هو كذلك

إلا أن غياب العلب أثار النفوس، فنقد البعض الوقفة الصامتة لأنها خلت من إشارة اتهامية مكتوبة للنظام السوري، وكأن الصور التي رفعناها لممارسات النظام البشعة كانت تأييداً له، وكأن هناك حاجة لكلمات مكتوبة تعبر عن مأساة لا تزنها كلمات، ثم نقد طرف آخر نزولنا المعادي للنظام (بدا واضحاً لهذا الطرف أننا نعتصم ضد النظام على ما يبدو) لأنه كما يقول أحدهم تسببنا نحن، بتأييدنا للثورات سابقاً وبعدائنا للنظام السوري حالياً، في إراقة الدماء. يؤكد هذا المغرد أن «ما يجري (هو) صراع سياسي ستصبحون وقوده بهذه الوقفات»، كما أنه حذرني أنه في حال سقوط النظام الذي أعتصم ضده فلن أنام أنا «بأريحية وأمان»، وختمها بجملة تشبه تلك التي للطرف الأول «نحتاج حلا سياسيا يجتث به الإرهاب وليس إلى وقفات يستغلها المتاجرون لأهداف سياسية»، بالنسبة للطرف الثاني الذي يمثله المغرد يكمن الحل السياسي في مساندة النظام السوري في صراعه ضد المعارضة التي حكم أنها كلها إرهابية، وبالنسبة إلى الطرف الأول الحل السياسي يكمن في مساندة ولربما تسليح المعارضة، التي حكم أنها كلها ديمقراطية حرة، إلى أن يسقط النظام.أغضبت الوقفة الطرفين، فنحن مع النظام لأننا استعرضنا جرائمه بالصور دون الكلمات، ولأننا طالبنا بايقاف الحرب فوراً دون قيد أو شرط (وهو مطلب المعارضة في الواقع التي تطالب بهدنة ممتدة حالياً)، ونحن مع المعارضة لأننا حملنا صوراً تستعرض بشاعة القصف السوري النظامي الأخير، ولم نشر بوضوح إلى إرهابية بعض الفصائل المعارضة، نحن لم نخرج معلبين في أبعاد واضحة، نحن خرجنا بما بدا هلامياً لهؤلاء السياسيين المحفورين في أعماقنا. لم يكن مقبولاً أننا ضد فاشية النظام وضد إرهاب فصائل المعارضة، كان لابد لنا أن نتخذ طرفاً. و في حين أنني أتعاطف حقيقة مع التوجه الديني للثوار، فالإنسان المقموع عادة ما يضطر إلى الاحتماء بدينه وبناء مصد من عباداته وعقائده، إلا أن ذلك لا ينفي طائفية بعض الثوار المتطرفين ومسؤوليتهم عن الأحداث الدموية وإن كانوا، لدرجة بعيدة، صنيعة النظام. سورية حلبة صراع اليوم، مثلثات شر قميئة تلقم النار المشتعلة حطباً وفحماً، والسوريون بين مطارق وسندانات عديدة، أكثرها وطأة في رأيي هي مطرقة النظام الوحشي، التي لن يستتب الأمن في سورية، دون خلع رأسها وإزالتها، ومن ثم وضع سورية تحت رقابة دولية تحميها من متطرفيها وتمنع تحولها إلى عراق آخر. ليس هناك حلول كثيرة أخرى تبتعد عن هذين الخيارين. الظريف أن صديقة لي حادثتني «ها، يقولون إنك أصبحت حكومية، هل خلعت ثوب المعارضة؟» فسألت «ومن أين أتى هذا الاعتقاد؟» قالت «خرجت ضد النظام السوري، والحكومة ضد النظام السوري، يعني أنت والحكومة أصحاب». فضحكت حتى تبدت كل تجاعيدي الجديدة بوضوح تام وقلت لها «نعم، هو كذلك».