حكاوي الراوي... نجيب محفوظ (13 - 15)

الأقدار تجمع الضدّين... نجيب محفوظ وسيد قطب

نشر في 18-06-2016
آخر تحديث 18-06-2016 | 00:05
في 13 أكتوبر عام 1988، عمت الفرحة ربوع الوطن العربي بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، وفي تلك الأثناء اهتمت الهيئة المصرية للكتاب بإصدار مجلد يضم المقالات النقدية المبكرة حول أدب نجيب محفوظ، وقام على إعداده واختيار المقالات الكاتب اليساري والناقد الكبير غالي شكري، الذي اختار مجموعة مقالات كتبها سيد قطب في مجلة «الرسالة» حول أعمال محفوظ التي كانت قد ظهرت في بدايات عقد الأربعينيات ومن بينها روايتا: «خان الخليلي» و«زقاق المدق».
وبدا أن سيد قطب يُبعث حياً في صورة جديدة، غير تلك التي مات عليها، صورة لم يعرفها الملايين من قراء أدب نجيب محفوظ، صورة الأديب والناقد الذي كان أول من قدم نجيب محفوظ إلى الحياة الأدبية، وأول من تحدث عن استحقاقه أرفع الجوائز العالمية، وتنبَّأ له بالحصول على جائزة نوبل للآداب.
حجم الاهتمام الذي قوبلت به «مقالات سيد قطب» حوَّل الاحتفال والاحتفاء بصاحب نوبل في جانب منه إلى احتفال باكتشاف الوجه الآخر لدى سيد قطب، وبدا الاحتفاء، أو على الأقل في جزء منه، كأنه عودة جديدة على هيئة مستجدة للرجل ومختلفة عن تلك التي راجت عنه خلال العقود الأربعة السابقة.

عُدت مقالات سيد قطب على نطاق واسع اكتشافاً جديداً ومبهراً لدى كثيرين، ما انعكس على زيادة الاهتمام بأعماله الأولى مثل روايتيه: «أشواك»، و«الأطياف الأربعة» وغيرهما، وتمنى البعض إعادة طباعة أعمال قطب الأدبية.

وتطورت الحوادث على غير ما اشتهى هؤلاء، فقد أعاد فوز محفوظ بالجائزة الرفيعة روايته الشهيرة «أولاد حارتنا» إلى الواجهة، وصدرت كتابات ضد صاحب الجائزة، كان أشهرها كتاب الشيخ عبد الحميد كشك «كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا». وفي حديث صحافي أصدر الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، مفتي الجهاد والجماعة الإسلامية، فتوى بتكفير نجيب محفوظ، ترتب عليها أن جرت محاولة اغتياله في الذكرى السنوية السادسة لحصوله على نوبل، والتي جرت يوم الجمعة 14 أكتوبر عام 1994.

لن يكون السؤال الطبيعي: «لماذا افترقا؟»، ذلك أن التساؤل المنطقي هو: «كيف التقيا؟».

سيد قطب، ونجيب محفوظ، اسمان كبيران، شهيران، يعرفهما القاصي والداني، جمعتهما المصادفة، وفرقتهما الفكرة، كانت بداية التعارف في لجنة النشر للجامعيين التي أصبحت فيما بعد «مكتبة مصر»، وقد أنشأها سعيد جودة السحار بالاشتراك مع أخيه عبد الحميد، ويقول عنها محفوظ: «أسست لجنة النشر للجامعيين‏، في زمن كان الجيل كله من الأدباء‏، وأقصد الجيل التالي بعد الرواد، يعاني مشكلة النشر، كانت لدينا جميعاً كتب محبوسة، وحين أنشئت اللجنة‏، بدأنا ننشر بانتظام»‏.

وافتتحت السلسلة في شهر مايو عام 1943 برواية «أحمس» لعبد الحميد جودة السحار، وتلتها رواية «رادوبيس» لنجيب محفوظ عبد العزيز، بالاسم الثلاثي حتى لا يخلط الناس بينه وبين الطبيب المصري ذي الشهرة العالمية الدكتور نجيب محفوظ باشا. وتوالى نشر الكتب في مطلع كل شهر، وكان سيد قطب قد سبق هؤلاء الشباب في عالم الأدب، وكان يستحسن في ذلك الوقت أعمالهم، ولم يمل من تشجيعهم، فقد كان الكاتب والناقد ومكتشف المواهب في «لجنة النشر»، التي نشرت له مبكراً بعض كتبه، وكان شديد العناية بالكتابة عن عدد من مطبوعاتها في مجلة «الرسالة» التي كان هو ناقدها الأدبي في ذلك الوقت.

