حكاوي الراوي... نجيب محفوظ (12 - 15)

«شلّة الحرافيش»... رفاق المقاهي والشوارع

نشر في 17-06-2016
آخر تحديث 17-06-2016 | 00:00
«شلة العباسية» هي الشلة الأصلية لنجيب محفوظ قبل أن ينضم إلى مجموعة «الحرافيش»، ويصبح هو علمها وواسطة العقد فيها. بدأت جلساتهم وكأنها لقاء جيل، تعارفوا عام 1942، وكانوا جميعاً طليعة من الكتاب والمبدعين والفنانين لجيل راح يتحسس مكانه تحت الشمس مع بدايات العقد الرابع من القرن الماضي، ودخل الشلة وخرج منها من سماهم محفوظ «الأعضاء غير الدائمين». كانوا جميعاً في مستهل حياتهم الإبداعية في تلك الأثناء، وقد سبقت جلساتهم وجود نجيب محفوظ فيها، وقد دعاه عادل كامل للانضمام إلى «قعدة» تضمه وآخرين.

يقول البعض إنه كان قد أطلق عليها اسم «اجتماع الدائرة المشؤومة»، تنكيتاً على الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في تلك الأيام. يذكر المخرج توفيق صالح: «ربما لا يعلم كثيرون أن «الحرافيش» لم تبدأ بنجيب محفوظ ولكنها بدأت بالأديب عادل كامل المحامي والفنان أحمد مظهر وقد تعارفا عام 1936 أثناء سفرهما على ظهر مركب متجه إلى» برلين} للمشاركة فى دورة {الأولمبياد}، مظهر بصفته بطل فروسية وكامل ممثلاً لطلبة الجامعات المصرية. تصادق الاثنان واتفقا على الالتقاء كل خميس ومناقشة أحد الكتب فى كل مرة، وفي بداية الأربعينيات تعارف عادل كامل ومحفوظ فانضم إليهم لكنها بدأت تبتعد عن فكرة الصالون الثقافي وتأخذ طابعاً أكثر حميمية يختلط فيه العام بالخاص.

كان عادل كامل في طليعة هذا الجيل من حيث الجودة والامتياز كما يقول محفوظ، وكان أصدر روايته الأولى {ملك من شعاع} التي استوحى موضوعها من التاريخ الفرعوني، ونشرتها لجنة النشر للجامعيين عام 1941، ونالت استحسان الأدباء والنقاد، وفازت بالجائزة الأولى في مسابقة مجمع اللغة العربية عام 1943، في حين نال نجيب محفوظ  الجائزة الثانية عن روايته {كفاح طيبة}، ثم نشر عادل كامل روايته الكبرى {مليم الأكبر} عام 1942، ونشر محفوظ روايته {السراب} في وقت متزامن، وتقدما معاً بالروايتين للتسابق لنيل جائزة مجمع اللغة العربية، ومنيا بخيبة بعدما رفض المجمع إعطاء الجائزة لأيّ من المتنافسين، وهذا كان سبب هجر عادل كامل للأدب والتشكك في جدواه بعد صدمته تلك، واتجه إلى المحاماة ليحقق منها ثراءً ملحوظاً، وتوقف بعدها مدة طويلة عن نشر أية أعمال جديدة له.

وجاءت فكرة تغيير الاسم حين أشار أحدهم إلى ما جاء في كتاب رفاعة الطهطاوي {تخليص الإبريز في تلخيص باريز} وكيف وصف رفاعة {الحرافيش} وربطهم بالجلوس على مقاهي مرسيليا وباريس، وفيه يقول: {المقاهي عندهم ليست مجمعاً للحرافيش، بل هي مجمع لأرباب الحشمة. أما الفقراء فإنهم يدخلون بعض الخمارات و}المحاشيش}، ومع ذلك هذه المحال أيضاً مجملة تجملاً نسبياً}، ثم يصف خمارات باريس فيقول: {أما خماراتها فإنها لا تحصى، فما من حارة إلا وهي مشحونة بهذه الخمارات، ولا يجتمع فيها إلا أراذل الناس و}حرافيشهم}. وحين سمع الفنان أحمد مظهر كلام رفاعة الطهطاوي قال للحاضرين: {أهو أنتم بقى الحرافيش}. ومن يومها أصبح اسم {الشلة} فجاء الوصف الجديد تأكيداً لحرصهم على الجلوس على مقاهي فقيرة زاهدين في جلسات الأغنياء، ما دفع الفنان أحمد مظهر إلى أن يطلق عليهم {الحرافيش}، وحاز كل عضو فيها بلقب {حرفوش}، وكانت قعدات {شلة الحرافيش} لا تدخل في مناقشات فكرية، وكان يسودها الرغبة في الاسترخاء و}الفرفشة}، تتخللها حوارات و}قفشات} عن مشاكل الحياة العادية وعن شؤون أعضائها الشخصية.

