حكاوي الراوي... نجيب محفوظ (2 - 15)

«أبو الروس» الذي انتزعه الأدب من الساحرة المستديرة

نشر في 07-06-2016
آخر تحديث 07-06-2016 | 00:00
كانت أول رواية كتبها في مطلع حياته عن «لاعب كرة قدم»، لم تعجبه فمزقها. ولكن الرواية الممزقة لم تكن هي أول علاقته بالكرة، فقد تعلق نجيب محفوظ بها في صباه بعدما شاهد بالمصادفة مباراة بين فريق مصري وآخر بريطاني انتهت بفوز المصريين. وكانت مفاجأة سارة له، فقد كان يعتقد آنذاك أن الإنكليز لا يخسرون أبداً. جذبته الساحرة المستديرة إلى فتنتها، فراح يتدرب منفرداً على المهارات الأساسية لكرة القدم حتى أتقنها بدرجة كبيرة شجعته على تكوين فريق من أولاد الحارة أطلق عليه اسم «قلب الأسد». وكان هو الكابتن الذي لقبه الجمهور باسم «أبو الروس» لبراعته في تسجيل الأهداف برأسه. ولعب لفريق مدرسته الابتدائية في موقع الجناح الأيسر (رغم أنه لم يكن أعسر) وأحرز من هذا المركز أهدافاً كثيرة، ثم تحول أثناء دراسته الثانوية إلى مركز قلب الدفاع وتألق فيه بشكل لافت جعل المتابعين يتنبأون له بمستقبل كبير داخل صفوف الأندية الكبرى، إلا أنه هجر {اللعبة} عقب التحاقه بالجامعة وفضل التفرغ للأدب.
حين علم الأديب الكبير توفيق الحكيم أن بعض لاعبي كرة القدم يحصل على ملايين الجنيهات قال قولته التي صارت مشهورة: «انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم»، وهي على عكس ما جرى مع نجيب محفوظ، الذي حين بدأ عصر الأدب أنهى عنده عصر الكرة. 

بقراءة حياة نجيب محفوظ منذ الطفولة وحتى قرر أن يترك كل شيء خلف ظهره ويلتفت إلى الأدب فحسب، تكتشف أنه وقف في صباه وشبابه الباكر أمام طرق كثيرة، على كل طريق لافتة تشير إلى محطة الوصول الأخيرة، كل طريق يتيح له فرصة أن يكون شخصاً آخر، له تاريخ مختلف، وفي كل فصل من فصول كتاب حياته كان محفوظ مهيئاً كي يصبح شيئاً آخر غير هذا «النجيب» الذي نعرفه ونحبه ونقدره ونختلف معه، ونتفق جميعاً على عبقريته الفذة وشخصيته الفريدة.

كان بالإمكان أن يمضي في الطريق الذي تمناه له أبوه وهو يسميه على اسم أشهر الأطباء في ذلك الوقت «نجيب باشا محفوظ»، طبيب النساء والولادة الأشهر، وكان يمكن أن يصبح لدينا فيلسوفاً عظيماً لو تيسر له أمر بعثته العلمية إلى فرنسا لدراسة «فلسفة الجمال»، وكان يمكن أن نفوز بموسيقي قدير لو أنه صبر على موهبته وراح يسهر على تنميتها، وهو الذي تعلم العزف مبكراً على «آلة القانون»، وترك الدراسة في كلية الآداب لمدة سنة ليدرس الموسيقى في معهدها. ولكن المفاجأة لمن لا يعرف تاريخ الأديب الكبير أنه كان يمكن أن يصبح اللاعب الشهير في المستطيلات الخضراء، يقول: «عشقت كرة القدم ولعبتها عشر سنوات في أثناء دراستي الابتدائية والثانوية، وقد لا يصدق أحد أنني كنت في أحد الأيام «كابتن» في كرة القدم، واستمر عشقي لها نحو 10 سنوات متصلة، أثناء دراستي بالمرحلتين الابتدائية والثانوية، ولم يأخذني منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها لربما أصبحت من نجومها البارزين».

