كيف نقيس الازدهار في القرن الحادي والعشرين؟

نشر في 07-05-2016
آخر تحديث 07-05-2016 | 00:00
No Image Caption
 إيكونوميست يتطلب القياس الأفضل لمستوى الازدهار والرفاهية ثلاثة تغييرات، أولها تحسين الناتج المحلي الإجمالي كأداة لقياس الإنتاج، والثاني ضرورة توجه الدول نحو إجراء سنوي من أجل معرفة أكثر دقة للإنتاج ومستويات المعيشة، والأخير قياس ثروة البلاد دورياً كل عقد من الزمن.

يعتبر الناتج المحلي الاجمالي أداة قياس سيئة للرفاهية، وعلينا البحث عن أسلوب جديد. ما المنصب الذي تتمنى بلوغه: ملكاً من العصور الوسطى أو موظفاً في مكتب عصري؟

لدى الملك قوة عمل ضخمة من الخدم، وهو يرتدي أرقى الملابس المصنوعة من الحرير ويتناول أفضل أنواع الطعام، ولكنه ايضاً ضحية آلام الأسنان وهو عرضة لعدوى مهلكة، كما أنه في حاجة إلى أسبوع من ركوب العربات من أجل التنقل بين القصور، كما أنه يشعر بالتعب من الاستماع الى الدعابات المضحكة ذاتها، أما الحياة مثل موظف مكتب في القرن الحادي والعشرين فتبدو أكثر روعة بمجرد التفكير في عيادات الأسنان العصرية والمضادات الحيوية والسفر بالطائرات والهواتف الذكية واليوتيوب.

وينطوي السؤال على أكثر من مجرد لعبة ردهة أو قاعة استقبال، وهو يظهر درجة الحيرة في مقارنة مستويات المعيشة بمرور الوقت، ولكن على الرغم من ذلك فإن مثل تلك المقارنات ليست عملية روتينية صرفة، بل خطوة تعتمد بشدة على قياس متري محدد... هو الناتج المحلي الاجمالي.

وقد أصبح هذا المقياس صيغة مختصرة للرفاه المادي على الرغم من انه يزخر بخلل عميق في ما يتعلق بقياس الازدهار، كما أنه يزداد سوءاً طوال الوقت، وقد يفضي ذلك بدوره الى تشويه مستويات القلق في العالم الثري ازاء كل شيء... من ركود الدخل الى نمو الانتاجية المخيب للآمال.

قياس طاقة الاقتصاد

المدافعون عن مفهوم الناتج المحلي الاجمالي يقولون إن الاحصائيات ليست مصممة للقيام بالعمل المطلوب منها في الوقت الراهن، وهذه الحصيلة التي ترجع الى فترة انكماش الثلاثينيات من القرن الماضي وتبعات الحرب في أربعينيات القرن الماضي أيضاً كان الغرض الأصلي منها قياس طاقة الاقتصاد على الانتاج، ومنذ ذلك الوقت أصبح الناتج المحلي الاجمالي المنارة العملية لسياسات وضع الضرائب وإصلاح معدل البطالة والتحكم في مستويات التضخم.

ولكن على الرغم من ذلك كله قد يكون غير دقيق الى حد كبير، وعلى سبيل المثال فإن الناتج المحلي الاجمالي في نيجيريا ارتفع بنسبة 89 في المئة في سنة 2014 بعد تعديل أرقام الحسابات، كما ان أعمال التخمين تظل مهيمنة، وحجم سوق الترفيه في لندن يفترض أن يتوسع تمشياً مع الزيادة في عدد السكان من الشباب، والمراجعات منتشرة على نطاق واسع، وفي الدول الكبيرة والغنية – ما عدا الولايات المتحدة – تميل هذه السمة الى الارتفاع، ونظراً لقلة الاهتمام بالارقام التي تتم مراجعتها فإن ذلك يضيف المزيد الى الانطباع المبالغ فيه بأن أميركا تقوم بأداء أفضل من أوروبا، وهو يعني أيضاً أن صناع السياسة يتخذون قرارات تستند الى معلومات خاطئة.

 القيمة المضافة

وإذا كان الناتج المحلي الاجمالي أخفق في دوره كقياس للقيمة المضافة في اقتصاد بلد ما فإن استخدامه كقاعدة للرفاه ينطوي على درجة أعلى من الشك، وكانت تلك هي الحال على الدوام، ففوائد الأمور الصحية والرعاية الصحية الأفضل ومظاهر الراحة المتمثلة في التكييف أو التدفئة كانت تعني أن من شبه المؤكد أن نمو الناتج المحلي الاجمالي قلل من حجم التقدم الحقيقي في مستويات المعيشة خلال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولكن اتجاه السفر والتنقل كان هو ذاته على الأقل، وقد نما الناتج المحلي الاجمالي بسرعة وكذا الحال بالنسبة الى نوعية الحياة.

