لا توجد استقلالية للقضاء الكويتي

نشر في 15-05-2016
آخر تحديث 15-05-2016 | 00:05
تنظيم القضاء مخالف للدستور ويتطلب إبطاله أو تعديله بما يكفل استقلال السلطة وإصلاح مؤسساتها
السلطة القضائية إحدى السلطات الدستورية الثلاث في النظام الدستوري، ويفترض أن تكون لها حقوق وصلاحيات وامتيازات متساوية مع السلطتين التشريعية والتنفيذية من أجل تحقيق أهدافها بإقامة العدل وحماية الحقوق والحريات، وعليه حتى تمكن السلطة القضائية من تحقيق أهدافها نادى الفقه الدستوري الدولي والمواثيق الدولية بأهمية استقلالية القضاء ولحقهم الدستور الكويتي، متبنياً التوجه العالمي باستقلالية السلطة القضائية، حيث نص في م. 163 منه "لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل".

نقول إنه على الرغم من وضوح موقف الدستور من ضرورة استقلال القضاء فإن المشرع العادي جاء بقانون ينظم أحوال القضاء الكويتي في عام 1990 في فترة الحل غير الدستوري الثانية على نحو مخالف للمطلب الدستوري بالاستقلالية، وجعل من السلطة القضائية جهازاً تابعاً للحكومة ولوزير العدل تحديدا، وتأكيداً لذلك ندلل على ما أشرنا إليه بذكر بعض نصوص قانون تنظيم القضاء القائم حالياً المخالفة لمبدأ استقلالية القضاء، فعلى سبيل المثال لوزير العدل (الحكومة) أحقية الإشراف على القضاء، فقد نصت م 35 من قانون تنظيم القضاء "لوزير العدل حق الإشراف على القضاء"، ونصت م 60 من القانون ذاته على أن "أعضاء النيابة العامة يتبعون جميعاً النائب العام، ويتبع النائب العام وزير العدل"، وألحقتها م 64 بالنص "لوزير العدل حق الرقابة والإشراف على النيابة العامة.."، وأعطى القانون لوزير العدل صلاحيات كبيرة في التدخل في أعمال السلطة القضائية من أبرزها صلاحية الاعتراض على قرارات الجمعيات العامة للمحاكم م12، ولوزير العدل أحقية التدخل في ما يتعلق بتعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة وترقيتهم ونقلهم وندبهم لعمل آخر غير عملهم الأصلي م 17، ولوزير العدل التدخل في تقارير قضاة المحكمة الكلية وأعضاء النيابة، وهو من يبلغهم بقرار إنهاء أعمالهم م 32، ولوزير العدل أحقية تقديم طلب بإقامة الدعوى التأديبة على القضاة م 41، ويحق لوزير العدل تعيين وكلاء النيابة وعزلهم م 61، ولوزير العدل وحده القيام بكافة إجراءات الدعوى التأديبية على النائب العام!! م 66، ولوزير العدل تعيين ومحاسبة كافة الموظفيين المعنيين والمسؤولين عن تولي مهام الشؤون الإدارية والمالية للسلطة القضائية م 67، نجد أيضاً أن الميزانية المالية للسلطة القضائية مسؤولية وزارة العدل، وهي جزء لا يتجزأ من ميزانية وزارة العدل م 69، ولوزير العدل كافة اختصاصات ديوان الموظفين بالنسبة لشؤون القضاء والنيابة العامة م 70، فضلاً عن صلاحيات وزير العدل في تحديد مقار دوائر المحاكم وتبعية معهد القضاء له وصلاحيات أخرى لا يسع المقام لذكرها تصب جميعاً في تبعية القضاء للحكومة، بعيدا عن الاستقلالية المفترضة والمطلوبة دستورياً.

إن انعدام استقلالية القضاء أو ضعف هذا المبدأ في القوانين المنظمة للسلطة القضائية كما أشرنا مسبقاً يجعل القضاء الكويتي غير قادر على أداء مهامه وواجباته الدستورية، ويخل بمفهوم النزاهة والحيادية ويؤثر في عقلية المواطن أو المقيم أو المستثمر المحلي أو الأجنبي في مدى توافر متطلبات العدالة في ظل تبعية القضاء للحكومة على نحو مخالف للنصوص الدستورية، وعلى الأخص المادة 50 من الدستور الخاصة بفصل السلطات، وم. 53 ولاية السلطة القضائية من خلال المحاكم، وم. 162 الخاصة بتحقيق شرف القضاة ونزاهتهم وعدالتهم، وم. 163 الخاصة باستقلالية السلطة القضائية، لذلك نرى أن قانون تنظيم القضاء القائم من القوانين المخالفة للدستور ويتطلب معه إبطاله دستورياً أو العمل على تعديله على نحو يكفل استقلالية السلطة القضائية مالياً وإدراياً وتطوير وإصلاح مؤسساته ودعم أعضائه.

