6/6 : نحن وشرشل والقضاء

نشر في 10-06-2016
آخر تحديث 10-06-2016 | 00:20
 يوسف الجاسم بدايةً مبارك عليكم الشهر وعساكم من عواده. واسمحوا لي أن أشرككم في موضوع شغل بالي بشدّة قبل دخول الشهر الفضيل.

السياسي الأبرز في القرن العشرين ونستون شرشل رئيس الوزراء البريطاني أسس قاعدة رئيسة في إدارة الدول، حين أجابه معاونوه عندما سأل عن حال بريطانيا العظمى في مواجهتها للنازية الهتلرية، فأخطروه أن بنيتها واقتصادها ومواردها مدمرة، والفساد يخترق جميع أجهزتها، فتساءل: وما حال القضاء؟ فأجابوه بأنه الوحيد الناجي من الفساد وهو بخير، فأطلق مقولته الشهيرة "بريطانيا ستكون بخير، مادام قضاؤها كذلك".

أتذكر هذه المقولة، وأنا أتابع المشهد المحلي السياسي منذ الأيام الصاخبة في عامي ٢٠١٠ و٢٠١١ وما تلاهما، والتي اختلطت فيها الأوراق واستباحت السياسة كل القيم الأخلاقية حتى وصلت إلى اتهام القضاء وكبار قضاته بالرشوة، وذلك استباقاً لأحكام قد يصدرها بشأن النزاع المحتدم بين الأقطاب السياسية المتصارعة آنذاك.

وتابعنا المشاهد المؤلمة حتى صدور الاعتذار التلفزيوني الشهير للقضاء وصدور الأحكام القضائية الأولية ببراءة كبار القضاة من قصة "شريط الرشوة"، وإدانة من وقف وراءه، وُردّ الاعتبار للجسم القضائي الذي أنهكته الطعنات طوال فترة الصراع من قبل أطراف سياسية عديدة ولكنه استمر صامداً، مؤدياً رسالته كملاذ آمن رئيسي لكل أطراف المجتمع، ومثبتاً أن البلد بخير لأن قضاءه بخير كما قال شرشل.

وتأتينا المفاجأة مؤخراً بطرح مقترحات حكومية مثل إنشاء "مجلس الدولة" وتطعيم الهيئة القضائية للمحكمة الدستورية بعناصر من سياسيي الحكومة والبرلمان، لتثير جدلاً قانونياً على أعلى المستويات يجعلنا نعود إلى وضع أيدينا على قلوبنا وجلاً وخوفاً على استقلالية القضاء بما توفر له من ضمانات دستورية وأميرية ومجتمعية وتاريخية، وفي وقت نحن بأمس الحاجة إلى تعزيز تلك الاستقلالية لا المساس بها، فضلاً عن ترسيخ مبدأ فصل السلطات وارتقاء السلطة القضائية مرتبة الحَكَم بينها عند التنازع، لا إضعافها وخرق حياديتها ونزاهتها لأغراض قد تبدو في ظاهرها قانونية ولكنها بالواقع سياسية الهوى والمرمى.

حديث القاضي العتيد المستشار فيصل المرشد الرئيس السابق للسلطة القضائية لـ "الجريدة" بتاريخ ٢٠١٦/٦/١، يعتبر دراسة شافية ومرافعة متميزة تدحض حجج المشاريع الحكومية المقدمة، وتدعونا آراء سديدة لرجالات القضاء والقانون الكبار أمثال المستشار عبدالله العيسى والدكتور محمد الفيلي للقول: دعوا القضاء الكويتي لحاله، وخلّوه بخير لكي يكون حال بلدنا بخير.

----

ملحوظة :

رحم الله محمد علي كلاي، الذي ترك للعالم نماذج مشرقة في تميزه الرياضي والأخلاقي والديني والإنساني.

back to top