النظام المالي الصيني وتداعيات أزمة الديون

نشر في 14-05-2016
آخر تحديث 14-05-2016 | 00:00
No Image Caption
 إيكونوميست الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقطاعها المصرفي هو الأضخم، إذ يشتمل على أصول تعادل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم إن أسواق أسهمها، حتى بعد انهيار العام الماضي، تساوي مجتمعة 6 تريليونات دولار، وتأتي بعد الولايات المتحدة فقط.

لم يعد سؤال اليوم هو: هل سوف تتعرض الصين لمشكلة حقيقية، بل أصبح متى سيحدث ذلك؟

كانت الصين محقة في الشروع في عمليات الائتمان بغية دفع النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ولكنها أخطأت في عدم التوقف عن تلك الخطوة ثانية، وقد ازدادت ديون الصين في السنتين الماضيتين بالسرعة ذاتها التي كانت عليها بعد الانهيار الذي شهدته بعد سنة 2008، كما ارتفعت نسبة ديونها الى الناتج المحلي الاجمالي من 150 الى حوالي 260 في المئة خلال عقد من الزمن، وهو نوع الزيادة الذي يعقبه في العادة اخفاق مالي أو تباطؤ اقتصادي مفاجئ.

ولن تكون الصين استثتاء من تلك القاعدة، وتضاعفت القروض المتعثرة خلال سنتين وهي تصل - بشكل رسمي – الى 5.5 في المئة من اجمالي اقراض البنوك، والحقيقة أكثر قتامة، إذ تلتهم الفائدة على القروض الحالية حوالي خمسي الديون الجديدة وفي سنة 2014 كانت نسبة تصل الى 16 في المئة من أكبر 1000 من الشركات الصينية مدينة بقدر اكبر من الفائدة بشكل يزيد على ما كسبته قبل الضرائب.

 وتتطلب الصين المزيد والمزيد من الائتمان من أجل توليد الأقل والأقل من النمو، وهي تأخذ في الوقت الراهن حوالي 4 يوان من الاقتراض الجديد لتحقيق يوان واحد من الناتج المحلي الاجمالي الاضافي، وهو رقم يرتفع أكثر من يوان من الائتمان قبل الأزمة المالية. ومع تغاضي الحكومة قد تستمر مستويات الديون في الارتفاع لفترة من الزمن وربما لسنوات قليلة مقبلة، ولكن ليس الى الأبد.

أسعار الأصول والاقتصاد الحقيقي

وعندما تبدأ عجلة الديون في الدوران تتعرض أسعار الأصول والاقتصاد الحقيقي الى هزة، ولن يسعد ذلك أي طرف. وصحيح أن الصين كانت بارعة في تحجيم مسؤولياتها المالية الخارجية (وهي دولة دائنة أيضاً) لكن الأخطار التي تتعرض لها ذات منشأ داخلي، كما أن الأضرار التي يمكن ان تنجم عن انفجار ائتماني صيني كبير تظل ضخمة ومؤثرة بقدر هائل، والصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقطاعها المصرفي هو الأضخم ويشتمل على أصول تعادل 40 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، ثم إن أسواق الأسهم الصينية، حتى بعد الانهيار الذي شهدته في السنة الماضية، تساوي مجتمعة 6 تريليونات دولار، وتأتي بعد الولايات المتحدة فقط، كما أن أسواق السندات فيها التي تبلغ 7.5 تريليونات دولار هي ثالث أكبر سوق في العالم وتنمو بسرعة لافتة. وقد أفضى خفض قيمة اليوان الصيني بنسبة 2 في المئة خلال الصيف الماضي الى انهيار أسواق الأسهم العالمية، والاخفاق الأكبر قد يؤدي الى وضع أكثر سوءاً. وقد تسبب التباطؤ الاقتصادي المعتدل في احداث متاعب بالنسبة الى مصدري السلع في شتى أنحاء العالم، والمزيد من التعثر قد ينعكس بشدة على كل أولئك الذين يستفيدون من الطلب الصيني.

دوافع التفاؤل

حصل المتفائلون على قدر من الراحة من خلال فكرتين: الأولى أن المسؤولين الصينيين قد أظهروا بصورة دائمة أنهم وبمجرد تمكنهم من تحديد المشاكل كانت تتوافر لديهم الارادة والمهارة لحل واصلاح تلك المشاكل بالشكل اللازم، وتمثلت الفكرة الثانية في أن السيطرة على النظام المالي في الصين - وتملك الدولة البنوك الكبرى ومعظم أكبر مدينيها – قد أعطى حكومة بكين الوقت المطلوب لاصلاح الأوضاع.