مقهى فتوة الحسينية

كانت «الحرافيش» تضم نوعيات مختلفة من الشخصيات، وكان من بين أعضاء الشلة أدهم رجب، وهو طبيب هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكان من أقرب أصدقاء نجيب محفوظ، وكان مقرها الرئيس على مقهى «عرابي» وكان عرابي فتوة الحسينية، يقول: «كنا – أنا وأصدقائي – نذهب للجلوس في مقهاه، وكان أحياناً يتشاجر معنا لأنه كان محباً للهدوء والنظام، ويكره أن يصفق أحد بيديه لاستدعاء النادل، وكان صوتنا يعلو كثيراً وندخل في فاصل من المشاغبة البريئة، فلما يضيق بنا يتجه نحونا ويقول في غضب: «هذا مقهى أم مدرسة أيها الأفندية؟ من الغد لا تدخلوا المقهى»، فننتقل إلى مقهى «الفقي»، وهو مقهى صغير في آخر العباسية، وبعد عدة أيام يمر علينا «عرابي» في بيوتنا، يصالحنا ويعلن انتهاء فترة الطرد، ونعود إليه من جديد».

ويضيف محفوظ: {في أيام الانتخابات كانت {قهوة عرابي} تتحول إلى معسكر لأنصار {الوفد}، لأن عرابي كان وفديا، وكان كبار السياسيين من أهل الحسينية مثل الشواربي باشا وأحمد ماهر باشا يخطبون ود {عرابي} حتى يساعدهم في كسب أصوات الناس بما يتمتع به من تأثير جماهيري رهيب. ورغم السنوات العشرين التي أمضاها في السجن فإنها لم تؤثر في شخصيته، وكان شكله وتركيبته يوحيان بالزعامة، وفيه هيبة سعد زغلول، وكان في صوته شموخ لأنه تعود أن يأمر فيطاع}.

تنقل محفوظ بشلته الأصلية بين مقاهي القاهرة القديمة، فاجتمعوا على مقهى {قشتمر}، ثم نقلوا جلستهم إلى مقهى {إيزيس} ثم {عرابي}، وفي رحلاتهم لحي الحسين كانوا يجلسون إما في {زقاق المدق} أو {الفيشاوي}، ولكنهم استقروا بالأخيرة لإحساسهم بالرضا هناك. يقول نجيب محفوظ في حوار تلفزيوني: {في رحلاتنا إلى الحسين كنا نجلس إما في زقاق المدق أو الفيشاوي، وعندما عرفت قهوة الفيشاوي أحببتها جداً، أما مقهى {علي بابا} فهي قهوتي الخاصة، التي أذهب إليها في الصباح الباكر، لأنها القهوة الوحيدة التي تفتح 24 ساعة}.

وحين استقر محفوظ عضواً فاعلاً في {شلة الحرافيش} كان هو السبب وراء انتقالهم إلى الجلوس على المقاهي، يقول: {القهوة مهمة جداً في حياتنا الأولى، لأننا كنا كثيرين}. وبعد تنقلات عدة من مقهى إلى آخر، استقر تجمع {الحرافيش} في الستينيات، في مقهى {ريش}، لتسطر تاريخاً جديداً لهذا المقهى، وتضيف إليه قيمة أدبية تضاهي قيمته التاريخية في ثورة 1919. وحين حلت النكسة عام 1967، انفضت المجموعة عن اللقاء في {ريش}، نظراً إلى الأوضاع الجديدة التي طرأت على المجتمع المصري، وما خيم على الساحة من إحباط ويأس، فعزف الحرافيش عن اللقاء، إلَّا مساء كل يوم خميس في منزل الأديب الساخر محمد عفيفي في حي الهرم، وحين تُوفي عفيفي، انتقلوا إلى منزل عادل كامل.

رواية توفيق صالح، أحد أبرز أفراد شلة الحرافيش، تؤكد أن {القعدة} اتسعت فيما بعد وشملت آخرين، وانتقلت من المقاهي إلى البيوت، يقول: {صحبني الأديب الساخر محمد عفيفي إلى قعدات الشلة وضمني لأكون واحداً من أعضائها، وكنا نجتمع في البداية في {الفيللا} التي اشتراها من أحمد الحفناوي عازف الكمان الشهير، ثم أصبحنا نجتمع في منزلي لبعض الوقت، وكان نجيب محفوظ يحب أكل العدس الذي تصنعه زوجتي ويفضل الفول على أي طعام}.