وفي حين كان نجيب محفوظ يتلمس خطواته الأولى على طريق النشر، كان سيد قطب آنذاك نجماً كبيراً، وصاحب معارك أدبية ذائعة الصيت، وكانت مقالاته اللافتة تملأ الصحف والمجلات، فمنذ بدايته القوية على صفحات جريدة «البلاغ» الوفدية، لم ينقطع عن الكتابة للصحف والمجلات المتخصصة، بالإضافة إلى أن مجلة «الرسالة» التي كان ينشر فيها سيد قطب مقالاته النقدية، كانت هي الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً من بين المنابر الثقافية والصحافية في ذلك الوقت.

ذكر محفوظ أكثر من مرة أن قطب أول ناقد أدبي التفت إلى أعماله وكتب عنها، وقال: «بدأت علاقتنا في الأربعينيات، وتعرفت إليه في ذلك الوقت، حيث كان يجيء بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا، كانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها إنسانية».

والحقيقة أن سيد قطب لم يكن أول من كتب عن نجيب محفوظ، لكنه بلا شك أول من لفت النظر إليه بقوة، فكان متحمساً له بشدة، وفي كتابه: «في حب نجيب محفوظ»، يكتب رجاء النقاش: «كان أول مقال نقدي مهم عن نجيب محفوظ في الأدب العربي المعاصر هو مقال سيد قطب عن رواية «كفاح طيبة» التي صدرت عام 1944».

الطعم القومي

يبدو لنا من مطالعة هذه المقالات أن الحماسة البادية فيها للأديب المنطلق في خطواته الأولى سبب أن نجيب محفوظ نفسه ظلّ يردد كثيراً بوفائه المعهود والأصيل أن سيد قطب «هو أول ناقد يلتفت إليه وينتبه إلى أدبه»، رغم أنه ليس أول من كتب عنه كما يقول بعض الروايات عن المعاصرين لتلك الفترة، من بينهم الكاتب الكبير وديع فلسطين الذي يؤكد أنه سبق كثيرين إلى لفت النظر إلى موهبة نجيب محفوظ الأدبية الظاهرة من أعماله الأولى.

ولكن سيد قطب كان متيماً بنجيب محفوظ، وتكفي قراءة سريعة لبعض ما كتبه مثلاً عن رواية «كفاح طيبة» لنعرف هذه الحقيقة، فقد استهل قطب مقاله المنشور في 25 سبتمبر 1944 بقوله: «أحاول أن أتحفظ في الثناء على هذه القصة، فتغلبني حماسة قاهرة لها، وفرح جارف بها، هذا هو الحق أطالع به القارئ من أول سطر، لأستعين بكشفه عن رد جماح هذه الحماسة، والعودة إلى هدوء الناقد واتزانه».

ولم يستطع أن يتخلص خلال المقال من هذه الحماسة للكاتب والرواية التي رأى أنها تحكي: «قصة استقلال مصر بعد استعمار الرعاة على يد «أحمس» العظيم، قصة الوطنية المصرية في حقيقتها بلا تزيد ولا إدعاء، وبلا برقشة أو تصنع، قصة النفس المصرية الصميمة في كل قطرة وكل حركة وكل انفعال».

ويواصل: «قرأتها وأنا أقف بين الحين والحين لأقول: نعم هؤلاء هم المصريون، إنني أعرفهم هكذا بكل تأكيد، هؤلاء هم قد يخضعون للضغط السياسي والنهب الاقتصادي، ولكنهم يُحيّون حين يعتدي عليهم معتد». حتى عندما يرصد بعض الهنات التاريخية، في الرواية نجده يلفت إليها بلطف. وكانت خاتمة المقال التدشين الحقيقي للكاتب وللعمل في المحيط الثقافي والأدبي فقال: «لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذه القصة «كفاح طيبة» في يد كل فتى وكل فتاة، ولطبعتها ووزعتها على كل بيت بالمجان، ولأقمت لصاحبها، الذي لا أعرفه، حفلة من حفلات التكريم التي لا عدد لها في مصر، للمستحقين وغير المستحقين».

