الأديبة اللبنانية نسرين بلوط: الحرف لا يعرف الخجل

نشر في 16-06-2016
آخر تحديث 16-06-2016 | 00:00
نسرين بلوط
نسرين بلوط
تؤكد الشاعرة والروائية اللبنانية نسرين بلوط أن ما ينقص الثقافة هو ثورة أدبية شاملة تسعى إلى التجديد وكفانا جرعاً لكؤوس ارتشفها من سبقونا، وتضيف أن على المبدعة أن تتسم بجرأة لامحدودة في كتابتها لأن الحرف لا يعرف الخجل، «حاولت أن أتحرر من عباءة المحاذير في روايتي (مساؤك ألم)، ولكن عقدة الخجل كانت تواكبني بصفتي امرأة شرقية».
لنبدأ من عنوان روايتك الأخيرة «مساؤك ألم».. ما الذي أردت قوله من خلال هذا العنوان؟

في البدء كان عنوان الرواية «مساؤك قلم».. لأن القلم هو الذي سيخترق مواسم الغدر والشوق في حياة كل بطل من أبطال الرواية.. لكني آثرت تغيير العنوان إلى «مساؤك ألم» لأن الألم يواكب هذا الاحتدام البارز بين الألم وبين سحب الأمل التي تجتاح الظلمة الحاشدة من وقت إلى آخر، لتتيح للروح الارتقاء إلى معالم كون أوسع وأفضل.. البطل يرتحل بين النساء كشهريار في حكاية ألف ليلة وليلة.. ينتقم من ماضيه ويشرع الظلم كسنن له تواكبه في حله وترحاله ثم يتخبط بظلمة نفسه.. ويرتد الألم له كصفعة مدوية في جحيم ذاته.

في روايتك صراع نفسي كبير تعيشه البطلة «صابرة» في الرواية، إلى أي حد يرتبط ذلك بالواقع العربي اليوم؟

«صابرة» نموذج للأم الصابرة والمرأة العربية التي تشد على جرحها حتى لا يتفتق ويصبح عرضة لحروق الشمس... تلك المرأة بالنسبة إلي كانت البطلة الحقيقية للرواية لأنها كتبت جراحها وبذلت عمرها للغير، فتجردت من أنانيتها ورغباتها وكانت الرقيب والحسيب للظالم والأناة والصبر للمظلوم.. هي تعكس الواقع العربي والمجتمع الشرقي إلى حد كبير فقد أتت من قرية صغيرة وبيئة فلاحين بسطاء.. تفتح أبوابها للكد كل فجر وتغلقها على تسبيح الحمد كل مساء.. تلك الزوجة والأم والشقيقة عانت مع الآخرين أكثر مما عانت مع نفسها وروّجت لأصالة المرأة الشرقية بكل حذافيرها.

رواية «مساؤك ألم» تدور حول عائلة مصرية وعائلة لبنانية، لماذا؟

نعم الرواية شيدت جسر تناغم نوعي بين مصر ولبنان... والبلدان عانت من وهج الاستبداد والظلم والخنوع والثورة والتمرد.. ومشكلة الإنترنت عموماً والـ «فيسبوك» بالتحديد مشكلة كبيرة، فهي ترمم الانكسارات النفسية لذوات الآخرين حين يتوهمون بأنهم وجدوا حبهم الذي تحضروا له طويلا في الحلم وراودهم في هذيان كبوتهم.. ثم تدمر أحلامهم في لحظة يدركون فيها أنهم عاشوا في غفلة تدعو للسخرية.. فالبطل عز الدين كان مثالا للطيف المجهول الذي انتظرته سارة بطلة الرواية طويلا بعد خيبتها في زواجها الأول، وما لبث أن استحال إلى ما سمته «قاتلها»، هنا أستعيد بيت شعر لجبران خليل جبران يقول فيه: «وقاتل الجسم مقتولٌ بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشرُ».

كيف ترين الحالة الأدبية والوضع الثقافي اللبناني حالياً؟

الحالة الأدبية لا تُلغى في أي عصر وزمان.. قد تتعرض لهزة خفيفة أو تتكور على ذاتها في أوقات يسيل فيها العبث في طيات المجتمع، ولكنها تعود واثقة قوية تشق مفاهيم المجتمع برهافة الحس وسيلان الأقلام المبدعة، والوضع الثقافي في لبنان متقدم ويبشر بأسماء مقبلة تحمل هموم الناس وبحّة الناي التي تعزف جرح الغيب... وتحفر في التاريخ أسماء لمبدعين جدد.

البعض يقول عن كتابتك إنها تميل للواقعية، كيف ترين ذلك؟

عندما نكتب الرواية يجب أن تستخلصها من عمق الواقع واحتراق الغصات الإنسانية وذوبانها في الماورائيات.. ثم نجملها بالخيال الذي يشبه الندى المنثور على شفاه وردة.. إذن الواقع هو الوردة والخيال هو هذا الندى الذي يغلفها.. وهذه هي الرواية الحقيقية التي لا تتكئ كلها على الواقع ولا تعتمد بمعظمها الخيال.