عادل كامل

كثيرون ممن التحقوا بشلة الحرافيش تحدثوا طويلاً عن تلك الجلسات التي كانت تجمعهم مع عملاق الرواية العربية، ولكنه هو كانت له شهادته على بعض الحرافيش أولهم الأديب عادل كامل وقد كانت له بداية أدبية ممتازة ولقيت أعماله خاصة روايتيه «مليم الأكبر» و«ملك من شعاع» استحسان النقاد والقراء وذهبت التوقعات إلى انتظار مولد موهبة كبيرة. ويرى محفوظ أن عادل كامل هو الأديب الوحيد في جيلهم الذي كان يمكنه أن يتفرغ للأدب مثلما فعل محمود تيمور، فقد كانت أحواله المادية مستقرة إلى حد كبير. يقول محفوظ: «كنا نعتبره من الأعيان، وعندما تعرفنا إليه كان يمتلك سيارة خاصة، في وقت كان فيه عدد السيارات في القاهرة محدوداً، ونكاد نعرف أسماء أصحابها بالاسم، وفجأة انقلب عادل كامل على الحياة الأدبية وبدأ يشكك في الأدب وقيمته، وترجم شكه إلى هجرة عن الأدب واعتزال الكتابة والاتجاه إلى ممارسة مهنة المحاماة».

للناقد الكبير رجاء النقاش تفسير مقنع لموقف عادل كامل ذكره في مقال «بين الحلم والكابوس»، وخلاصته أن عادل كامل كان من الحالمين وكان يتصور أنه يستطيع أن يغير المجتمع بكتاباته يمحو بها ما فيه من ظلم، ولكنه بعد أن أصدر أعمالاً أدبية عدة لم يجد صدى لها أكثر من الصدى الأدبي ووجد أن المجتمع لم يتغير، فانسحب لأن أحلامه لم تتحقق، بينما كان نجيب محفوظ يكتب منذ البداية وهو يشعر أن الواقع الاجتماعي هو كابوس كبير وأن الأخير لا يمكن أن يزول بين يوم وليلة وأنه بحاجة إلى صبر طويل ووقت أطول، لذلك استمر في الكتابة، ولم يتعرض للصدمة التي تعرض لها الحالم عادل كامل.

واحد من ظرفاء «شلة الحرافيش» كان الأديب الساخر محمد عفيفي، ضمه نجيب محفوظ، وانتقلت جلسات الشلة إلى بيته في الهرم، بعدما كانت تتجول على مقاهي وسط البلد أو حي الحسين،  يقول محفوظ: «معرفتي به جاءت عن طريق صلاح أبو سيف، فقد استعان به لكتابة حوار أحد الأفلام بعد أن اتفق معي على كتابة السيناريو، كان ذلك عام 1949 ومن يومها توطدت صلتي به واكتشفت فيه شخصية إنسانية رائعة».

ويعترف محفوظ بأن عفيفي دعاه إلى الانضمام إلى «شلة العوامة»، وكانت مجموعة من الأصدقاء يستأجرون «عوامة» على النيل، لقضاء السهرات التي لم تكن تخلو من البيرة والحشيش، يقول: «وكما دعاني إلى شلة العوامة دعوته إلى شلة الحرافيش التي سرعان ما اندمج فيها وكانت اجتماعاتهم وسهراتهم في شوارع القاهرة ومقاهيها ثم انتقلت إلى بيت محمد عفيفي في الهرم، ولم ننتقل إلى بيت عادل كامل إلا في السنوات الأخيرة بعد وفاة محمد عفيفي».

وعفيفي في رأي نجيب محفوظ شخصية ممتعة ذات أخلاق رفيعة، يتمتع بموهبة أدبية نادرة، يملك حساً ساخراً، اعتبره امتداداً للمازني والجاحظ، وفولتير، ومارك توين. ويعتبر محفوظ أن الصورة الفكاهية التي يكتبها محمد عفيفي من أمتع وأرقى ما قرأ في حياته، ويتحدث عن الجانب الغريب في حياة عفيفي فيقول: «كان يعشق الخمور الرديئة ويقبل بشغف على تناولها بينما يرفض الأنواع الجيدة التي لم يذقها طوال حياته».

مرض عفيفي بالسرطان ولم يكتشفه إلا مصادفة، يقول محفوظ: «في أحد الأيام لاحظ ابنه، وهو طبيب، شيئاً يشبه النبقة الصغيرة في ذقن أبيه فأصر على اصطحابه إلى الدكتور، ولم يوافق عفيفي إلا بعد إلحاح معتقداً أن الأمر بسيط ثم اكتشف حقيقة مرضه ومات بعدها بقليل».