والناتج المحلي الاجمالي في الوقت الراهن لا يزال ينمو وإن كان ذلك بصورة أكثر بطئاً، ولكن مستويات المعيشة لم تتغير بحسب الاعتقاد السائد على نطاق واسع، ويتمثل جزء من المشكلة في اتساع التباين والتفاوت، فعلى سبيل المثال فإن متوسط دخل العائلة في الولايات المتحدة المعدل لمواكبة التضخم لم يتغير كثيراً خلال الـ 25 سنة الماضية، ولكن بالمثل أيضاً وبشكل متزايد فإن الأشياء التي يحرص الناس على اقتنائها لم تتغير ضمن المعايير الرئيسة للقيمة.

استثناءات قليلة

ومع قلة من الاستثناءات – كالحواسيب على سبيل المثال – يفترض أن الأشياء التي تنتج وتستهلك هي ذات نوعية مستمرة ودائمة، وقد نجح ذلك الافتراض بشكل جيد بما فيه الكفاية خلال عصر الانتاج الضخم والبضائع القياسية، ولكنه أقل موثوقية عندما تتكون الحصة النامية من الاقتصاد من الخدمات، ثم إن الشركات تتنافس على جودة الانتاج وتلبية أذواق العملاء والمستهلكين، واذا كانت المطاعم تقدم وجبات أقل ولكن أغلى ثمناً فإنها تدفع معدل التضخم الى الارتفاع فيما تخفض الناتج المحلي الاجمالي، حتى اذا كان ذلك يعكس تغيرات مثل مكونات طازجة بقدر أكبر أو عدد أقل من الطاولات التي يريدها العملاء.

وتجدر الإشارة الى أن الخدمات التي تقدم الى المستهلكين من قبل غوغل وفيسبوك هي مجانية وبذلك فهي مستثناة من الناتج المحلي الاجمالي، وعندما تصبح البضائع المدفوعة مثل الخرائط والتسجيلات الموسيقية خدمات رقمية مجانية فإنها تسقط أيضاً من حساب الناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر سبل الراحة المتمثلة في التسوق اون لاين والخدمات المصرفية نعمة بالنسبة الى المستهلكين، ولكن إذا كانت تعني درجة أقل من الاستثمار في الأبنية فهي تسقط أيضاً من شريحة الناتج المحلي الاجمالي.

تغييرات

يتطلب القياس الأفضل لمستوى الازدهار والرفاه ثلاثة تغييرات، أولها وأسهلها هو تحسين الناتج المحلي الاجمالي كأداة لقياس الانتاج، والجانب المستمر في قبول فكرة الناتج المحلي الاجمالي على هذا النحو يتمثل في أنه يعرض احصائيات موجزة تخبر الناس عن مدى جودة أداء الاقتصاد، وبدلاً من ذلك يتعين على الاحصائيات تحسين كيفية جمع وتقديم المعلومات المتعلقة بالناتج المحلي الاجمالي، ومن اجل تقليص المراجعات يجب أن تعتمد بقدر أكبر على سجلات الضرائب وبحوث الانترنت وغير ذلك من وسائل الحساب مثل عمليات بطاقات الائتمان، وليس على الدراسات القياسية الخاصة بالشركات والمستهلكين.

كما أن الشركات الخاصة قد أظهرت في الأساس الطريق نحو تحقيق هذا الهدف، وعلى سبيل المثال عبر استبعاد كميات كبيرة جداً من الأسعار عن مواقع التجارة الالكترونية بغية طرح معلومات محسنة عن التضخم.

ويتمثل التغيير الثاني في ضرورة شروع الدول الغنية بالخدمات في التوجه نحو إجراء جديد سنوي أوسع يهدف إلى معرفة أكثر دقة للإنتاج ومستويات المعيشة، وسوف تبدأ طريقة القياس الجديدة هذه بتغيير طال انتظاره، ويشتمل على تضمين الناتج المحلي الإجمالي للعمل غير المدفوع الأجر في المنزل مثل الاعتناء بالأقارب، كما أن طريقة القياس الجديدة سوف تحدد التغيرات في نوعية الخدمات، ومنها الزيادة في طول مدة انتاج الرعاية الصحية.

تحسن طرق القياس

وعلى الرغم من التحسن الكبير في طريقة الاجراء فإن المقياس الجديد سوف يطرح تقييماً دقيقاً لتدفق الدخل، ويتمثل التغيير الثالث في قياس الثروة في بلد ما في كل عقد من الزمن، وسوف تشتمل الميزانيات على أصول الحكومة مثل الطرقات والمتنزهات ومصادر الثروة الخاصة، كما سيتم تقييم المهارات والماركات والتصاميم والأفكار العلمية وشبكات الانترنت.

back to top