سبق الرواية ثلاثة دواوين شعرية هي «أرجوان الشاطئ» و{رؤيا في بحر الشوق» و{مهربة كلماتي إليك»، أين أنت من الشعر الآن؟

الشعر هو جزء كبير من حياتي.. ما تغير هو أني أكتب الآن القصيدة الموزونة التي تعبق بسحر الموسيقى النافذة إلى القلوب.. وتعود حينا إلى التاريخ وحينا إلى الأساطير التي تحيك لغز حياتنا، لدي ديوان جديد جاهز للطباعة.. أنشر قصائده بين الحين والآخر في جريدة {الجمهورية} اللبنانية التي أكتب فيها.

تحمل كتاباتك نقدا للعادات والتقاليد، هل تتعمدين ذلك؟

كتابتي ناقدة ولاذعة وثائرة على عاداتنا التي سئمنا من تكرارها وتقاليدنا التي لاحقتنا بأغلالها البالية الناتئة بالشوك المسنون.. والمجتمع هو الإطار الذي يحتضن تلك العادات والتقاليد حتى يحجب عن بصيرتنا نور الحرية والانفتاح.. المطلقة تُرجم في مجتمعنا والفقير يُنبذ والطيور تُحاسب على عدد أيام هجرتها.. والفكر الجدير بفسحة الضوء يُصلب حتى الشماتة كي لا ينفذ إلى قلوب الآخرين.. أنا مع الحرية شرط أن نجيد استخدامها ولا نتهور في انتهازها...

كيف تنظرين إلى مشروعك الشعري والروائي وتجربتك الخاصة؟ كيف تقرأين فيها تحولاتك الذاتية وانعكاسات الأزمنة والأمكنة؟

أسعى دائماً لأغربل ذاتي وأنتقد نفسي وأقرأ غيري كي لا أقع في فخ التكرار.. التكرار داء وقع فيه بعض كبار الشعراء والأدباء.. لأنه يرسم دائرة لإبداعاتهم لا يخرجون من مساحتها أبداً وتبدأ رحلة الدوران الذاتية لديهم حتى يقعوا من الدوار.. الكاتب يشبه الرحال الذي عليه أن يتزود من كل زمان ومكان يعبر فيه كي يشنف طاقاته للنور ويعكس ظلاله للآخرين.

لك مشاركات خارجية ومحلية منذ بداياتك هل كانت سبباً في النضج أو الانتشار؟

مشاركاتي في بلدي وخارجه أغدقت على قلمي بأنفاس البُعد، ولا أعني هنا البعد الجسدي ولكنه البعد الروحي والفكري... عبرتُ الحدود وهربت عبر كلماتي وأفكاري فكانت نقطة التقاء بين الحضارات الشرقية وتاريخ كل مدينة مرّ بها كياني، السفر هو نبشٌ للتاريخ واستكشاف لآثاره.. والتاريخُ هو مفتاح النجاح لكل كاتب أو أديب أو مفكر.

حصلت على أكثر من جائزة.. ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟

الجائزة لا تصنع مبدعاً ولا تخذل مبدعاً آخر إن لم يحصل عليها.. الجائزة رأي فردي اجتمع عليه نقاد أو كتاب وقرروا تكريم صاحب العمل لأنه قدم إضافة إلى الأدب.. ولكن ذلك لا ينفي قيمتها وتأثيرها على من فاز بها فيشعر بأن أعماله تكللت بتكريم وهتاف تشجيع خصوصاً إذا كان من نالها قد استحقها عن جدارة..

باعتقادك ما الذي تفتقده المبدعة وينقصها في مجتمعاتنا؟ وكيف تستطيعين الاختباء وراء الرمزية وهل تفكرين في المحاذير أثناء كتابتك؟

على المبدعة أن تتسم بجرأة لامحدودة في كتابتها لأن الحرف لا يعرف الخجل بل يشرئب بعنقه جريئاً للبصر وحاداً للبصيرة.. وهذا ما تتردد الكثير من المبدعات العربيات في إظهاره لئلا يُتهمن بالإغراء والتشويق الجنسي.. وقد حاولت أن أتحرر من عباءة المحاذير في روايتي «مساؤك ألم» ولكن عقدة الخجل كانت تواكبني بصفتي امرأة شرقية.. إذن أنا أنتقد نفسي أيضاً فالكتابة هي إعصار يشق البحار وتتناثر من حوله الأمواج تركض في كف البحر حيرى ومدهوشة، تتبرّم وتتكلم من غير حروف ولا تلبث زرقة السماء أن تعيد لها بهجتها بعد أن تزول الكارثة.. ويخمد هذا الإعصار..

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

ديوان شعري جاهز للطباعة ورواية لم تنجز بعد.. الجديد بالنسبة إلي هو التجدد وليس التكرار.. لهذا أحب أن أُسأل دائماً.. ما هو الأمر الذي تجددت فيه..

{مساؤك ألم»... جسر تناغم نوعي بين مصر ولبنان

الوضع الثقافي في لبنان متقدم ويبشر بأسماء مقبلة تحمل هموم الناس
back to top