لكنه مثل كل مخلوق كان ميسراً لما خلق له، فاختار طريق الأدب ومضى فيه لا يلوي على شيء، وأفرد نفسه له، وتخصص في فن الرواية حتى فاق الجميع فيه وأسس له بنيانه، وأرغم العالم على الاعتراف به، ولعله من مصادفات القدر المحببة أن تعد صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في مارس سنة 2009 ملفاً بعنوان «الأدباء أيضاً يمكنهم اللعب»، وضمّ الأدباء الحاصلين على «نوبل» في الآداب، ووضعت الصحيفة تشكيلاً أدبياً لفريق «نوبل» لكرة القدم، وهو المنتخب الذي يضم أدباء عالميين يشتركون جميعاً في محبة وعشق الساحرة المستديرة، وممارستها لبعض الوقت في حياتهم، توسطه في مركز قلب الدفاع نجيب محفوظ.

ضرب الإنكليز

اختيار «نيويورك تايمز» نجيب محفوظ ضمن منتخب العالم لكرة القدم لم يكن من فراغ، ولا كان محاباة للأديب العالمي، الذي كان في صباه واحداً من أمهر لاعبي الكرة وأسرعهم وكانت أهدافه تنتزع آهات الجماهير التي تتفرج عليه وهو يلعب لفريق «قلب الأسد» في حي العباسية القديم.

بدأت حكايته مع الكرة وهو لا يزال طفلاً في المدرسة الابتدائية، وكانت إحدى صفاته التي أدرك وجودها في شخصيته منذ الصغر أنه كان يحب أن يتقن أي شيء يفعله، لينال إعجاب المحيطين به، يقول: «كنت أحب أن أسمع كلمة استحسان، كنت أدرس حتى أجد تقديراً من المدرس، وكنتُ حين ألعب الكرة أتلاعب بها وبالخصوم لأسمع تصفيق الجمهور وآهاته».

ويسرد محفوظ وقائع اللحظة التي انفجرت داخله الرغبة في ممارسة كرة القدم قائلًا: «ترجع علاقتي بالكرة إلى الفترة التي انتقلنا فيها إلى العباسية. كنت آنذاك قد التحقت بالمدرسة الابتدائية، وكانت في ذلك الوقت لا تلتزم بسن محددة للالتحاق بها. كنت تجد إلى جانب الأطفال في سن الثامنة أو التاسعة شباباً تجاوزوا العشرين ولهم شوارب كبيرة. واصطحبني شقيقي ذات يوم لزيارة صديق حميم له من عائلة الديواني، وهي عائلة معروفة، ومن أبنائها أطباء ومستشارون، كان بيت هذا الصديق يطل على محطة السكة الحديد، وعندما فرغنا من تناول الغداء اقترح أن يصطحبنا لمشاهدة مباراة في كرة القدم بين فريق مصري وآخر إنكليزي، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما فاز الفريق المصري، كنت أعتقد حتى ذلك الوقت أن الإنكليز لا ينهزمون حتى في الرياضة».

كانت الكرة هي الميدان الوحيد الذي يمكن للمصريين آنذاك أن يضربوا فيه الإنكليز من دون أن يتمكن هؤلاء من ضربهم بالنار. يقول محفوظ: «كثيراً ما كنا نسحقهم سحقاً، وكان قلب الدفاع في الفريق المصري هو المرحوم علي حسني، وكان من فتوات بولاق، وكان يضرب الإنكليز كل كتف وكتف دون أن يُضرب بالرصاص، فيتدحرج الإنكليزي على الأرض، ولم تكن ضربة الكتف تعتبر «فاولاً» في ذلك الوقت، كنا نجابه الإنكليز في الكرة بلا خوف، وكانت النتائج تفرح الشعب كما تفرحه اليوم عندما يفوز فريقنا القومي. ولكن في الماضي كنا ننتصر على «الإنكليز»، أما اليوم فنحن ننتصر على «أحزاننا».

اتصل علي حسني بنجيب محفوظ قبل وفاته، وكان على فراش المرض، ولم يكن في حوزته ثمن علاجه، بعد المجد الذي حققه. ويتذكر محفوظ بقية اللاعبين العظماء في الفريق المصري ومنهم «السوالم»، وكانا شقيقين أحمد ومحمد سالم، وكانا يشكلان الدفاع الحقيقي للفريق المصري، كان أحدهما الظهير اليمن والآخر الظهير الأيسر للفريق.