مقال سيد قطب الثاني عن أدب نجيب محفوظ كتبه عن رواية «خان الخليلي»، وفيه أيضاً تبدت حماسة الناقد المعروف للأديب الشاب، مبشراً بموهبته الروائية الفذة: «هذه القصة الثالثة هي التي تستحق أن تفرد لها صفحة في سجل الأدب المصري الحديث، فهي منتزعة من صميم البيئة المصرية، في العصر الحاضر، وهي ترسم في صدق ودقة، وفي بساطة وعمق، صورة حية لفترة من فترات التاريخ المعاصر، فترة الحرب الأخيرة، بغاراتها ومخاوفها، وبأفكارها وملابساتها».

ويعقد مقارنة بينها وبين «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ولم يخش قطب أن يعلِّي من شأن «خان الخليلي» على «عودة الروح»، رغم أن الحكيم آنذاك كان من أساطين وأساطير الأدب في مصر، فيكتب: «من الحق أن أقرر أن الملامح المصرية الخالصة في «خان الخليلي» أوضح وأقوى، ففي «عودة الروح» ظلال فرنسية شتى، وألمع ما في عودة الروح هو الالتماعات الذهنية والقضايا الفكرية بجانب استعراضاتها الواقعية. أما خان الخليلي فأفضل ما فيها بساطة الحياة، وواقعية العرض، ودقة التحليل». ويحذر قطب محفوظ من الغرور فيقول: «كل رجائي ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب، فلا يزال أمامه الكثير لتركيز شخصيته والاهتداء إلى خصائصه».

وحين صدرت رواية «القاهرة الجديدة»، كتب سيد قطب مقاله الثالث في مجلة «الرسالة» يوم 30 ديسمبر عام 1946، وجاء غاضباً على الحياة النقدية في مصر، التي تغفل كاتباً ومبدعاً شاباً مثل نجيب محفوظ، «الذي لا يرتمي في حضن أحد، ولا يتزلف لناقد، ولا يتقرب من مسؤول، ولكنه يكتب ويبدع في صمت ودأب». وأضاف يقول: من دلائل غفلة النقد في مصر التي تحدثت عنها في كلمة سابقة، أن تمرّ هذه الرواية القصصية «القاهرة الجديدة}، من دون أن تثير ضجة أدبية أو ضجة اجتماعية}، ويستطرد: {لأن كاتبها مؤلف شاب؟ كان توفيق الحكيم قبل 15 عاماً مؤلفاً شاباً عندما أصدر أولى رواياته التمثيلية {أهل الكهف} فتلقاها الدكتور طه حسين، وأثار حولها فرقعة هائلة، كانت مولد الحكيم الأدبي}. ثم يصل إلى ذروة الثناء عندما يقول: {كان على النقد اليقظ لولا غفلة النقد في مصر أن يكشف أن أعمال نجيب محفوظ هي نقطة البدء الحقيقية في إبداع رواية قصصية عربية أصيلة، فلأول مرة يبدو الطعم المحلي والعطر القومي في عمل فني له صفة إنسانية}.

رابع مقالات سيد قطب عن نجيب محفوظ جاء عن رواية {زقاق المدق} ونشره في مجلة {الرسالة} مارس عام 1948، وكرّر فيه الإشادة بفن نجيب محفوظ وأدبه، قال فيه: {نملك اليوم أن نقول: إن عندنا قصة طويلة، أي رواية، كما نملك أن نقول إننا نساهم في تزويد المائدة العالمية في هذا الفن بلون خاص، فيه الطابع الإنساني العام، ولكن تفوح منه النكهة المحلية، وهذا ما كان ينقصنا إلى ما قبل أعوام}.

ثلاثة مقالات

كتب نجيب محفوظ عن سيد قطب، ثلاثة مقالات...

