أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة الموصل الدكتور أحمد رضا لـ الجريدة.: الخلافات المذهبية بين المسلمين أشد خطراً من «داعش»

أقترح مؤتمراً سنياً شيعياً يضم صفوة العلماء لمواجهة الفتن المذهبية

نشر في 07-06-2016
آخر تحديث 07-06-2016 | 00:00
No Image Caption
أكد أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة الموصل، والمنتمي إلى إقليم كردستان د. أحمد رضا أن ما فعله تنظيم داعش الإرهابي بتدمير الآثار التاريخية والعربية في بلاد الرافدين ليس طمساً للهوية الإسلامية فحسب، بل إبادة لجميع الحضارات التي أقيمت على مر التاريخ.
واستنكر د. رضا، في مقابلة مع «الجريدة»، الصراع المذهبي في العراق، معتبرا انه من أبرز أدوات الهدم التي اجتاحته بعد احتلاله، داعيا إلى مؤتمر كبير يضم صفوة علماء السنة والشيعة لوقف الفتنة المذهبية والطائفية، لافتا إلى أن المستشرقين كان لهم دور كبير في توجيه ساستهم لاحتلال العراق وتقديم أطروحات تقسيم الشرق الأوسط وإثارة النعرات المذهبية بين المسلمين حتى يمكن السيطرة عليهم... وإلى نص المقابلة:
• كيف ترى ما تتعرض له الحضارة العربية والإسلامية على يد تنظيم داعش الإرهابي لطمس هذه الحضارة؟

- بقاء الحضارة العربية والإسلامية، والحفاظ عليها على مر التاريخ يؤكد هوية المسلمين اليوم، وفي العراق وإقليم كردستان تتعرض الحضارة وآثارها لإبادة وليس طمساً، وما يفعله «داعش» هجمة تتارية على الحضارات عموماً وليس حضارتنا فحسب، فلدينا آثار إسلامية وغيرها مرت عليها آلاف السنين، ومرت عليها حقب وأزمات ولم يفعل بها ما فعله هذا التنظيم في عام واحد.

• كيف هو حال مسلمي العراق وإقليم كردستان اليوم؟

- وضع مسلمي العراق وأقاليمه اليوم أمر يحزن القلوب، فمسلمو هذه الدولة يواجهون مشكلات عدة قد يكون «داعش» وما يفعله أقل خطرا من الطائفية البغيضة التي يشهدها العراق اليوم، فالعرقية والطائفية مزقت جسد الأمة، لذا دائما أقول إن القضاء على «داعش» قد يستغرق عاما أو اثنين.

لكن من الصعب جدا إخماد فتنة الطائفية والمذهبية في سنوات معدودة، لأن هناك أيادي خارجية تعبث بهذه الورقة من أجل ألا يتحد مسلمو العراق، وإن كنت أرى أن الوضع في الشمال آمن نسبيا عن الوسط، ونحن في إقليم كردستان نقف بالمرصاد لهذا التنظيم، وحتى الآن لا يستطيع غزو هذا الإقليم المتماسك اجتماعيا.

• كيف برأيك تكون سبل القضاء على الفتن المذهبية؟

- حل قضية المذهبية والطائفية لن يأتي من الغرب، لهذا يجب إعادة ترتيب البيت الإسلامي من الداخل وتقويم أهدافه، حتى يتمكن من مواجهة المؤامرات الخارجية، وتكون المواجهة من المدرسة والمسجد، إلى جانب أن يجتمع عقلاء المذاهب على أن يتوافقوا على إخماد هذه الفتنة، وليس كما كان يحدث في السابق أن تكون الاجتماعات شكلية.

كما أن الإعلام له دور مهم ومؤثر في تأجيج هذه الفتنة، لذا رأينا خلال السنوات السابقة أن كل مذهب ديني أو طائفة أصبح لها منبر إعلامي يحارب المذهب الآخر، لذا يجب أن نواجه هذه الوسائل التي تزكي روح المذهبية، بدلا من أن تصبح وسيلة للتقارب وإشاعة التوافق بين المسلمين بمختلف أطيافهم، لذا أدعو إلى عقد مؤتمر سني شيعي كبير يضم صفوة العلماء تحت عنوان «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، بعيداً عن أطروحات السياسة.