 وكان من بينهم حسين حجازي ومرعي حارس المرمى الذي كان عملاقاً وكانوا يضربون عليه الكرة عالية فيلتقطها بيده من دون أن يقفز، ولكنهم كانوا في بعض الأحيان يفلحون في تهريب الكرة من تحت رجليه. هؤلاء جميعاً كان المصريون يقرأون أسماءهم في جريدة «التايمز» البريطانية التي كانت تغطي مباريات الإنكليز في مصر.

اختلف عدد كبير من هؤلاء اللاعبين مع النادي «الأهلي» فخرج منه حسين حجازي والسوالم وأباظة ومرعي وذهبوا إلى «فريق المختلط» الزمالك الآن. وفي أول مباراة لهم ضد فريق الأهلي ذهب محفوظ إلى الملعب مع شقيقه الأكبر محمد رحمه الله، يقول: «كانت مباراة العمر. كنا جميعاً نتابعها بأعصابنا قبل عيوننا، وكنت أخشى أن ينهزم حسين حجازي من الأهلي في هذه المباراة بالذات. وأعترف أنني من شدة انفعالي كان يمكن أن أموت لو حدثت الهزيمة، فالحزن يميت في مثل هذه الحالات، كذلك الفرح، لذلك لم أدهش كثيراً حين علمت في أحد الأيام أن أحد المشجعين المتحمسين تُوفي من الفرح بعد فوز مصر بالكأس الإفريقية».

الصاروخ المنطلق

رجع الصبي يوم هزم فريقنا المصري فريق الإنكليز إلى البيت وذهنه كله معلق بكرة القدم، وبأسماء لاعبي الفريق المصري، خصوصاً كابتن الفريق حسين حجازي، نجم مصر ذائع الصيت في ذلك الوقت، يقول: «طلبت من والدي أن يشتري لي كرة، وألححت عليه حتى وافق، وبدأت أمضي وقتاً طويلًا في فناء المنزل ألعب الكرة بمفردي، ومحاولاً تقليد ما شاهدته في تلك المباراة التي خلبت عقلي، وبسرعة شديدة استطعت أن أتقن المبادئ الأساسية للعبة كرة القدم».

ثم انطلق بلعب الكرة في الشارع، يقول: «كنت أشهر لاعب كرة قدم في شوارع العباسية، وكان فريقنا اسمه «قلب الأسد»، وكنت لاعباً حريفاً كما يقولون»، ثم لعب في فريق الصغار بالمدرسة، ويذكر أن فريق الكبار ضمّ ممدوح مختار، الذي كان يلعب بين صفوف الفريق الأول في النادي «الأهلي»، وهو من عائلة صقر التي اشتهر منها كل من الكابتن عبد الكريم والكابتن يحيى صقر. يذكر محفوظ: «كنت ضمن فريق الشارع في حينا القديم بالعباسية، وكنا نلاعب فرق الشوارع الأخرى بشكل دوري، وظللت سنوات ألعب الكرة إلى أن دخلت الجامعة، وعرضوا عليَّ أن أشارك في فريق الكلية، لكني كنت قد عرفت طريق المكتبة بالجامعة فأخذتني القراءة من الكرة، ربما لو استمرت بي الحال في مجال الكرة لكنت لاعباً مشهوراً في أحد النوادي الكبرى».

كان محفوظ يُدرك أنه لاعب مميز، ولو أكمل مشواره لأصبح أحد النجوم البارزين في الساحرة المستديرة، باسمه الذي أُشتهر به في الملاعب وهو «أبوالروس» والذي أطلقه عليه جمهوره لكثرة الأهداف التي أحرزها برأسه. يقول: «إذا كان حسين حجازي، هو كابتن الفريق المصري، فقد كنت أنا كابتن فريق «قلب الأسد» في شوارع العباسية مع أصدقائي أثناء الدراسة الابتدائية، ورغم أنني لا أجيد اللعب بقدمي اليسرى، لعبت في مركز الجناح الأيسر، وكان ذلك المركز يحد كثيراً من حركتي، ومع ذلك كنت هداف الفريق، وأكثر لاعبيه إحرازاً للأهداف. وعندما انتقلت إلى مدرسة فؤاد الأول الثانوية، تغير مركزي وأصبحت ألعب كقلب دفاع، وأجدت في المركز الجديد لدرجة أن كثيرين ممن شاهدوني في ذلك الوقت تنبأوا لي بالنبوغ في كرة القدم، وبأنني سألعب لأحد الأندية الكبيرة، ومنها إلى الأولمبياد مع المنتخب الوطني».