إن السلطة القضائية كسلطة دستورية توازي السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل هي تمارس دور الحكم بينهما يجب ألا تكون أدنى شأناً من هاتين السلطتين أو تابعة لإحداهما،  بل من غير المعقول أن تكون في مرتبة أقل من بعض أجهزة الدولة الأخرى التي تقل أهمية في التنظيم الدستوري من القضاء ممن يتمتع باستقلالية مالية وإدارية لا تتمتع بها السلطة القضائية، فعلى سبيل المثال نجد أن رئيس ديوان المحاسبة يعين بموافقة السلطتين في جلسة خاصة لمجلس الأمة في حين أن أعضاء مجلس القضاء يعينون بموافقة السلطة التنفيذية وحدها، بعد عرض مجلس القضاء، ولرئيس ديوان المحاسبة وحده أحقية الإشراف الإداري والفني على أعمال الديوان والموظفين، ولا يحق للسلطة القضائية الصلاحية ذاتها، ولرئيس ديوان المحاسبة حق وضع ميزانية الديوان بالاتفاق مع رئيس مجلس الأمة، ولا يحق للسلطة القضائية الصلاحية ذاتها، ولجهاز ديوان المحاسبة التعيين المباشر والترقيات للموظفين، دون تدخل من السلطات الأخرى، وفي المقابل هذا الحق منتقص في أدوار السلطة القضائية، ومن غير المعقول أن يكون لهيئة مكافحة الفساد المنشأة حديثاً على ضعف النص التشريعي لها صلاحية الإشراف التنفيذي والإداري والمالي على الهيئة وموظفيها، ولا يحق للسلطة القضائية الحق ذاته، ونجد أيضاً أن صلاحيات الإشراف الإداري والمالي المنعدمة لدى السلطة القضائية متوافرة وقائمة في أجهزة أخرى كالبنك المركزي وهيئة أسواق المال.

ويثار تساؤل بشأن مدى قدرة السلطة القضائية فنياً وإدارياً على تولي شؤون السلطة القضائية في الأمور الإدارية والمالية انطلاقاً من عدم قدرة السلطة فنياً على ذلك، أو من أجل إبعادهم عن الأمور الإدارية تحقيقاً لاستقلاليتهم، وهو تساؤل له اعتباره، إلا أنه يبتعد كثيراً عن الفقه الدولي الذي أعطى للسطلة القضائية هذا الحق، كما أنه توجه ينتقص من أدوارهم في إدارة شؤونهم في الوقت الذي يمنح ذات الحق لآخرين في أجهزة أخرى ليسوا أصحاب تخصص في الإدارة أو شؤون المال، وهو ما يمثل تناقض قانوني وإداري صارخ، ومن جانب آخر فقد عمدت العديد من التشريعات القضائية الدولية تعزيزاً للاستقلالية إلى قيام السلطة القضائية بتأهيل بعض أعضائها إداريا ومالياً، إضافة إلى مؤهلاتهم القانونية لتولي الإشراف على تلك المهام مباشرة، وأتاحت لهم وضع ضوابط التعيين لمن يتولى الشؤون الإدارية والمالية في أجهزة القضاء بعيداً عن تفرد السلطة التنفيذية بذلك، وجعلت التبعية لمن يتولى الشؤون الإدارية للسلطة القضائية، مع أحقية السلطة التنفيذية في التوجيه العام والمراجعة والاعتراض وفق ضوابط إذا لزم الأمر.

إن السعي إلى تطوير القضاء وتحقيق استقلاليته ودعم أدواره ورجالاته لا تكون بالشعارات أو الخطابات الفارغة من محتواها، وإنما تكون بالسعي والعمل الجاد والمخلص لتحقيق مبادئ استقلالية القضاء من خلال تفعيل تلك المبادئ بنصوص تشريعية واضحة ومحددة، ومن خلال إبعاد صور التدخل السافر من أي طرف من السلطات الأخرى، وبالأخص الحكومة والعمل على تطوير أجهزته وأدواره التي تعاني قصوراً، وفقا لمتطلبات تحقيق العدالة والتجارب الدولية الناجحة في أدوار السلطات القضائية، وبخلاف ذلك ستظل نظم وتشريعات وأجهزة السلطة القضائية في الكويت بلا استقلالية، وعلى نحو يمثل مخالفة صارخة للمبادئ الدستورية وأهمها الحيادية وعدم التبعية، بل أكثر من ذلك عرضة للنقد والتجريح، فضلاً عن التراجع العام في الأداء، وهو ما لا نتمناه.

back to top