نحارب الإرهاب... أم نستخدمه؟

نشر في 12-06-2016
آخر تحديث 12-06-2016 | 00:07
على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي صياغة تعريف توافقي بخصوص الإرهاب، وإنشاء آلية مشتركة وفعالة لمتابعة تصنيف الجماعات والأفراد الذين يتورطون في أنشطة إرهابية، وبالتالي وضع عقوبات وقيود على أنشطتهم.
 ياسر عبد العزيز لا يمكن للدول العربية والإسلامية أن تنجح في مقاومة الإرهاب من دون أن تمتلك موقفاً واضحاً حياله، وأولى خطوات تطوير هذا الموقف تكمن في وضع تعريف واضح وملزم له.

ستكون جامعة الدول العربية، وأيضاً منظمة المؤتمر الإسلامي، معنيتين بصياغة تعريف توافقي بخصوص الإرهاب، ويجب أيضاً إنشاء آلية مشتركة وفعالة لمتابعة تصنيف الجماعات والأفراد الذين يتورطون في أنشطة إرهابية، وبالتالي وضع عقوبات وقيود على أنشطتهم.

من دون هذا التوافق والالتزام المتبادل سيظل الإرهاب مطية تستخدمها بعض الدول، لتحقيق أهداف سياسية، وليس عدواً مشتركاً يجب أن نحتشد لمواجهته. أخطر مشكلة تواجهها الدول العربية والإسلامية الآن هي الإرهاب؛ سواء كان زائراً مقيماً، أو عدواً متربصاً، أو احتمالاً قائماً، أو شريكاً في الحكم. لكن ما يجعل هذا الإرهاب يتمدد ويكسب مناعة وأرضاً يوماً بعد يوم، أن الدول العربية والإقليمية لا تظهر جدية واستقامة كافية في مكافحته. هل تذكر الوصف الذي كنا نطلقه على المسلحين، الذين كانوا يقاتلون الجيش السوفياتي، في جبال أفغانستان، في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته؟

لقد كنا نطلق على هؤلاء المسلحين وصف "المجاهدين"، سواء في الخطاب السياسي أو الإعلامي للدولة العربية، أو في وسائل الإعلام الخاصة والمنتديات والنقاش العام. ليس هذا فقط، لكن حركة "طالبان"، التي أصبحنا نعرف أنها تنظيم متشدد وإرهابي نجح في خطف الدولة الأفغانية، وإعادتها قروناً إلى الوراء، كانت تحظى بالثناء والعرفان في الكثير من الأدبيات العربية والإسلامية.

لقد كانت وسائل الإعلام في الكثير من الدول العربية تحرض على "الجهاد" ضد السوفيات في أفغانستان، وتمجد "المجاهدين" من المقاتلين الأجانب. وكلنا يذكر كيف تم فتح أبواب التبرعات لـ"الإخوة" في جبال قندهار، وكيف تم منحهم تسهيلات لكي يخرجوا من البلدان العربية، ويلتحقوا بالقتال ضد "العدو الملحد الشيوعي".

لم يكن هذا يحدث في الماضي فقط، بل إنه يحدث في الحاضر أيضاً؛ إذ نسمع ونرى أن دولاً عربية، وأخرى إسلامية، تسهل إرسال المقاتلين الأجانب إلى سورية للحرب ضد نظام بشار الأسد.

بعض هؤلاء المقاتلين من العرب أو الآسيويين أو الغربيين يحارب في صفوف "داعش"، أو جماعات "جهادية" أخرى مثل "جبهة النصرة" وغيرها، وتقوم تلك الدول بتوفير الدعم المالي والتقني والعسكري لهؤلاء المقاتلين، بما يمكنهم من إدامة القتال، وتحقيق النصر على الجيش السوري النظامي، وتوجد شكوك كبيرة تحوم حول عدد من الدول بخصوص دعم "داعش".

تتسع تلك الشكوك لتشمل منح التنظيم تسهيلات لوجستية، تمكنه من استقطاب آلاف المجندين، الذين يتم تمريرهم من الأراضي المتاخمة ليلتحقوا بصفوفه.

