الروائية عائشة بنّـور: الكاتب الجزائري ينتحر في اليوم ألف مرة

نشر في 27-04-2016 | 00:00
آخر تحديث 27-04-2016 | 00:00
لا تعترف الأديبة الجزائرية عائشة بنور بالمدارس أو المفاهيم أو الاعتبارات التي تسبق الكتابة الإبداعية، وترى أن التحكم في انسيابية الإبداع وتطويعه بشكل محدد قدرة لا يستطيعها كثيرون. كذلك ترى أن الكتابة هم إنساني وقلق وجداني، وتضيف في حوارها مع «الجريدة» أن امتلاك لحظة الكتابة هي تلك العلاقة الحميمية بين القلم والورقة، هي حالة من القلق والتوتر لا تدخل فيها المفاهيم أو الاعتبارات الذاتية. وعن المشهد الأدبي في الجزائر تقول إن الحركة النقدية الجزائرية لا تواكب الحركة الإبداعية باستمرار ولم تعد في مستوى هذا الكم الهائل والجديد من الكتابات، خصوصاً لجيل الشباب. إلى نص الحوار.

تمتلئ روايتك الأخيرة «اعترافات امرأة» بدلالات قمع الأنثى أكثر من البوح، فماذا ترين؟

«اعترافات امرأة» رواية حساسة جداً تحمل بين طيّاتها زخماً من القيّم والجماليات والألم. يغلب عليها سرد سيكولوجي يشرّح الذات الأنثوية عبر لغة حميمة دافئة وهادئة وبشاعرية طافحة توشي بالكثير، بمرارة الواقع والقمع الإنساني الذي يمارس على الذات وجَلْدها بمفاهيم مختلفة.

«اعترافات امرأة» هي استكشاف المرأة عن الأنثى المغيبة بداخلها، والمرأة التي اخترتها داخل النص «الأنا» تتجلى صورتها كشخصية محورية تتحرك وتنمو وتتفاعل وتعترف وتُنْكِر وتتعرى وتنتفض أحياناً بوجهات نظر مختلفة وبخصائص وأمزجة قادرة على تحريك النص الأدبي من الإيجاب إلى السلب والعكس.  

الأعمال الروائية والقصصية الأخرى لك ومن بينها «السوط والصدى»، و»سقوط فارس الأحلام»، و»الموؤدة تسأل فمن يجيب؟»، و»مخالب»، تأتي في السياق ذاته؟

تئن المجموعتان القصصيتان «الموؤدة تسأل فمن يجيب» و»مخالب» تحت وطأة الوجع والقهر النفسي لحالات إنسانية واجتماعية مختلفة ومتعددة. أما رواية «السوط والصدى» التي انطلقت من بيئتين مختلفتين (جزائرية، مصرية) فاعتبرها النقاد رواية فكرية تضيء أهم زاويا في قضية التطرف والعنف، وتشير إلى أن الأزمة مع الآخر أزمة فكرية قبل أن تكون أزمة سياسية أو أمنية. أما بالنسبة إلى رواية «سقوط فارس الأحلام» فترسم معالم وقيّماً اجتماعية وإنسانية من منطلق الخصوصية للمجتمع الآن.عموماً، يعتمـد العمــل الروائي على عناصر مستوحاة من الواقع المرير، تصاحبـه عمليات نفسية تفرزها أنماط الشخصيات من حيث أدوارها وأفعالها.

يجد قارئ أعمالك شحنة شاعرية في أماكن كثيرة من جسد النص. كيف حققت ذلك؟

الاشتغال واللعب على اللغـة مهمان جداً لدغدغة المشاعر بصدق والتأثير فيها وفي الأمزجة وفي حالات التفكير، وربما أكون قاربت هذا الجانب بتحليل كل صورة وكل إشارة للتعبير عن الحالة الشعورية للشخصية بخصائصها ورسمها بلغة دافئة وشاعرية مفعمة بالحب والصدق. واللغة العربية جميلة وغنية بمفرداتها يمكن توظيفها بشكــل جيد إذا ما توغلنا في دهاليزها وعدم الاستهانة بجمالياتها. بالنسبة إلي، أشعر بها صوتاً وروحاً وإيقاعاً يرقص فوق الورق.