لكن عناصر هذا التفاؤل بدأت تتبدد، والحكومة الصينية الحالية ليست النوعية القادرة على توجيه الأحداث والتطورات بقدر ما هي تكافح لمواكبتها، وفي السنة الماضية وحدها أنفقت الصين ما يقارب الـ 200 مليار دولار لدفع وتحسين سوق الأسهم، كما تحول 65 مليار دولار من القروض المصرفية الى قروض معدومة، وكلف الاحتيال المالي المستثمرين ما لا يقل عن 20 مليار دولار، كما انتقل 600 مليار دولار من رؤوس الأموال الى خارج البلاد. ومن أجل المساعدة على تحسين النمو الاقتصادي عمد المسؤولون الصينيون الى توسيع فقاعة العقارات، ولكن الديون لا تزال تزداد بمعدل يصل الى ضعفي سرعة وتيرة الاقتصاد.

سيطرة الحكومة على التمويل

وفي الوقت نفسه، وكما يظهر تقريرنا الخاص هذا الأسبوع، فإن قبضة الحكومة على التمويلات قد ضعفت، وعلى الرغم من الجهود المتكررة للحد من أشكال الاقراض الفضفاضة التننظيم فإن تلك الأشكال تنمو بسرعة: وقد ازداد ما يعرف باسم "أصول الظل" بأكثر من 30 في المئة في السنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومن الوجهة النظرية فإن بنوك الظل تعمل على تنويع مصادر الائتمان وتنشر الخطر بعيداً عن البنوك النظامية – وعلى صعيد عملي، تعتبر الخطوط الفاصلة بين الأنظمة المصرفية الشكلية والرسمية ضبابية وغير واضحة بدرجة سيئة.

ويسهم ذلك في خلق نوعين من الأخطار، الأول هو خسائر أعلى من المتوقع بالنسبة الى البنوك، والعديد من البنوك الصينية المتلهفة لتحقيق أرباح في اقتصاد متباطئ قد أساءت تصنيف القروض الخطيرة في سبيل القيام باستثمارات بغية تفادي التمحيص والاقلال من متطلبات رأس المال. وقد وصلت قروض الظل هذه الى ما يساوي حوالي 16 في المئة من القروض القياسية في منتصف سنة 2015 مرتفعة بذلك عن 4 في المئة في سنة 2012.

ويتمثل الخطر الثاني في السيولة، وقد أصبحت البنوك أكثر اعتماداً على "منتجات ادارة الثروة"، والتي تدفع بموجبها معدلات أعلى في مقابل ايداعات قصيرة الأجل ووضعها في أصول طويلة الأجل، وطوال سنوات قيدت الصين القروض المصرفية الى أقل من 75 في المئة من قاعدة الايداع للبنك لتضمن وجود الكثير من المبالغ النقدية على شكل احتياط. ووصل المستوى الحقيقي في الوقت الراهن الى ما يقارب 100 في المئة، وهي عتبة يصبح معها النقص المفاجئ في التمويل – النذير الكلاسيكي للأزمات المصرفية – ضمن الامكانيات. وكانت البنوك المتوسطة الحجم الأكثر نشاطاً في التوسع، وبالتالي كانت المكان الذي تحدث فيه المشاكل المفاجئة.

نهاية الزيادة في ديون الصين لن تكون تماماً مثل الأزمات المالية السابقة تماماً، ونظام الظل المصرفي الصيني كبير ولكنه لم يطرح أي منتجات تقارب في تعقيدها حزمة الرهونات العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة في سنة 2008، كما أن النظام المالي الصيني المنعزل بشكل نسبي يعني التوازي مع الأزمة الآسيوية في سنة 1997- 98 عندما اقترضت دول تمتد من تايلند الى كوريا الجنوبية الكثير من الأموال من الخارج.

ويخشى البعض أن تبدو الصين مثل اليابان في تسعينات القرن الماضي وأن تتجه بصورة بطيئة نحو الركود الاقتصادي، ولكن نظامها المالي يتسم بقدر أكبر من الفوضى مع مزيد من الضغط نحو تدفق رأس المال الى الخارج بقدر يفوق ما كان الحال مع اليابان، ومن المرجح أن تكون ازمة الصين أكثر حدة من محنة اليابان.

التداعيات المحتملة

ثمة شيء مؤكد وهو أن تأجيل الصين للنظر في مشاكلها لفترة أطول سوف يفضي الى عواقب أكثر شدة، وكبداية يتعين على بكين التخطيط لمواجهة الاضطرابات. وكان التنسيق في السياسة مروعاً في انهيار سوق الأسهم في السنة الماضية، كما يتعين على جهات التنظيم أن تحدد مسبقاً من يراقب ماذا وإعداد استجابات طارئة. وبدلاً من طرح حوافز مالية ونقدية لإبقاء النمو فوق الهدف الرسمي من 6.5 في المئة على الأقل في هذه السنة يتعين على الحكومة أن تستعد للمحنة الحقيقية، كما يجب على البنك المركزي الصيني تجميد خططه المتعلقة بتدويل اليوان لأن الفتح السابق لأوانه لحساب رأس مال سوف يفضي الى تدفقات نقدية الى الخارج والى مشاكل أكبر عندما يكون النظام المالي غير مستقر، والجانب الأكثر أهمية هو أن تبدأ الصين بالحد من ارتفاع ديونها، كما أن الهدف الآن هو تفادي أشياء أسوأ كثيراً.

back to top