طالبان بعد ثلاث سنوات على موت الملا عمر

نشر في 03-05-2016
آخر تحديث 03-05-2016 | 00:01
 معهد لوي للسياسة الدولية تقع هذا الشهر الذكرى الثالثة لموت الملا محمد عمر، الزعيم الروحي الشهير الذي فقد إحدى عينيه وقاد طالبان طوال أكثر من ست عشرة سنة.

يُعتبر عمر شخصية مثيرة للاهتمام على أكثر من صعيد، فقد اشتهر بانعزاله وغموضه، ولم يتمكن أي صحافي أجنبي من لقائه، فضلاً عن أنه لم يظهر علانية منذ عام 2001، وخلال عهده طُبّقت صيغة متشددة من الشريعة في أفغانستان شملت قطع يد السارق ورجم مرتكب الزنى، وبما أنه شارك في القتال في الحرب السوفياتية-الأفغانية، كان عمر مقرباً من أسامة بن لادن، فشكّل هذا عاملاً مهماً في غزو الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001، وبعد سقوط طالبان، نجح الملا عمر في تفادي الأسر طوال 12 سنة، رغم المطاردة الحثيثة التي قادتها الولايات المتحدة وعرضها مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار أميركي لمن يرشد عنه، وفي عام 2013، مات الملا عمر لأسباب طبيعية،

فضلاً عن مآثره الشهيرة، ونفوذه الواسع، والغموض الذي يلفه، تقدّم حياة الملا عمر وموته لمحة مذهلة عن دور القادة الأفراد في نظام الجهاد.

احتل الملا عمر مكانة شبه أسطورية بصفته القائد الروحي والسياسة لحركة طالبان، فقد دعاه أتباعه أمير المؤمنين، وهذا لقب بالغ الأهمية كان يُطلق على الخلفاء المسلمين في مختلف الحقبات التاريخية، أما سلطته، فلم تقتصر على طالبان، بل شملت أيضاً تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات الإسلامية الإقليمية، التي قدمت له الولاء.

بالإضافة إلى ذلك، بلغت الشرعية التي مثلها الملا عمر بصفته قائد طالبان حداً كبيراً، حتى إن مجموعة صغيرة من كبار أعضاء هذه الحركة أخفت موته (بنجاح) طوال أكثر من سنتين، وعندما انتشر خبر وفاة الملا عمر في شهر يوليو عام 2015، أكّد بعض المعلّقين أن طالبان تعاني "أزمة شرعية"، وأنها كفصائل مجاهدة باكستانية وأفغانية أخرى تواجه خطر التفكك، وأن موته كسر ظهرها.

لكن التطورات اتخذت منحى مختلفاً، فبما أن حركة طالبان تحارب للسيطرة أو تسيطر على ما لا يقل عن خمس أفغانستان، فهي تحكم قبضتها اليوم على مناطق أوسع مما حظيت به في أي مرحلة منذ غزو عام 2001، كذلك نجحت في التغلغل في محافظة هلمند الغنية بالأفيون، مسيطرة راهناً على سبع من الدوائر الثلاث عشرة فيها، ومهددة عاصمة الولاية لشكر كاه، بالإضافة إلى ذلك، شهد الأسبوع الماضي أعنف هجوم انتحاري منذ عام 2001، مع قتل طالبان 30 شخصاً وإصابتها أكثر من 300 آخرين في العاصمة الأفغانية كابول.

ثمة أسباب عدة لنهضة طالبان الأخيرة، ولا يمثّل الملا عمر أحدها، صحيح أن قائد طالبان السابق هذا تمتع بمكانة مهمة وبمقدار كبير من الشرعية والسلطة، إلا أن كثيرين بالغوا في تصوير هذه المكانة والشرعية والسلطة، فضلاً عن تأثيره الطويل الأمد في هذه الحركة، فتعكس المكاسب الأخيرة التي حققتها طالبان أن مهارات معاونيه (مثل الملا منصور)، مدى اتساع خبرات هذه الحركة الاستراتيجية (كما يمثلها مجلس القيادة بأعضائه الـ21)، مصادر عائداتها المتعددة، ودعم المقاتلين الأجانب (معظمهم من الأوزبك والباكستانيين)، وتأييد قاعدتها الشعبية المحلية تشكّل كلها أسباباً مهمة تبقي هذه المجموعات المجاهدة قوية وفاعلة رغم تبدّل قيادتها.

علاوة على ذلك، لا تختلف تجربة طالبان عما واجهته منظمات جهادية أخرى وقياداتها، على سبيل المثال يحقق تنظيم القاعدة تقدماً في أفغانستان رغم وفاة أسامة بن لادن عام 2011، متحدياً بذلك كل التوقعات التي اعتبرت وفاة هذا القائد ضربة مشلّة.

على نحو مماثل لا تزال حركة الشباب ناشطة رغم اغتيال زعيمها البارز أحمد عبدي غودان في شهر سبتمبر عام 2014، فقد أخفقت كل التوقعات التي أكّدت أن وفاته ستسم بداية نهاية هذه المجموعة، وعلى العكس عززت حركة الشباب هجماتها خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، وأعربت عن صلابة كبيرة وقدرة عالية على التكيّف في مواجهتها مهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال، والحكومة الصومالية، والهجمات الأميركية.

إذاً، رغم المكانة الأسطورية التي يحتلها عدد كبير من القادة المجاهدين، قلما يكونون زعماء لا غنى عنهم في منظماتهم، ولا شك أن القادة مهمون، إلا أن من الممكن استبدالهم، وتكمن المفارقة في أن ازدهار طالبان بعد وفاة الملا عمر يشكّل دليلاً عن براعته كقائد.

*كاثرين هيرست

back to top