A Country Road, A Tree

نهاية الحرب العالمية الثانية كانت بداية صمويل بيكيت!

نشر في 01-06-2016
آخر تحديث 01-06-2016 | 00:04
No Image Caption
حين وصلت الحرب إلى أوروبا في عام 1939، كان صمويل بيكيت كاتباً إيرلندياً ينشر أعماله لكنه لم يكن معروفاً ولم يقرأ أحد مؤلفاته، وكان يعمل في ظل جيمس جويس محرراً أدبياً في باريس حين كان الكاتب العظيم يحضّر رواية Finnegans Wake (يقظة فينيغان).
مع نهاية الحرب بعد ست سنوات، كان بيكيت يوشك أن يتحوّل إلى كاتب مختلف وبارز، فكشف بعد فترة قصيرة عن مسرحية Waiting for Godot (في انتظار غودو)، ويتذكّره الجميع الآن كأحد عمالقة الأدب من القرن الماضي.
طرحت جو بيكر الرواية التاريخية المؤثرة والمكتوبة بأسلوب جميل A Country Road, A Tree (طريق ريفي وشجرة) حيث تستكشف انتقال الكاتب صمويل بيكيت من مرحلة إلى أخرى تزامناً مع تجاوز حقبة الحرب العالمية الثانية في مناطق متنوعة من فرنسا.

قام بيكيت بمعظم تنقلاته خلال تلك السنوات لأنه لم يجد أي خيار آخر.

في خريف عام 1939، لم يكن بيكيت يملك الأوراق التي تسمح له بمتابعة الإقامة في فرنسا. وحين حصل عليها، كان نشيطاً في المقاومة الفرنسية واضطر إلى الهرب سريعاً بعد تعرّض خليّته السرية للخيانة. حين كان يختبئ في جنوب فرنسا، راح يساعد المقاتلين استعداداً للعودة إلى الساحة بعد وصول الحلفاء.

تشدد بيكر على اختلاف طريقة بيكيت في اتخاذ قراراته: البقاء في إيرلندا بدل العودة من زيارة إلى هناك في سبتمبر 1939، والهجرة إلى الولايات المتحدة مثل الفنانين الآخرين، والتركيز على كتاباته والابتعاد عن كل ما يحصل وراء جدران شقته الصغيرة.

في مسرحية Waiting for Godot، يقول إستراغون لفلاديمير: {لا داعي للنظر إلى الخارج}. فيجيبه فلاديمير: {لكن لا يمكن أن نمنع نفسنا من النظر. هذا أمر مستحيل!}.

تقول سوزان، رفيقة عمر بيكيت: {ستنتهي الحرب}! فيجيبها بيكيت في أحد المشاهد التي تخيّلتها بيكر: {يجب أن نتحرك. لا يمكنني أن أنتظر ما سيحصل بكل بساطة}.

بدءاً من العنوان المستوحى من الإرشادات المسرحية المقتضبة التي تفتتح أحداث Waiting for Godot، تقيم بيكر مقارنات سلسة بين تجربة بيكيت في زمن الحرب وأشهر مسرحية له. ثمة جوع دائم لا يمكن إشباعه وتتعدد مظاهره: شجرة شبه ميتة، الألم في أقدام اللاجئين الهاربين وجزماتهم القذرة، وحتى شخصية الوسيط الغامضة في المسرحية (يشارك في رواية بيكر بمساعدة اللاجئين للعبور إلى بر الأمان).

يسود شعور عام بضرورة المضي قدماً ويتقاسمه بيكيت والمشرّدون في Waiting for Godot. تكتب بيكر عن بيكيت وسوزان في مرحلة معينة: {لا يعرفان إلى أين يتّجهان لكنهما يتقدّمان. تتقاسم أجسام البشر العناصر شبه المعدومة التي تملكها وتتابع العيش}.

ما النفع من الكتابة؟

من خلال الصمود وسط هذا الحرمان تزامناً مع استرجاع الذكريات عن أشخاص نقابلهم ولا يصلون إلى الجانب الآخر من الحرب، يجد بيكيت الذي تخيّلته الكاتبة الإجابة التي ينتظرها عن السؤال الذي شَغَل روايته السابقة (Murphy (1938: {بعد جويس، ما النفع من الكتابة؟ ما الذي يمكن قوله؟}. تجد شخصية بيكيت في الرواية صعوبة في الإجابة عن ذلك السؤال ولا تفهم كيف تكون الكلمات كافة غير مناسبة: لا تُطرَح هذه الإشكالية بسبب استنزاف الكلمات من رواد من أمثال جويس بل لأن الكتابة بحد ذاتها أصبحت {مشبوهة أخلاقياً} في عالمٍ تبدو فيه المعاني وسبل التواصل مستحيلة.

تعيد بيكر ابتكار زمان الأحداث ومكانها فيتبيّن أن الرؤية التي يكوّنها بيكيت تدفعه نحو تلك الظلمة بدل الهرب منها أو محاولة الالتفاف عليها.

كتبت بيكر أن {الظلمة أصبحت جسماً صلباً} لوصف أفكار بيكيت حين كان يمرّ بعاصفة ثلجية عشية عيد الميلاد من عام 1945: {الوضع أشبه بخوض سباق مع مصابيحه الأمامية... هو يطارد الظلمة ثم يخترقها ويصل إلى كل ما يكمن وراءها}.

تتحدث بيكر أيضاً عن تداعيات يضطر بيكيت إلى مواجهتها، تحديداً على مستوى علاقته بسوزان. كان المشرّدون في مسرحية Waiting for Godot محقين: لا مفر من الانحطاط والتدهور. لكن يوضح بيكيت في هذا المجال: {لا يعني ذلك أن التجربة لم تكن تستحق العناء}. يمكن أن نقول الأمر نفسه عن رواية بيكر التي تستحق القراءة طبعاً!

back to top