الكويت البلد الذي لا يعرفه شبابه!

نشر في 14-05-2016
آخر تحديث 14-05-2016 | 00:00
 محمد صالح السبتي اعلم أن الكتابة في مدح الكويت أمر غير مستساغ عند العموم، لغلبة المزاج العام الذي يرعى النقد وتسليط الضوء على الأخطاء والسلبيات في ظل إخفاقات حكومية متتالية وقاتلة، لكني مضطر إلى كتابة هذا المديح لأنني لا أستطيع الخروج من حالة النشوة التي أعيشها بعدما عايشت ما سأرويه لكم.

يزور الكويت حالياً عدة أصدقاء يمنيين بمناسبة المفاوضات الجارية الآن، وبحكم ملازمتي لهم رأيت عجباً عجاباً، كانوا حريصين على زيارة عدة أماكن في الكويت حرصهم على العيش وتنفس الهواء! زاروا مقر مجلة العربي التي تصدر عن وزارة الإعلام، وكانت هذه الزيارة بنوع من "التقديس" للمجلة ومقرها! أخذتهم معي إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وعندما دخلنا مكتبته وشاهدوا أعداد مجلة عالم الفكر التي تصدر عنه، وكأنهم شاهدوا كنزاً من الألماس يحتضنون أعداد هذه المجلة كما يحتضن الحبيب حبيبته... يسألون المشرف على المكتبة عن بعض البحوث المنشورة ليخرج لهم أعدادها، وأنا أرى الفرحة والسرور ترتسم على وجوههم وكأن أحدهم بُشِّر بالفوز بالملايين! عندما دخلنا مكتبة مركز البحوث والدراسات الكويتية وأهدانا القائمون على المركز أعداد "رسالة الكويت" التي تصدر عنه، كان الأصدقاء اليمنيون يتصفحون هذه الرسالة بشغف لم أرَ مثله أبداً.

هذه المنابر الثقافية الكويتية هي أشبه بالمؤسسات التعليمية ذات الأثر الكبير على شريحة كبيرة جداً من أبناء الوطن العربي، ارتبطوا بها ارتباط الطالب بجامعته وأساتذته ومعلميه، لذا كانت زيارة هؤلاء الأصدقاء وكأنهم يزورون فصولهم الدراسية التي نهلوا من علوم أساتذتهم داخلها! مرة أجريت لقاء تلفزيونياً مع قداسة البابا تواضروس الثاني، وعندما سألته في نهاية الحوار عن حياته الشخصية ذكر لي أنه من الأشخاص الذين تربوا على مجلة العربي الكويتية! ومثله ذكرت لي السيدة تهاني الجبالي عضو المحكمة الدستورية المصرية سابقاً عندما حاورتها تلفزيونياً!

هذه المنابع الثقافية الفكرية التي كان مَعينها يجري من الكويت بجهود كويتية عربية تواجه الآن عدة تحديات أهمها: أن جيلاً كاملاً أو أجيالاً من شباب الكويت لعله لا يعرف شيئاً عنها، وقد لا يكون سمع بها حتى! والمؤكد أن جيلاً قادماً سيأتي لا يعرف أي شيء عن هذه الإنجازات الكويتية! والسؤال: كيف للجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني أن تعيد استذكار هذه المعالم الثقافية كي لا ينساها شبابنا؟ أما التحدي الآخر ولعله لا يقل أهمية عن سابقه ففي ظل هذا الانفجار الإلكتروني كيف لهذه المجلات والإنجازات أن تحافظ على مكانتها إن لم تقتحم هذا الفضاء؟ ثم هل اقتحام فضاء الاتصالات والمواقع سيؤثر على مكانتها ورزانتها؟

قبل يومين ذكر السيد عثمان العمير، ناشر جريدة إيلاف الإلكترونية، أن هذه الجرائد ستنتهي وسيخبو بريقها، بل وقد أعلن العمير وفاة الصحافة الإلكترونية! علما بأننا حتى اللحظة نتكلم عن زوال بريق الورقية! والسيطرة الآن – والكلام للعمير – لمواقع التواصل التي سيطرت على كل شيء! السؤال: هل لمجلة العربي وعالم الفكر اقتحام هذه المواقع دون تأثير على مكانتها العلمية! قطعاً الجواب لا... وهنا إشكالية عميقة في كيفية مجاراة التطور الإعلامي دون خسران القيمة العلمية والثقافية؟

هذا الإرث الثقافي والعلمي لدولة الكويت ومؤسساتها حين رعت مثل هذه الإصدارات وجمعت حولها خيرة الكتاب العرب وأثرت أيضاً في شريحة كبيرة من المتلقي العربي لا ينبغي له أن ينسى، ولا أن يترك ولا أن تلتفت عنه الأنظار والعيون، مسؤوليتنا جميعاً، مؤسسات حكومية وأهلية وأفراداً، أن نبحث عن سبيل لمواكبة عصر الانفجار التكنولوجي دون أن يؤثر علينا وعلى مثل هذه الإبداعات كي لا تنسى، إنها منارة ثقافية أرضها دولة الكويت ووصل نورها إلى كل الوطن العربي تأثيراً وتأثراً، ولا يجوز أن نتنازل عن شيء من نورها أو نفرط فيه.

back to top