الأول عندما صدر كتاب قطب «التصوير الفني في القرآن»: «ها أنت تبين لنا في عصر الموسيقى والتصوير والقصة بقوة وإلهام، أن كتابنا المحبوب هو الموسيقى والتصوير والقصة، في أسمى ما ترقى إليه من الوحي والإبداع».

الثاني، عندما نشر سيد قطب «أشواك»، وهي الرواية التي صدرت عن دار سعد عام 1947، ولم تنشر مجدداً. حتى أنها لا توجد في مكتبات مصر العامة كدار الكتب أو مكتبات الجامعات المصرية. أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب نشرها، وهي تحكي قصة حب حقيقية عاشها سيد نفسه مع خطيبته، وقد أهداها إليها وأطلق عليها اسم سميرة كما سمى نفسه سامي، وقد رأى وديع فلسطين حين عرض هذه الرواية على صفحات مجلة «المقتطف» في مايو عام 1947 أن ثمة مشابهة ملحوظة بين «أشواك» سيد قطب و«سارة» لعباس محمود العقاد، فالقصتان على ما يتضح من سياقهما مستمدتان من حياة كاتبيهما وموضوع كل منهما يكاد يكون واحداً، فمحوره أن شاباً يحب فتاة فتبدي له الفتاة من الصد ما يقطع الصلة بين العاشقين...

وكتب عنها نجيب محفوظ مقالاً يكاد يكون مجهولاً لكثيرين، نشر في جريدة «الوادي» عقب صدور الرواية مباشرة، ويثبت أن رواية «أشواك» هي سيرة ذاتية لقصة حب سيد قطب، مستشهداً بالإهداء الذي قدم به قطب الرواية، قائلاً: «إلى التي خاضت معي في الأشواك، فدَميتْ ودميتُ، وشقيتْ وشقيتُ، ثم سارت في طريق وسرت في طريق، جريحين بعد المعركة، لا نفسها إلى قرار، ولا نفسي إلى استقرار».

المقال الثالث الذي كتبه نجيب محفوظ عن مكتشفه سيد قطب، كان في روايته الشهيرة: «المرايا»، والتي قدم فيها «بورتريهاً» أدبياً يتناول شخصية قطب، حمل فيها اسم عبد الوهاب إسماعيل.

التحول الفكري
تمضي السنون ويتحول سيد قطب في طريق آخر يُكفّر فيه المجتمع وكان آخر لقاء جمعهما في بيته بحلوان، رغم معرفة محفوظ بخطورة هذه الزيارة وبما يمكن أن تسببه من متاعب أمنية، يقول محفوظ: «ذهبت لزيارته في عام 1964 بصحبة عبد الحميد جودة السحار عقب خروجه من السجن بعفو صحي، في تلك الزيارة تحدثنا في الأدب ومشاكله، ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة، وكانت المرة الأولى التي ألمس فيها بعمق مدى التغير الكبير الذي طرأ على شخصية سيد قطب وأفكاره. رأيت أمامي إنساناً آخر، حاد الفكر، متطرف الرأي، يرى أن المجتمع عاد إلى «الجاهلية الأولى»، وأنه مجتمع كافر لا بد من تقويمه بتطبيق شرع الله، انطلاقاً من فكرة «الحاكمية»، لا حكم إلا لله. وسمعت منه آراءه، من دون الدخول معه في جدل أو نقاش، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟».

يضيف محفوظ، «في تلك الزيارة كانت مع قطب مجموعة من أصحاب اللحى، لم يكن قطب يشبه صديقي القديم الذي عرفته فيه، وأردت أن أكسر حدة الصمت الثقيل، فقلت دعابة عابرة، وافترضت أن أساريرهم ستنفرج وسيضحكون، ولكنهم نظروا إليَّ شزراً، ولم يضحك أحد حتى سيد نفسه، وعندها غادرت البيت صامتاً شعرت بمدى التحول الذي طرأ عليه».