• إلى أي مدى أودت الفتن المذهبية بوحدة مسلمي العراق؟

- لا شك أن وحدة العراق المسلمة على المحك، وكما قلت لك سابقاً إن هناك أطرافاً كثيرة تعبث بهذه الوحدة، فالجنوب الراقي أصبح إقليماً منعزلاً، وكذلك الوسط، ولذا نرى أن إقليم كردستان هو الأقوى، لأنه قائم على التعايش بين أبنائه دون النظر للعرق أو الدين أو الجنس، لأن الإقليم رفع منذ بدايته منهج العلمانية، وربما ترجع وحدة الإقليم أيضاً إلى وجود أجهزة تسير الحياة كوجود برلمان وحكومة ممثل فيها الجميع، وهذا الأمر جعلنا في منأى عما يحدث بالعراق، وفي ظل هذا التأزم سنرى قريباً أن العراق سيتجه إلى التقسيم لا محالة، بسبب المذهبية المغرضة.

• هل اتسقت روح الثورات العربية مع التوجهات الإسلامية الداعية للتغيير؟

- الثورات في شكلها العام أمر جيد، والإسلام لا يقبل باستمرار دولة الظلم، لكن حين انحرفت هذه الثورات وحدث بها قتل ونزاع وتهجير وتخريب، فقد انحرفت عن الروح الإسلامية الداعية إلى التغيير بالسلم، وإرثاء السكينة والأمان، لذا فإن الثورات العربية لم تنجح بعد في مهمتها التي قامت لأجلها، ولهذا لن نرى دولة مر عليها هذا «الخريف العربي» إلا ومازالت تعاني أزمات حتى هذا اليوم.

• رسالتك للدكتوراه كانت عن الاستشراق فإلى أي مدى كان تأثيره على المسلمين من حيث النفع والضرر؟

- لا يمكن الحكم على المستشرقين الغربيين برمتهم بأنهم أضروا بصورة الإسلام، فهناك مستشرقون أنصفوا الإسلام بدرجة كبيرة، وهناك أيضاً عدد ليس بالقليل كانوا متربصين بنا، وقد رأينا أن هناك عدداً كبيراً من المستشرقين الأميركيين كانوا من أوائل الذين دعوا الحكومة الأميركية الى ضرورة احتلال العراق، وضرورة تغيير هذه المنطقة وتقسيم المسلمين فيها.

ومن المعلوم أن الذي وضع مخطط تقسيم الشرق الأوسط الكبير هم المستشرقون وليس العسكريين أو السياسيين كما يدعي البعض، وعلى الجانب الآخر اعترف عدد كبير من المستشرقين بأن الحضارة العربية والإسلامية كان لهما الفضل على الحضارة الغربية، لأنها بنيت على علم المسلمين، وأن الغرب لابد أن يظل حاملا لهذا العرفان على حضارتهم، لهذا فالمستشرق عين دولته.

• هل ترى أن اعتلاء رجال الدين منابر السياسة قضى على مشكلات كثيرة في مجتمعنا الإسلامي؟

- من أشر ما نمر به اليوم في واقعنا هو اقتحام رجال الدين ركب السياسة، فكيف يصبح رجل الدين ممارسا للسياسة وهو قادم من بيئة سنية أو شيعية وهو المتشبع بالمعتقد المذهبي، كيف له أن يمارس السياسة أو العمل العام!

لذا أدعو هؤلاء إلى البعد عن معارك السياسة، والعراق نموذج لهذا النمط الذي أفسد الحياة علينا، فالسياسة شأن وأمور الدين شأن آخر، وعلى صعيد الدول الإسلامية لا أرى أن هذه البيئة مناسبة حالياً لهؤلاء، ومع ذلك فأنا لست بعربي، لكني مسلم كردي وقلبي يميل إلى العروبة ويفزعني تناحرهم.

• التاريخ الإسلامي يشهد لأشخاص خرجوا من إقليم كردستان خدموا الإسلام بعزة... كيف ترى تأثير ذلك على قوميتكم الكردية اليوم؟

- من دواعي فخرنا أن هذا الإقليم كان لأبنائه صدى ودور في حياة المسلمين على مر تاريخهم، فقد خرج منهم القائد العسكري صلاح الدين الأيوبي الذي تصدى للتتار وحمى ديار المسلمين، وخرج منهم أيضاً عالم الدين ابن تيمية الذي ملأ علمه الدنيا ومازال يدرس ويستفيد منه إلى يومنا هذا، وخرج منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، والإسلام متأصل بجذوره في هذا الإقليم المسلم منذ فجر التاريخ، وتاريخنا في خدمة الإسلام لا ينكره إلا جاهل، ومع ذلك ورغم خدمتنا للمسلمين على مر التاريخ فإنهم يعتبروننا أقلية وليس امتدادا لهم.

يجب إعادة ترتيب البيت الإسلامي لمواجهة المؤامرات الخارجية
back to top