الحركة الثقافية... والنقد

كيف ترين الحركة الثقافية الجزائرية الآن؟

تتميز الحركة الثقافية الجزائرية (شعراً وسرداً) بالتنوع والثراء، والكاتب ينتحر في اليوم ألف مرة ويعيش حالات من الإحباط. رغم التنوع ومختلف النشاطات والمهرجانات، لكن يبقى المشهد باهتاً وبائساً لأن ثمة بؤساً ثقافياً لغياب مشروع ثقافي مؤسس، كذلك المثقف الحقيقي غائب أو مغيب. لا يمكن الحديث عن مشهد ثقافي ما لم تتوافر استراتيجية واضحة المعالم، كذلك لا يمكن الحديث عن مردود ثقافي ما لم يتحوّل إلى ملموس يومي لدى المواطن العادي.

المثقف محاصر بموانع عدة تجعله منغلقاً على نفسه وسلبياً اتجاه تلك الموانع أو المؤثرات، وأعتقد أن لعبة السياسي ساهمت في هذا الجمود فأصبح المثقف تابعاً للسلطة ينساق وراء طموحه الاجتماعي.

كذلك يشهد المشهد الثقافي غياب المثقف النوعي الذي شجع على أشباه مثقفين تابعين للسلطة. وأشير هنا إلى أن طموح الكاتب السياسي هو ما أقبره فكريا، فبدل أن تصبّ رسالة المثقف في خدمة الأمة، أصبحت تنحصر في كيفية التخلص من ظروفه الاجتماعية المزرية.

ماذا عن كتاباتك النقدية؟ وكيف ترين الحركة النقدية العربية عموماً والجزائرية خصوصاً، وهل هي بمستوى الحركة الأدبية راهناً؟

كانت لي تجربة هي الأولى من نوعها في هذا المجال بعنوان «قراءات سيكولوجية في روايات وقصص عربية» صدرت في طبعتين. تعيش الذات المبدعة توتراً وقلقاً نفسياً وصخباً وجدانياً لأجل نفحات إبداعية تلامس خوالج النفس المتلقية، وبالتالي السبـق في معالجة النصوص الأدبية الجزائرية العربية.

أما عن الحركة النقدية الجزائرية أو العربية فهي لا تواكب الحركة الإبداعية باستمرار ولم تعد في مستوى هذا الكم الهائل والجديد، خصوصاً لجيل الشباب. ومهمـة الناقد صعبـة جداً في الجزائر، وصعب جداً أن تكون ناقداً أو حتى أن تبدي رأيك في رواية ما كقارئ أو متصفح لها.

حصلت على جوائز أدبية محلية وعربية عدة، هل تراهنين على الجوائز لتحقيق انتشار عربي والمساهمة في إيصال صوت الإبداع النسوي الجزائري خارج حدود الوطن؟

لمَ لا إن كانت في المستوى المطلوب، فالجائزة هي تثمين للجهد والمبدع دائماً تواق إلى تحقيق الانتشار ولفت انتباه القارئ بكتاباته داخل حدود وطنه وخارجها. في المقابل، الجوائز ليست المقياس الوحيد للإبداع الأدبي، وما أصبو إليه هو المساهمة في إيصال صوت الإبداع النسوي الجزائري خارج حدود الوطن كما ذكرت لأن الحركة الإبداعية في الجزائر تزخر وتفتخر بأسماء لأقلام مميزة تكتب في القصة والشعر والرواية بجمالية عالية وحس مرهف ومسؤولية.

هل ثمة تعارض بين حياتك العلمية والأكاديمية والحياة الأدبية؟

الكل يكمل بعضه، لا يوجد تعارض، بل على العكس فدراسة علم النفس التربوي ساهمت كثيراً في تعاملي مع الشخصيات الروائية والعملية الإبداعية ككل.

كيف ترين فعل الكتابة؟

الكتابة تمرّد، لأنها تشكّك في كل شيء وتبحث في تفاصيل الحياة ثم تشكّل من النص أسئلة المتعة والكشف عن الخبايا والمسكوت عنه. المبدع في حد ذاته متمرّد على ذاتية مألوفة، وبالتالي تأتي الكتابة أيضاً متمرّدة على الواقع المزري والقمع والرتابة. الكتابة تمرّد لأنها تبحث عن البديل في طبائع البشر وفي البيئة، وقد تحمل الرفض والتحدي.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

أنهيت أخيراً رواية جديدة بعنوان «مذكـرات نساء عاشقات».

back to top