الروس... لماذا لا يبتسمون؟

نشر في 15-06-2016
آخر تحديث 15-06-2016 | 00:00
والداي روسيان ولطالما أربكني مشهد متكرر خلال نشأتي في الولايات المتحدة. كلما كنت أتصوّر مع أصدقائي، كان يُطلَب منا أن نبتسم.
لكن إذا كان والداي أيضاً في الصورة، كانت ملامحهما تبدو جامدة.
يتكرر المشهد نفسه مع أقاربي الروس في صور العطلة. ويبدو والداي في صور تخرّجهما في المدرسة الثانوية محبطَين أثناء الرقص مع زملائهما في الصف.
لا يقتصر الأمر على الصور: لا داعي لتقلق المرأة الروسية من أن يطلب منها أي رجل عشوائي أن {تبتسم}!

لا يعني ذلك أننا جميعاً تعساء! بل على العكس: تتعدد المظاهر التي يستمتع بها البعض. لكن لا يتمتع الروس عموماً بمهارة الابتسام من دون سبب ولا يشعرون أصلاً بضرورة تطوير مهارة مماثلة. تذكر مقولة روسية ما معناه أن {الضحك بلا سبب دليل غباء}.

يبدو ميل الروس إلى التجهّم أغرب من برودة المناخ بالنسبة إلى الغرباء. وتبرز الاختلافات الثقافية بالنسبة إلى الطرفين معاً: يلاحظ القادمون الجدد إلى الولايات المتحدة ظاهرة غريبة متمثلة بابتسام الغرباء لهم.

مؤشر غباء

ما سبب هذه الظاهرة إذاً؟ لماذا لا تشجّع بعض المجتمعات على الابتسام المتكرر؟ حصلتُ على الجواب الذي أريده، أو جزء منه على الأقل، حين وجدتُ دراسة جديدة أجراها كوبا كريس، طبيب نفسي في {الأكاديمية البولندية للعلوم}. في بعض البلدان، قد لا يكون الابتسام مؤشراً على الودّ أو حتى الاحترام بل دليل غباء مطلق.

ركّز كريس على ظاهرة ثقافية اسمها {تجنّب المجهول}. تميل الثقافات التي تضعف فيها هذه النزعة إلى إنشاء أنظمة اجتماعية (محاكم، رعاية صحية، شبكات أمان) غير مستقرة. لذا يعتبر الناس هناك المستقبل غير متوقّع وخارجاً عن السيطرة.

يشير الابتسام إلى اليقين والثقة، لذا قد يبدو الناس في تلك البلدان غريبي الأطوار حين يبتسمون. ما الداعي للابتسام إذا كان مصير الناس سوداوياً؟ حتى أنك قد تُعتَبر غبياً في تلك البلدان إذا ابتسمت!

افترض كريس أيضاً أن الابتسام في البلدان الفاسدة لن يكون محبذاً. حين يحاول الجميع التأثير على الآخرين، يصعب أن نتأكد من أن الشخص الذي يبتسم لنا يحمل نوايا حسنة أو يحاول خداعنا.

{مجلة السلوك غير اللفظي}

لاختبار هذه النظرية، طلب كريس من آلاف الناس في 44 بلداً مختلفاً أن يقيّموا سلسلة من ثمانية وجوه مبتسمة وأخرى غير مبتسمة على مقياس الصدق والذكاء. ثم قارن أجوبتهم مع تصنيفات محلية لظاهرة {تجنب المجهول} استناداً إلى دراسة جرت في 2004 وشملت 62 مجتمعاً وتصنيف فساد.

في بلدان مثل ألمانيا وسويسرا والصين وماليزيا، اكتشف أنّ الوجوه المبتسمة تشير إلى أشخاص أذكى من غير المبتسمين. لكن في اليابان والهند وإيران وكوريا الجنوبية وروسيا طبعاً، اعتُبرت الوجوه المبتسمة مؤشراً على تراجع مستوى الذكاء. وحتى بعد تقييم عوامل أخرى مثل الاقتصاد، برز رابط قوي بين العجز عن توقّع أحداث مجتمع معيّن واحتمال الربط بين الابتسامة وقلة الذكاء.

ذكاء والابتسام

البلدان على يسار الخط الأحمر تعتبر الأشخاص المبتسمين أقل ذكاءً من غير المبتسمين. أما البلدان الواقعة على يمين الخط، فتحمل رأياً معاكساً. ({مجلة السلوك غير اللفظي})

في بلدان مثل الهند والأرجنتين والمالديف، ارتبط الابتسام بالخداع وقد اكتشف كريس أنه يرتبط بتصنيفات الفساد.

الصدق والابتسام
البلدان على يسار الخط الأحمر تعتبر الوجوه المبتسمة أقل صدقاً من غيرها ({مجلة السلوك غير اللفظي})

كتب كريس: {يشير هذا البحث إلى أن الفساد على المستوى الاجتماعي قد يُضعِف معنى المؤشرات التطورية المهمة مثل الابتسام}.

إنه تفسير مقنع طبعاً. لكن اكتشفت دراسات مختلفة عوامل محتملة أخرى (مستوى الهرمية أو الطابع الذكوري في الثقافة السائدة) قد تؤدي دوراً أكثر أهمية في التعبير العاطفي الذي يكون الابتسام جزءاً حتمياً منه. وتشير أدلة أخرى إلى أنّ بعض الثقافات لا تعطي قيمة للسعادة، ما قد ينعكس على ميل الناس هناك إلى إجبار نفسهم على الابتسام.

أخيراً، قد يكون تصنيف البلدان بحسب مستوى {تجنب المجهول} فيها شائكاً (لا ننسى أنه يتوقف على الزمن أيضاً: إلى أي حد كانت أحداث سورية قبل 2010 واليونان قبل 2008 {مؤكدة}؟). لكن برز نظام تصنيف آخر لظاهرة {تجنب المجهول} صمّمه باحث مختلف اسمه غيرت هوفستيد خلال الثمانينات، وقد توصّل المقياسان إلى نتائج مختلفة بالكامل. نعرف ما يُقال عن محاولة فهم روسيا باستعمال العقل وحده، لكن يبدو أن نتائج الاستطلاعات ليست أفضل بكثير من تلك المقاربة.

لا بد من توسيع البحث الذي أجراه كريس وتكرار نتائجه. لكن يمكن استعمال هذا البحث على الأقل لمواساة الأشخاص المرحين حين يجدون نفسهم في معقل الجدّية، داخل مترو سانت بيترسبيرغ!

* أولغا قازان

back to top