الدكتور أدهم رجب، الصديق المقرب إلى نجيب محفوظ وواحد من أصدقاء طفولته والذي أصبح أستاذاً ورئيساً لقسم الطفيليات بكلية طب قصر العيني، يحكي عن نجيب محفوظ اللاعب، فيقول:

«كان نجيب لاعب كرة من طراز نادر، في أيام الصبا في العباسية، كان محاوراً ومناوراً كروياً، لو استمر لنافس على الأرجح حسين حجازي ومختار التتش ومن بعدهما عبد الكريم صقر، ثم الضظوي. وأقول الحق، وأنا أشهد للتاريخ، وأنا مدمن كرة، فأنا شاهد عدل، أقول: لم أر في حياتي حتى الآن لاعباً في سرعة نجيب محفوظ في الركض، والتحول من الدفاع إلى الهجوم. كان أشبه بالصاروخ المنطلق، وكان هذا يلائم الكرة في وقت صبانا، ففي شبابنا الباكر كان عقل اللاعب في قدميه، وكان اللاعب القدير هو اللاعب الفرد الذي ينطلق بالكرة كالسهم نحو الهدف لا يلوي على شيء. كان عقل نجيب محفوظ في تلك الأيام في قدميه».

يتابع رجب: «مرت الأيام وانتقل عقل نجيب محفوظ من قدمه إلى رأسه، وأصبح ذا فضل عليَّ لا ينكر. كان هو الذي تولى توعيتي سياسياً أيام كنت طالباً في الطب، وكانت ميولي آنذاك ضد القمصان الزرق عماد شباب الوفد، لأسباب شخصية تتصل بشخص زعيم هؤلاء الشباب، وكان زميلاً لنا، فتولى نجيب محفوظ مهمة تثقيفي سياسياً وتعلمت منه كيف أكون موضوعياً في أحكامي، وشرح لي التركيبة السياسية للنظام الاجتماعي القائم وقتها، وكيف أن الوفد رغم «القمصان الزرق» هو حزب الشعب، وأعترف أنه بفضل محفوظ فتحت عيني على حقائق كثيرة».

 

«المايسترو»

عشق نجيب محفوظ كرة القدم وأحب حسين حجازي، وهو يتحدث عنه بعد مرور السنين بحميمية ومحبة ظاهرتين، يقول: «كان أسطورة سمعت عنها، ثم صار حقيقة رأيتها، وكان ذلك في أواخر حياته الكروية قبل الاعتزال، ونظراً إلى شعبيته الرهيبة وموهبته الفذة ظل يمارس اللعب حتى شارف الأربعين من عمره، وهي سن كبيرة بالنسبة إلى لاعبي كرة القدم، ففي الغالب يعتزل النجوم بعد تخطي سن الثلاثين بقليل».

كان نجيب محفوظ يطلق على حسين حجازي لقب «المايسترو»، يقول: «كان هو كابتن الفريق المصري. كان قد لعب في أولمبياد سنة 1928 ونالت مصر المركز الرابع، وكان له ثقله في الملعب، وفي المرات التي شاهدته أعجبتني فيه ميزات كثيرة، من بينها أنه يقوم بدور القائد في الملعب خير قيام، كذلك كان لعبه نظيفاً، فلم يحدث أن ارتكب خطأ متعمّداً ضد لاعب من الفريق المنافس، ومن بينها أيضاً قوة تسديداته على المرمى لدرجة أنه كثيراً ما كان يسدد الكرة من منتصف الملعب فتدخل المرمى. ولا أنسى أنه كانت ثمة رمية لصالحنا ولم تكن في وسط الملعب دائرة كما هي الحال اليوم، فضربها حسين حجازي من قبل خط الوسط فدخلت المرمى فوراً. مثل هذه اللعبات الفذة كانت بالنسبة إلى حجازي أمراً عادياً».

وبسبب حسين حجازي صار نجيب محفوظ زملكاوياً، يوضح: «انتمائي إلى الزمالك انتماء تاريخي، بدأت علاقتي به حين كان اسمه «المختلط» ومع انتقال حسين حجازي إليه، وأذكر أنني تمنيت فعلاً أن أكون ابن حسين حجازي أسطورة الكرة المصرية، وعندما كنت أتدرب على الكتابة، كانت شخصيات أول رواياتي التي لم تنشر كلها عن لاعبي كرة القدم».