انتحار صلاح جاهين

من مشاهير الحرافيش الشاعر ورسام الكاريكاتير الشهير صلاح جاهين الذي حسب محفوظ: «انضم إلى الحرافيش وواظب على الحضور حتى تزوج من زوجته الثانية وشغلته أمور الحياة والزواج فانقطع عنا، مثلما انقطع عنا الدكتور مصطفى محمود بعد أن دخل في دور «الدروشة».

الوحيد من الحرافيش الذي كتب عنه محفوظ بالتفصيل وبوقائع تكاد تقترب من الحقيقة هو صلاح جاهين، خلده محفوظ روائياً في رواية «قشتمر»، وأطلق عليه اسم طاهر عبيد الرملاوي، وفيها أنه: «من أحب الشخصيات إلى قلوبنا لخفة روحه وبساطته، جاذبيته لا تقاوم، الولد الوحيد لوالديه، يحفظ الشعر ويتذوقه ويحب الزجل، نشر شعره في مجلة معروفة بالدعوة لروح العصر والتقدمية، شعره الشعبي بشّر بالثورة، كرّس شعره للثورة فما من إنجاز أو نصر أو موقف نبض به قلب الثورة إلا وأعطاه المعادل الشعري في أجمل صورة ثم سرعان ما يترجم إلى غناء، بعد الهزيمة قال شعراً كثيراً يفيض يأساً وحزناً وتشاؤماً، ولم يعد يرد على السخرية، بعد أن انكسرت نفسه وانهزمت كبرياؤه». وفي الرواية يقول طاهر: «لولا درية ونبيلة (زوجته وابنته) لانتحرت، يمنعني حبي لهما وخجلي منهما، لم يرد نجيب محفوظ أن يجسد تفاصيل انتحار «جاهين» في الرواية، رغم أنه قال في حديث صحافي إنه انتحر بالحبوب المهدئة، لكن محفوظ مهد وأشار وهيأ القارئ نفسياً لنهاية جاهين المأساوية».

يقول محفوظ: «كتبت رواية قشتمر عن صلاح جاهين، وكنت أعرف عنه الكثير، ولكني عدلت فيها كثيراً كي أخفي بعض ملامحه، والكثير من الشخصيات المعاصرة بالإضافة إلى وقائع وأحداث ليس لي حق في سردها، والطريف أن ابنه الشاعر بهاء جاهين تعرف إلى شخصية والده بسهولة، حين قرأ الرواية رغم ما حاولته من إدخال تغييرات في ملامحها».

شهادات عدة ممن كانوا أعضاء في تلك الشلة تبين أن «ليالي الحرافيش» كانت مسامرات مستمرة لا يحدها موضوع ولا تفرض عليها أجندة للحوار. كانت الأحاديث فيها مفتوحة على كل شيء وأي شيء، عن الأدب والشعر والفن، والسياسة والدين والعقيدة، والفلسفة والفكر والسينما والمسرح والتلفزيون، كذلك عن الهوية المصرية، عن مصر الفرعونية، عن البسطاء، عن البرجوازية والارستقراطية، عن الشيوعية والجماعات الإسلامية، عن التنظيمات السرية، عن البطولات عن ميادين الحرب، عن الشجاعة والفروسية، عن الخرافة والأساطير، والتاريخ، يقولون: «كنا نلتقي كل خميس ونقطع كل صلة بين جلستنا وما نقوم به طوال الأسبوع، نناقش الأمور العامة والخاصة ندردش ونمرح ونأكل وبعدها نقوم بجولة ليلية في إحدى السيارات نشتري الآيس كريم ونسمع الأغاني في الطريق ثم يعود كل إلى بيته».

يقول المخرج توفيق صالح: «كنا نفضفض في هذه الجلسات ببعض المشاكل الخاصة ونتحدث في كثير من قضايا الشأن العام، وكان يتخللها الكثير من النكات و»القفشات» التي يجيدها محفوظ تماماً، وكانت ضحكته تجلجل في المكان، وحين ننتهي من الجلسة نذهب بالسيارة في طريق سقارة لسماع أم كلثوم وعبد الوهاب وكان نجيب يحب أغنية عبد الوهاب «من قد أيه كنا هنا».