وتشمل تلك الشكوك أيضاً ما يتعلق بالتسهيلات البنكية التي يحصل عليها "داعش"، إذ رصدت مراكز بحوث متخصصة في تتبع الحركات الراديكالية أن أكثر من 50 بنكاً مختلفاً حول العالم يتعامل مع "داعش"، ويسهل له نقل أمواله وحوالاته.

ثمة ما يشير أيضاً إلى بعض الدول العربية والإقليمية تشتري النفط من "داعش"، بل إن التنظيم يتبادل سلعاً وخدمات مع النظام السوري نفسه، وفق بعض التقارير الصحافية والاستخباراتية.

وفي مقابل تلك الدول العربية التي تدعم الحركة المسلحة ضد بشار الأسد وجيشه، هناك دول أخرى تفعل العكس؛ إذ ترسل إيران قوات نظامية تابعة لـ"الحرس الثوري"، أو ميليشيات طائفية، كما تشارك ميليشيات عراقية في القتال داخل الأراضي السورية، فضلاً عن ميليشيا "حزب الله"، التي يؤكد لبنان الرسمي أنها "تابعة لحزب سياسي"، يشارك في منظومة السياسة والحكم في هذا البلد. ما يجري في العراق يجب أن يخضع لمراجعة دقيقة؛ إذ قامت حكومة بغداد بتعيين قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مستشاراً لها، وهو الرجل الذي يقود ميليشيات ذات طابع طائفي تقاتل في مساحات عريضة من الوطن العربي.

لا يمكن أن نتابع ما يجري في العراق، مطمئنين إلى أن ميليشيا "الحشد الشعبي" ذات الطابع الشيعي، يمكنها أن تطوق مخاطر الإرهاب السني، ممثلاً في "داعش".

الدولة يجب ألا تنصرف عن مهامها في إقرار الأمن ومحاربة الإرهاب، وتتخلى عن دورها لمصالح منظمات طائفية، يمكن أن تكون "إرهاباً" اليوم أو غداً. يجب ألا ننسى أن الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وقد كان رئيساً منتخباً، وقف يوماً في الصالة المغطاة باستاد القاهرة، ليخطب داعياً المصريين إلى "الجهاد" في سورية ضد نظام بشار الأسد.

وهو أمر لا يختلف كثيراً عن قيام بعض الدول العربية والإقليمية بدعم الأطراف الميليشياوية المتحاربة في اليمن، ومن بينها ميليشيات طائفية وقبلية. سيقودنا ذلك إلى موقف الدولة العربية من تنظيم "الإخوان"، وهو الموقف الذي يتباين ويتخذ أشكالاً متعددة؛ فمن وصم الجماعة بـ"الإرهابية" كما فعلت مصر والسعودية والإمارات، إلى تقديم الدعم المطلق والسخي لها كما تفعل دول عربية وإسلامية أخرى، يظل التنظيم رقماً صعباً في المشهد السياسي العربي.

فتنظيم "الإخوان" هو شريك في السلطة في بلد مثل السودان، وفصيل سياسي مؤثر كما هو حادث في تونس، واحتمالات وصوله إلى الحكم عبر الصناديق ما زالت قائمة في أكثر من بلد عربي.

إن مواجهة الإرهاب في الدول العربية والإسلامية لا يمكن أن تكون ناجعة وفعالة من دون توافق على تعريفه، واتساق في المواقف السياسية والأخلاقية التي تتخذها تلك الدول تجاهه.

سيكون هذا ضمانة رئيسية لعدم التلاعب بمصائر الشعوب تحت زعم "الجهاد"، أو "نصرة الإسلام"، أو "مقاومة الاستبداد"، أو "الدفاع عن الديمقراطية". لا يمكن أن ينجح مشروع وطني أو إنساني عبر دعم العنف الميليشياوى المسلح، مهما كانت الذرائع والدعاوى المثارة، ولا يمكن أن ننجح في مقاومة الإرهاب فيما الدولة العربية والإسلامية تستغله لتحقيق مصالحها الضيقة، وتلون مواقفها حياله بحسب الأهواء والمكاسب الطارئة.

الإرهاب غول قبيح، ومارد مشحون بطاقة عنف لا نهائية... وإذا لهونا به، فحتماً سيلهو بنا.

* كاتب مصري

بعض الدول العربية والإقليمية تشتري النفط من "داعش" والنظام السوري يتبادل سلعاً وخدمات مع التنظيم
back to top