كرة القدم رياضة ومتعة وفرصة للتفكير والصحة والعافية، ومتعتها الكبيرة في «الحرفنة»، كما يرى محفوظ، الذي كان يترحم على أيامه: «لاعب الكرة الآن لم يعد يعنيه سوى تسجيل الهدف، أما استعراض المهارات والقدرة على «ترقيص الخصم» فقد كانت تسبب متعة عالية كمشاهدين، لم تكن النظريات والتقسيمات والخطط في الكرة قد ظهرت بعد، ولم يكن عندنا خطط. كان الركض السريع هو ما يميز اللاعب الممتاز، وكلما كان الهدف سريعاً ومباشراً ومفاجئاً ومباغتاً كان هذا أفضل ألف مرة، ولهذه الأسباب كان يطلق عليَّ في العباسية أسرع هداف في زمني».

حتى شغب الملاعب مارسه محفوظ صغيراً يقول: «كنت أشارك في بعض الشغب الخفيف بعد نهاية المباريات، ولأن الكرة غالب ومغلوب، فبعض المشاغبات أمر طبيعي في هذه الحالة». وإحدى الوقائع الطريفة التي يذكرها حدثت له في الطفولة: «كلما تذكرتها ضحكت من قلبي كثيراً، لعبنا مباراة في النادي الأهلي وهزمنا فيها، وأثناء الحديث عمن تسبب في هزيمتنا كنا قد خرجنا من النادي ودخلنا إلى كوبري قصر النيل فاكتشفنا أن أحد أصدقائنا وهو في غمرة الانفعال نسي وخرج من النادي بالسروال القصير فحسب، فحاولنا إخفاءه بيننا حتى عدنا مرة ثانية فوجد ملابسه الرياضية وغرقنا في الضحك البريء».

أما عن التعصب بين الجماهير فقديم، وربما هو جزء من حلاوة اللعبة وإثارتها، يقول عنه محفوظ: «التعصب الذي يشكون منه الآن بين جماهير الأندية كان موجوداً في أيامنا أيضاً، خصوصاً في المباريات بين فرق القاهرة والإسكندرية. وفي المباريات التي كانت تذهب فيها فرق القاهرة للعب في الثغر كما كنا نسميه، كانت الإسكندرية تتحوّل إلى ثكنة عسكرية، وتعلن حالة الطوارئ تحسباً لشغب الجمهور».

محفوظ والخطيب

في حوار جمع بين نجيب محفوظ ولاعب كرة القدم الشهير محمود الخطيب، دعاه الخطيب لحضور مباراة لفريق «الأهلي» وسأله ما هي آخر مباراة شاهدها، أجاب محفوظ: «آخر مباراة شهدتها سنة 1930، قبلها شاهدت المباريات كافة، كما في السينما لم أكن أترك أي فيلم جديد من دون أن أشاهده». واعتذر الأديب الكبير عن عدم تلبية دعوة الخطيب لمشاهدة المباراة متعللاً بضعفه: «وأنا آسف بالنسبة إلى الدعوة، فصحتي لا تتحمل الانفعال الشديد. أحياناً، وأنا أتناول الطعام يتصادف أن أشاهد مباراة ما، فأندمج وأنسى الطعام، ثم أسارع إلى الانسحاب من أمام التلفزيون».

سأله الخطيب: «هل كانت الكرة أحد أسباب هزيمة 1967؟ أجاب محفوظ: هذه سخافة، ولا أساس لذلك من الصحة. مثلا، كان لعب الكرة موجوداً أيام حرب أكتوبر المجيدة. أسباب الهزيمة معروفة، ومن المعيب أن نلصقها في الكرة وأم كلثوم. الرياضة قوة ونشاط، وإنكلترا في عز مجدها السياسي كانت مجنونة كرة».

وكان سؤال الخطيب الأخير: «لو عاد بك العمر هل كنت ستستمر في الرياضة؟». رد محفوظ: كنت عاشقاً ولهاناً لها في صباي، وكان يتهيأ لي أنني لن أتركها يوماً، وسبحان الله لم أعد أهتم حتى بمشاهدتها».

نجيب محفوظ أشهر لاعب كرة قدم في «العباسية» هدَّاف ومراوغ و{زملكاوي»

أديب نوبل: من شدة انفعالي كان يمكن أن أموت لو «الأهلي» هزم «الزمالك»
back to top