وبعد فترة، أصبح نجيب محفوظ شيخ الطريقة بالنسبة إلى شلة «الحرافيش» التي تجددت على يديه وفي حضرته، ودخلها ناس كثيرون من شتى المشارب ومختلف الاهتمامات. ، كان محفوظ هو واسطة العقد في جلسات «الحرافيش» يضفي على الجلسة مسحة من لذة الحديث، التي كانت تمتاز أحياناً بالبساطة الجذابة، وفي مرة أخرى كان يظهر كصاحب نكتة، يتناول القضايا المطروحة بلون ساخر وحس فكاهي، ولا تفوته إبداء ملاحظة أو تعليق على كل ما تقع عليه عيناه، ومرات أخرى كان ينحو منحى الجدية في آرائه وحديثه، وكان حريصاً على أن يترك المجال واسعاً أمام آراء الجميع، يستمع بتعمق ويتفهم حتى الآراء المخالفة لما يرى، وكان يحرص على أن يكون آخر من يتكلم.

حرافيش الإسكندرية»
لم يقتصر لقاء «حرافيش» نجيب محفوظ على محافظة القاهرة، بل كانت للشلة فروع أخرى. لـ»حرافيش إسكندرية» تاريخ مواز لتواريخ «حرافيش القاهرة» وقصصه، فقد كان الأديب الكبير يمضي فيها نحو خمسة أشهر سنوياً كعادته بشقته بمنطقة سان ستيفانو ملتقياً بأعضائها يومياً، في حديقة فندق «سان ستيفانو» القديم من السادسة مساءً حتى التاسعة، وكانت تضم عدداً كبيراً من أدباء ومثقفي «الثغر». كان يصل إلى الإسكندرية في أول سبت من مايو ويبقى حتى الأربعاء الأخير من سبتمبر، ويسافر الخميس عائداً إلى القاهرة. وظلّ مجلس حرافيش الإسكندرية ينعقد يوميّاً خلال إقامة محفوظ في المدينة حتى عام 1995، حين تعرض الكاتب الكبير لمحاولة اغتيال من الجماعات الإسلامية، فامتنع عن قضاء إجازته السنوية في الإسكندرية.

كان نجيب محفوظ يعشق الإسكندرية بطريقة غير عادية، ويصفها دائماً بأنها معشوقته الأثيرة، رغم أن في القاهرة تقع غالبية أحداث روايته وأعماله، باستثناء روايتين فقط عن الإسكندرية، هما «السمان والخريف»، و»ميرامار»، وهو بنسيون يقع في «محطة الرمل». وأثناء وجوده في الإسكندرية، كان نجيب محفوظ يبعد تماما عن الكتابة والعمل، ويكتفي باختزال تأملاته للحياة والبشر في ذاكرته القوية، وكان يعتبرها فترة «تأمل» لازمة فرضها المرض واستفاد هو منها أفضل استفادة.

كان يستيقظ مبكراً ويرتدي ملابسه، ويتناول إفطاراً خفيفاً، ثم يتوجه للجلوس في «تريانون» الحلواني بمحطة الرمل، أو كافيتريا فندق «بلازا» القريبة من منزله في «سان ستيفانو» في الصباح، ويرفض الجلوس مع أحد في تلك الأثناء مكتفياً بـ «التأمل». ولو طلب أحد الحديث إليه يرد عليه بعبارة واحدة لا تتغير وهي: «تعالَ بالليل في سان ستيفانو». كان لا يحب أن يخترق أحد لحظات تأمله للبشر والحياة، وكان يكره الإزعاج بشدة.

كان يعتبر جلساته مع مختلف فئات الشعب نوعاً من «برلمان المثقفين»، ويذكر أحدهم: في إحدى المرات أثناء جلوسنا معه في كافيتريا سان ستيفانو، حضر تلميذ ثانوي، أصبح صحافياً شهيراً الآن، مجلسنا وهاجم أعماله بشدة، وكنا نود طرده من مجلسنا، فرفض الأستاذ وقال جملة لن أنساها: اتركوه يعبّر عن رأيه بحرية، لازم نسمعه إحنا كبرنا خلاص وبقينا متطفلين على العصر، وكويس إن العصر الحالي متقبلنا.

محفوظ نال جائزة عن روايته «كفاح طيبة»

الاسم اختاره الفنان أحمد مظهر لرفاق جيل 42 بعدما قرأ وصف رفاعة الطهطاوي لرواد خمارات باريس

أديب نوبل يعتبر محمد عفيفي شخصية ممتعة ويمتلك حساً ساخراً

رواية «قشتمر» استوحاها نجيب من حياة صلاح جاهين

«قهوة عرابي» تتحول إلى معسكر لأنصار حزب الوفد أثناء فترة الانتخابات
back to top