افتتاحية : العدل أساس الملك فلا تعبثوا به
منذ فترة ليست ببعيدة، تعرض الوسط القضائي لأشكال من التشكيك في نزاهة أعضائه، والنهش في جسده، والمساس بكرامة منتسبيه، ووصل الأمر إلى حد الطعن في ذمم وضمائر رجالاته... وتداعت أصوات الشرفاء والوطنيين المخلصين، لوضع حد لتلك الظاهرة، وكان سمو أمير البلاد أول المدافعين عن القضاء وأهله، وفي مقدمة الرافضين للمساس به بأي شكل كان.إن العدل أساس الملك، والعبث به عبث بالملك نفسه، فلا تستقيم الأمم بلا عدل تحكمه الضمائر، ولا تدوم الدول بعدل توجهه قوى وتيارات ومصالح، ويتنفع من ورائه المتنفعون.واليوم يتعرض القضاء لهجمة أخرى، وبأسلوب مغاير، هدفها احتواء السلطة القضائية بحجة تطويرها، بينما القصد الحقيقي هو تفكيكها للسيطرة عليها.ويخرج علينا وزير العدل بحزمة مشاريع أسماها السياسيون والمراقبون «قوانين يعقوب»، ظاهرها تطوير القضاء، وباطنها احتواؤه... فما مبررات العجلة والاستعجال في تمرير هذه الحزمة؟ ولماذا التعامل معها بغموض؟ ولماذا إخفاؤها وعدم طرحها للنقاش العام إن كان الهدف الحقيقي هو (فعلاً) تطوير القضاء؟
والأدهى من هذا وذاك أن العمل على إتمام تلك الحزمة وتمريرها يمر دونما مشاركة من أهل القضاء، وبتغييب لمجلس القضاء وأشخاصه... فهل يريد أن يقنعنا وزير العدل أنه سلطة أعلى من سلطة المجلس الأعلى للقضاء؟ وكيف يفسر لنا فكرة إنشاء مجلس للدولة؟ هل هي تمهيد لسيطرة إدارة الفتوى والتشريع (هي جهاز حكومي بحت) على القضاء الإداري؟... هل هذا ما يريده الوزير؟ ولماذا لم نسمع رأياً من مجلس القضاء وذلك من لب مسؤولياته؟!تبقى عشرات الأسئلة قائمة بدءاً من مبرر طلب تعديل المحكمة الدستورية وزيادة عدد أعضائها، بحجة المذكرة التفسيرية، وحقيقة الأمر غير ذلك، فسياسة التعيينات والمحاصصات يجب ألا تشمل الجسم القضائي حتى لا يقضى عليه مثلما قضي على غيره من القطاعات، ولنا على سبيل المثال لا الحصر التعيينات في المجلس البلدي، أو في لجنة المناقصات وغيرها.والسؤال الآخر، ما الهدف من هذه التعديلات لاسيما أن الوضع القائم مقبول حالياً ولا يشكو شيئاً؟ فلماذا القفز في الظلام والمجهول؟!إن العبث بالسلطة القضائية عبث بمصير الوطن، قد يقود إلى ما لا تحمد عقباه، ولنا في تجارب الأمم التي حاولت السلطة فيها احتواء القضاء دروس وعبر.ولإثبات حسن النية، على الحكومة التعامل مع موضوع تطوير القضاء واستقلاليته بشفافية وصراحة مطلقة، لا بغموض يثير الشك والريبة، لاسيما أنه قضية وطنية كبرى يجب أن يشارك في بحثها كل قطاعات المجتمع، وأولها قطاع القضاء نفسه، حتى لا تكون حزمة «قوانين يعقوب» سعياً إلى إلغاء حقيقة أن العدل أساس الملك.