الديمقراطية مثل الكهرباء!
قبل أكثر من 30 سنة شب حريق في منزل قرب منزلنا، بعد أن وقع انفجار سمعنا صوته المهول، إذ خرج الجيران مسرعين ليعرفوا ماذا حدث، كان ملحقا لأحد الجيران يسكنه عزاب هنود، أحدهم خرج يشغل سيارته الصغيرة فوجد بطاريتها قد "ماتت" لا كهرباء فيها، فبحث في الشارع عن أحد ليقوم بعملية شحن بطارية سيارته بـ"الاشتراك" فلم يجد. وتفتق ذهنه عن خطة: إذ قام بمدّ "واير" طويل بعد أن أوصله إلى كهرباء المنزل وأوصله ببطارية سيارته معتقداً أنه قام بالواجب، ثم وضع الطرف الأحمر من سلك الكهرباء على الطرف الأحمر من بطارية سيارته والطرف الأسود على مثله، وما إن حاول إدارة محرك السيارة حتى انفجرت واشتعل الحريق في البيت أيضاً، ومات وقتها شخصان أو أكثر على ما أذكر.والديمقراطية والحريات مثلها مثل الكهرباء، هي أنظمة لها عدة صور لا صورة واحدة فقط، تختار الدول والمجتمعات ما يناسبها من تلك الصور، ولها أيضاً ضوابط وأسس إن تم استعمالها بالطريقة الصحيحة أنتجت خيراً ونوراً، وإن تم استعمالها على غير أسسها كانت حرائق وانفجارات.
الدائرة الكهربائية عدة أنواع، بعضها في نوع خاص يعمل للسيارة أو عن طريق البطاريات التي تنتج كهرباء، كل هذه الدوائر لها نظامها الخاص وطريقة عملها، متى ما عرفته وأحسنت استخدامه أنتجت نوراً يضيء العالم وهواء بارداً يشعرك بالشتاء وأنت في عز الصيف، وأدوات وأجهزة لا حصر لها تعمل في خدمة الإنسان، ومتى ما أخطأت خطأ واحداً، حتى لو كان بسيطاً، فمن الممكن أن تدفع حياتك ثمناً لهذا الخطأ أو أن يقع بسببه حريق هائل يحرق الأخضر واليابس.والإشكالية اليوم عندنا في العالمين العربي والإسلامي أننا نعتقد جهلاً أن الديمقراطية والحرية ذات شكل واحد وقالب يتم "صبّه" على الجميع مع اختلاف النظم، وأننا نعتقد أيضاً أنه يعمل بلا أي ضوابط أو طريقة صحيحة لعمله!! ولهذا السبب وحده فقط، دائماً ما تقع الانفجارات السياسية والحرائق المجتمعية بمجرد وجود الديمقراطية في بلادنا، لا لعيب في هذه الأنظمة بل لسوء استخدامنا لها وعدم معرفتنا أسسها وقواعد استخدامها. اليوم نحن أحوج ما نكون لمعرفة أن الحرية مسؤولية قبل أن تكون مجرد حق، وأن الديمقراطية ممارسة مبنية على أسس قبل أن تكون مجرد نظام نتفاخر به. والأمثلة على هذه الحقيقة كثيرة جداً، ولأن أمثلة دول الربيع العربي ملّ الناس سماعها، فإن دولة مثل لبنان تدفع لأكثر من 35 سنة ثمن سوء استخدام "الدوائر" الديمقراطية، حيث انتهت الحرب الأهلية فيها سنة 1990 بتوقيع اتفاق الطائف، ومنذ ذلك التاريخ تعاني حرباً سياسية أكلت فيها كل شيء دون بصيص لأي أمل، فأين تكمن المشكلة؟ تكمن فيما ذكرنا سلفاً من سوء فهم لتلك الأنظمة، ونحن في الكويت لسنا ببعيد عن هذه الأمثلة، فقد أضاءت لنا هذه الدائرة الديمقراطية كثيراً من جوانب حياتنا، وأدى سوء استعمالنا لها إلى كثير من الانفجارات!