الحرب التي خسرناها مع «داعش»

نشر في 05-06-2016
آخر تحديث 05-06-2016 | 00:04
 ياسر عبد العزيز في أكتوبر من عام 2014 حلّ الجنرال جون آلين، المنسق الأميركي للتحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، ضيفاً على الكويت، لحضور اجتماع بين دول التحالف، بشأن تنسيق الجهود ضد الدعاية الإعلامية للإرهابيين.

ومن بين ما قاله الجنرال الأميركي على هامش هذا الاجتماع إن دول التحالف نجحت في تكبيد "داعش" خسائر كبيرة على مستوى العتاد والأفراد، لكنها أخفقت في مواجهته في ساحة "الإنترنت"، بعدما اعتبر أن هذا التنظيم يمتلك "ماكينة دعائية رهيبة".

يمتلك "داعش" استراتيجية إعلامية متكاملة، وتلك الاستراتيجية تحول القدرات الاتصالية التي يمتلكها التنظيم إلى "أداة قتال رئيسية"، ويمكن القول إن تلك الأداة بالذات هي الأكثر فاعلية ونجاعة بين الوسائل المختلفة التي يستخدمها لتحقيق أهدافه.

أوضحت دراسات عديدة حجم المنظومة الإعلامية الدعائية التي يستخدمها "داعش"، وتنوع وسائلها، وبات من المعروف أن تلك المنظومة تشكل آلية للدعاية، والاستقطاب، والتجنيد، والاتصال الميداني، والتعبئة، والتدريب، وإصدار التكليفات، وصولاً إلى تنفيذ العمليات الإرهابية.

إن الاعتراف بخسارة الحرب الإعلامية ضد "داعش" مدخل جيد لتقصي أسباب الإخفاق ومحاولة تجاوزها، لكنه يشير، في الوقت ذاته، إلى قصور خطير؛ إذ يشي بأن هذا التنظيم قادر على الاستمرار وتحقيق المكاسب، في الميدان الذي يشكل نصف ساحة المعركة.

يقول الخبيران الدوليان "فيليب سيب"، و"دانا جانبك"، في كتابهما "الإرهاب العالمي والإعلام الجديد"، إن عدد المواقع الإلكترونية التي تخدم الجماعات الإرهابية فاق 50 ألف موقع، وإن تلك المواقع لا يقتصر دورها على الاستقطاب والتجنيد، ولكنها تقوم أيضاً بالتنسيق الميداني، والتدريب، وجمع المساعدات المالية، فضلاً عن أنشطة الدعاية.

وفي دراسة بعنوان (القوى الخفية لـ"داعش" في الإعلام الجديد)، أجرتها جامعة الملك سعود، تحت إشراف الدكتور مطلق المطيري، أثبت فريق البحث أن أكبر نسبة من الأعضاء الجدد في التنظيمات الإرهابية تم تجنيدها عبر شبكة "الإنترنت".

ويذهب جيف باردين، الخبير في قضايا الإرهاب الرقمي، إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ يؤكد أنه قام بدراسة الأنشطة الإلكترونية لمجموعات إرهابية على مدى ثماني سنوات، ليخلص إلى أن "داعش" يجند شهرياً أكثر من 3400 عنصر عبر حملات إلكترونية.

ويفسر نيك أوبرايان، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية، أسباب النجاح الباهر لـ "داعش" في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بقوله: "إنها وسيلة تكنولوجية رخيصة الثمن، ويسهل التحكم فيها، سواء من مغارة في جبال أفغانستان، أو من أي مقهى في أي مدينة، قرب حاسوب مرتبط بالأقمار الاصطناعية... فالتغريدة لا تكلف شيئاً".

ثمة محاولات أكثر جرأة جرت من أجل تقصي الأساليب التي يستخدمها "داعش" في اصطياد أعضاء جدد؛ من بينها تلك المحاولة التي قامت بها الصحافية الفرنسية آنا إيريلي، من خلال كتابها المهم: "في جلد جهادي... صحافية صغيرة تدخل شبكة التجنيد في (داعش)"، والصادر عن دار "نيويورك هاربر كولينز"، في 2015.

