العدالة الاجتماعية المفقودة

نشر في 21-05-2016
آخر تحديث 21-05-2016 | 00:00
 ترفة العنزي سبق أن تحدثت منذ سنوات عن العدالة الاجتماعية في الكويت، وقلت حينها إن سياسة الكيل بمكيالين "وهذا ولدنا" قد ألحقت ضررا كبيرا بمفهوم العدالة الاجتماعية، ولولا لطف الله ثم الرعاية الأبوية التي يوليها حضرة صاحب السمو لشعبه، ووصول بعض أنّات وأوجاع بعض المظلومين إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، وبعض من يراعون الله في أعمالهم، ثم مساحة من الرأي وإن أصبحت ضيقة، لأصبحت أغلبية قطاعات الدولة ومؤسساتها إقطاعاً لبعض العوائل أو القبائل أو التوجهات الطائفية الدينية والسياسية، ولكن لطف الله ثم طيبة هذا الشعب هما من يحميانه.

إن مفهوم العدالة الاجتماعية وهدفها الأسمى لدى بعض الفلاسفة والمنظرين هو تحقيق الوصول إلى مجتمع يمتلك جميع أعضائه حقوقهم الإنسانية والأساسية والمساواة، وإزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، والتي يسعى البعض إلى جعلها فقط طبقتين: فقراء وأغنياء، وتسمى أيضا العدالة المدنية، بحيث تتحقق العدالة في المجتمع المدني في كل نواحيه دون الاقتصار على عدالة القانون، والعدالة الاجتماعية تعني معاملة عادلة وحصصاً تشاركية في خيرات المجتمع وتكافؤاً في الفرص.

ولعل من أهم مبادئ العدالة الاجتماعية في الإسلام العدل، فهو أساس الملك، وهو المعيار الذي يظهر من خلاله مدى استقرار المجتمع، فإذا انتشر الظلم وضاعت الحقوق فهو مجتمع للجاهلية أقرب، حيث تتفشى الجريمة ويكثر الشقاق والنزاع، ولكن عندما تعرف وتعطى الحقوق والواجبات لمن يستحقها قولا وعملا فإن ذلك أدعى لثبات المجتمع واستقراره وطمأنينته وتفشي الأمن والأمان بين أفراده؛ مما يخلق نقلة نوعية من التقدم والازدهار، ولذلك حث الإسلام على تفشي العدالة، وقد قيل إن الله يقيم بالعدل الدولة الكافرة، ومع الظلم يهلك الدولة وإن كانت مسلمة.

والدستور الكويتي راعى العدالة الاجتماعية في بعض مواده، سواء في الجانب الاقتصادي أو من جانب تكافؤ الفرص ومساواة الناس أمام القانون، ولعل ذلك يتضح جلياً لمن أراد الاستزادة في بعض مواد الدستور (7 و8 و11 و16 و18 و20 و24 و25)، ولكن للأسف الشديد نجد بعض هذه المواد يضرب بها، كما يبدو لي ولغيري من غير القانونيين، عرض الحائط في غالب الأحيان تحت حجج وذرائع عدة، منها المحسوبية والواسطة والمصالح الانتخابية، ولو سمح القانون للمواطن البسيط أن يلجأ للمحكمة الدستورية مباشرة لرفع الظلم عنه، ولنسفت كثير من هذه القوانين التي يتم تفصيل بعضها بحسب مصالح التكتلات السياسية في مجلس الأمة وقوتها.

إن الكثير من وزارات الدولة ومؤسساتها، وإن تشدق المسؤولون بها، بعيدة عن تطبيق العدالة، فالظلم في الترقيات والمناصب، بل وصل الأمر حتى في التمييز ببعض الخدمات بين مناطق داخلية وأخرى خارجية، وقد استفحل أمر الظلم وكثر لجوء البعض للمحكمة الإدارية، فأصبح للمحامين سوق رائج، فأُنصف البعض وأعيدت لهم حقوقهم التي سلبت، فيما ضاعت حقوق آخرين لأمور خارجة عن إرادتهم، وربما إرادة المحكمة لسبب أو لآخر.

لا أحتاج لضرب الكثير من الأمثلة على ضياع حقوق الناس والممارسات والضغوط القانونية وغير القانونية التي تمارس في حق الناس؛ مما يؤدي إلى عدم الحصول عليها بطريقة متكافئة ومتناسبة ومتوازنة بين أفراد المجتمع، وسأتطرق إلى بعض تلك الممارسات التي أفرغت مفهوم العدالة الاجتماعية من محتواه، وأفقدته مضمونه ووجاهته، وفي بعض المقالات القادمة، إن شاء الله، سأتحدث عن بعض صور فقدان العدالة الاجتماعية في مؤسسات الدولة ووزاراتها، وهدفنا من وراء ذلك المساهمة في نشر الكثير من الممارسات الخاطئة لعلنا نجد يوماً من يسعى إلى تعديل الاعوجاج في تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد، وإن كانت هذه المخالفات والممارسات الخاطئة لم تعد خافية على أحد، ولكنها مساهمة من أجل تفشي العدل واستقرار المجتمع وأمنه، والحافظ الله يا كويت.

back to top