بعد تحولات قطب الفكرية وتزعمه حركة «الإخوان المسلمين» باعتباره أحد مراجعها الكبرى انقطعت علاقة محفوظ به، حتى سمع بخبر مشاركة قطب في مؤامرة قلب نظام الحكم، وصدور حكم بالإعدام عليه. يقول محفوظ: «لم أتوقع أبداً تنفيذ الحكم، وظننت أن مكانته ستشفع له، وإن لم يصدر عفو عنه فعلى الأقل سيخفف الحكم الصادر ضده إلى السجن المؤبد على الأكثر ثم يخرج من السجن بعد بضع سنوات، وخاب ظني ونفذ حكم الإعدام بسرعة غير معهودة أصابتني بصدمة شديدة وهزة عنيفة».

ويعترف محفوظ بتأثره بشخصية سيد قطب إلى الدرجة التي جعلته يضعها ضمن الشخصيات المحورية التي تدور حولها رواية «المرايا» مع إجراء بعض التعديلات البسيطة، يقول: «الناقد المدقق يستطيع أن يدرك أن في تلك الشخصية ملامح كثيرة من سيد قطب من خلال شخصية عبد الوهاب إسماعيل في الرواية».

وكانت هذه هي المرة الثالثة التي يكتب فيها محفوظ عن سيد قطب ووصفه فيها بدقة فقال: «إنه اليوم لأسطورة، وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير، ورغم أنني لم ألق منه إلا معاملة كريمة أخوية فإنني لم أرتح لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين، وكان في الثلاثين من عمره، يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية، وينشر أحياناً فصولاً في النقد في المجلات الأدبية أو قصائد في الشعر التقليدي، وامتاز بهدوء الأعصاب وأدب الحديث فما احتد مرة أو انفعل ولا حاد عن الموضوعية، ولا بدا في مستوى دون مستوياتهم الرفيعة، يقصد أساتذته، فكأنه كان نداً لهم بكل معنى الكلمة».

ويقرر محفوظ أن سيد قطب فاق أساتذته في التفكير والتحليل والثقافة، ويسترسل في سرد حياة عبد الوهاب إسماعيل (سيد قطب)، وعلاقته مع ثورة يوليو، وانضمامه إلى «الإخوان المسلمين»، وتغيره وتطور نظرته التي وسمت كل المجتمع بالجاهلية. ورغم تحفظ محفوظ على بعض هذه التطورات، فإن نجيب محفوظ ظل يكن احتراماً وتقديراً كبيرين لسيد قطب، ولم ينس أبداً فضله الكبير عليه، في التنبيه إلى أدبه، ولفت الأنظار بقوة إلى رواياته يقول: «رغم الخلاف الفكري بيني وبين سيد قطب فإنني كنت أعتبره حتى اليوم الأخير من عمره صديقاً وناقداً أدبياً كبيراً، كان له فضل السبق في الكتابة عني ولفت الأنظار إليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون».

وكانت لمحفوظ أمنية لم تتحقق وردت في معرض ما كتبه عن قطب في «المرايا»، حين يسأله عن المستقبل، فرد عليه: هل لديك اقتراح؟ فقال: لديَّ اقتراح لكني أخشى أن يكون جاهلياً، هو أن تعود إلى النقد الأدبي. وبعد أشهر وفي 30 أغسطس 1966، أطلق الرصاص على عبد الوهاب إسماعيل، أثناء مقاومته الشرطة، التي ذهبت للقبض عليه لمشاركته في مؤامرة للإخوان المسلمين، فمات».

كان هذا ما جاء في «المرايا» أما في الحقيقة فمات سيد قطب في اليوم نفسه وبالتهمة نفسها، ونفذ حكم الإعدام شنقاً في المفكر الإسلامي والناقد الأدبي، الذي كان أول وأهم من كتب عن نجيب محفوظ وأشاد بموهبته في بداياته. وبعد أربعين عاماً، وفي اليوم نفسِهِ، من سنة 2006 رحل نجيب محفوظ عن الدنيا، ولعلها من قبيل المصادفات التي تقدرها المقادير، بما لا يمكن فهمه وتفسيره على مقاييس الناس العادية.

بداية التعارف في «لجنة النشر للجامعيين» التي أصبحت لاحقاً «مكتبة مصر»

سيد قطب يكتب عن روايات نجيب محفوظ باهتمام كبير

قطب يرى أن أعمال نجيب تمزج بين الطابع الإنساني العام والنكهة المحلية

أديب نوبل يكتب عن سيد قطب في رواية «أشواك»
back to top