لشعوبها، وبدلاً من مراجعة شاملة لهذه الأخطاء وإعادة النظر في البنية الفكرية للمجتمعات العربية بغية معالجتها سياسيا وثقافيا، فقد علقت فشلها على شماعة الغرب الكافر (بمفهوم الإسلام السياسي)، أو الإمبريالية والصهيونية (بمفهوم القوميين العرب) ونشرت ثقافة الكره التي عمت الشعوب العربية حيال الآخر, ما كان نتيجته تأسيس المنظمات الإسلامية المتطرفة التي نشهدها الآن، وما الإحصاءات التي تشير إلى أن اكثر من 85 في المئة من عناصر تلك المنظمات هم من المجتمعات العربية إلا نتيجة حتمية لرؤية بدأت بشكل خاطئ واستمرت في خطئها، ليبتلى بها كل العالم، لا الشعوب العربية وحدها.

* كردستان العراق – دهوك

back to top