الحوَل الفكري!

نشر في 07-05-2016
آخر تحديث 07-05-2016 | 00:00
 محمد صالح السبتي الحوَل مرض يصيب العين بارتخاء أعصابها فتغدو في غير مكانها الطبيعي وهو وسط محجرها، وقد يرافق هذا المرض عيب في النظر كأن يرى مريض الحول الواحد اثنين أو لا يرى كما يرى أصحاء النظر. هذا الحول قد يكون فكريا أحيانا، حين يصاب فكر الإنسان وعقله بارتخاء مناطق التفكير في مخه أو ضمورها، وعلميا فإن للفكر مرضاً كما لأي عضو في الجسد، وفي حين أن الجسد عندما يمرض تظهر أعراض من خلالها يعرف الإنسان أنه عليل، فإن مرض الفكر لا يظهر للعامة، بل للمتخصصين الحكماء الحاذقين الذين يكتشفونه ويرون أعراضه جلية أمامهم.

 وكما يكتشف طبيب الأجساد بالفحص الطبي أمراض البدن، فالنقاش وسماع الآراء هما سبيل الحكماء للكشف عن أمراض الفكر، فبأي نقاش مع أي شخص يكتشف طبيب العقول ما إذا كان هذا الشخص يعاني مرضا فكريا أم لا، ويرى بأم عينه درجة الحول الفكري الذي يعانيه وخطورته على نظرته الفكرية. أنا لا أقول هذا الكلام عيباً في أحد بعينه، فلعل أغلبنا أو كلنا يعاني هذا الحول الفكري ولو بدرجة معينة أو لوقت محدد، لا نعيب على أحد فكره إنما نعيب عدم الإيمان بهذا وعدم السعي لعلاجه، نعيب ذاك التطرف الفكري الذي نمارسه يوميا بعدم تقبلنا لأي نقد أو توجيه وكأننا نملك الحق المطلق وغيرنا هو الباطل المطلق والخطأ الذي لا يمكن لنا تقبل وجهة نظره مهما حاول، ونحن من أجل ذلك نرفض حتى الاستماع، أقول الاستماع لا مجرد السماع لأفكار غيرنا!

إحصائية موثقة نشرها قبل فترة المُعلم د. صلاح الراشد ذكرت أن الإحصاءات تشير إلى أن عدد الكتب المنشورة في دولة مثل أميركا قارب الـ15 مليون كتاب لسنة 2012! وأن أكثر بلد عربي ينشر الكتب هو لبنان كانت إحصائية عام 2005 تشير إلى أنه نشر 3686 كتابا فقط! ومصر نشرت 2215 كتابا في العام ذاته، بينما نشرت إسرائيل 6866 كتاباً! وتشير بعض الدراسات في الأمم المتحدة إلى أن الأميركي يقرأ 11 كتابا في السنة مقابل 8 للبريطاني، وكان نصيب المواطن العربي 4-10 ورقات فقط في السنة! وتشير أيضا إلى أن المثقف العربي يقرأ كتاباً واحداً في السنة مقابل 40 للمثقف الإسرائيلي، هذه الأعداد للمثقفين لا لعامة الناس!

من أين تأتينا الثقافة الوسعة الاطلاع والأفق ونحن أمةٌ القراءة آخر اهتماماتها؟! كيف لنا ألا نصاب بالحول الفكري أو حتى العمى وعقولنا لا تمارس الرياضة الفكرية أبدا حتى أصبحت عديمة اللياقة الفكرية؟! بالنسبة إلينا كعرب كل علاقتنا بالثقافة والقراءة هي التفاخر بما فعله أجدادنا السابقون علميا فقط، فنحيا في وهم أن لنا ماضيا ثقافيا مازلنا نعيش على ذكراه، أما نحن فلا علاقة لنا أبدا بهذا السيل الجارف من المعلومات العالمية، ولذا كان مرض الحول الفكري أحد أكثر الأمراض انتشارا بين عقولنا العربية. وما خلافاتنا ومعاركنا السياسية اليوم إلا من أعراض هذا الحول الفكري الذي نعانيه، فليس منا إلا وله وجهة نظر! وليس منا إلا ويرغب في الكلام ويصعب عليه الاستماع! وليس منا إلا ويظن نفسه على الحق المطلق وأن مخالفه على الباطل المطلق! ولو حققت الأمر وسبرت أغواره لرأيت كما ترى ضوء الشمس أن أغلب المتكلمين على جهل بما يطرحون، وليس من بين هذا السيل الجارف من الكلام إلا القليل من السمين، أما الأغلب فهو غث لا معنى له ولا أرضية يقوم عليها.

يعالج الأطباء حول العين بشد أعصابها المرتخية، أما الحول الفكري فمازلنا لا نعترف به إلى الآن، ومن غير المنطقي أن نبحث عن علاج لمرض لا نقرّ بوجوده أصلاً!

back to top