فقد انتحلت آنا، كما تقول، شخصية فتاة فرنسية صغيرة تسعى إلى الانضمام لـ"داعش"، وتواصلت إلكترونياً مع من وصفته بأنه "قيادي عسكري مقرب من البغدادي".

تلخص الصحافية الفرنسية تجربتها بالقول إن القيادي "الداعشي" المفترض بدأ معها بإغراءات الانضمام إلى التنظيم، والعيش كـ "مسلمة حقة في البلد المسلم الوحيد، عوضاً عن البقاء في ديار الكفر"، قبل أن يعرض عليها الزواج، ويجذبها بالحديث عن "حياة مهمة، تتحقق من خلالها، في أجواء من المغامرة".

من جانبي، سأسعى في السطور المقبلة إلى محاولة شرح الخطوات التي يتبعها ناشطو "داعش"، لاستقطاب مجندين جدد، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، استناداً إلى متابعة دقيقة لبعض تلك المواقع، وما يرشح من شهادات المتفاعلين معها.

تتجسد الخطوة الأولى في "البحث"؛ إذ تقوم العناصر الفعالة في "داعش" بعمليات بحث واسعة عبر المواقع والحسابات والمنتديات، لتصطاد مستخدمين يظهر من أقوالهم والمواد التي يبثونها أنهم مؤهلون للتجنيد.

أما الخطوة الثانية، فيمكن تسميتها بخطوة "الفرز"، إذ يتم التأكد من هويات هؤلاء المستخدمين عبر وسائل تقنية ومن خلال تحليل محتوى مساهماتهم، وحين يقع الاختيار على بعض هؤلاء المستخدمين، تبدأ الخطوة الثالثة، والتي تتمثل في "الاختبار"؛ إذ يتم تصميم اختبارات معينة، لضمان أهلية هؤلاء المرشحين للانضمام إلى "داعش". وتعتمد تلك الاختبارات على توجيه أسئلة معينة، تتصل بمدى استعدادهم للانخراط في "حياة الجهاد"، وصلابة مواقفهم إزاء مجتمعاتهم وأنظمة الحكم فيها.

وتتعلق الخطوة الرابعة في هذا الصدد بعملية "التأويل"؛ إذ يقوم العنصر "الداعشي" المكلف بتجنيد العناصر الجديدة بتأويل الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، بشكل يلوي معانيها، ويجعلها مواتية للتفكير "الجهادي"، كما يقوم بتأويل مواقف الدول والجماعات والتنظيمات المعادية للتنظيم، بشكل يشيطنها جميعاً، ويضمن ولاء كاملاً من قبل المرشح للتجنيد.

في تلك الأثناء، يكون العنصر المستهدف بالتجنيد قد أصبح جاهزاً لتلقي العرض؛ وهي الخطوة الخامسة المتعلقة في "التجنيد"؛ إذ يتم الطلب مباشرة إلى العنصر المستهدف بضرورة الانضمام إلى "الدولة الإسلامية"، وقد تترافق تلك الخطوة بوعود وإغراءات مالية وجنسية ومعنوية، بحسب شخصية المستهدف.

تتعلق الخطوة السادسة بعمليات "التأهيل والتدريب" اللازمة لتعزيز قدرات العنصر على التعامل مع السلطات والأجهزة الرسمية، وتلقينه بالتعليمات الأمنية المختلفة، فضلاً عن التدريب التخصصي الذي يتعلق بالمجال الذي سيعمل فيه، أو الخطط التي يجب أن يشترك في تنفيذها.

وتأتي الخطوة السابعة؛ وهي خطوة "التكليف"، ليتم إخطار العنصر المستهدف، الذي جرى تجنيده، بالمطلوب منه تحديداً، وقد يكون المطلوب هو السفر إلى سورية، للانضمام إلى التنظيم مباشرة، أو القيام بمهام في المكان الذي يعيش فيه، أو الذي يسهل أن ينتقل إليه.

يتضح من هذا العرض أن تلك العملية متكاملة بما يكفي لكي تُفعل استراتيجية استقطاب وتجنيد وتعبئة وتجهيز وتدريب وتنفيذ تامة، كما يتضح أيضاً أن الحرب مع "داعش" أصعب من أن نكسبها، من دون أن نفقده ورقته الرابحة... "الإنترنت".

* كاتب مصري

back to top