ماذا يحمل المستقبل لـ «أوبك»؟
تلعب «أوبك» دوراً رئيسياً في ضبط أسعار النفط بالأسواق العالمية، وفي ظل التراجع الأخير في أسعار الخام، شهدت المنظمة اهتماماً عالمياً غير مسبوق، حيث تترقب كل الأسواق تحركاتها وتهتم بكل كلمة وموقف يصدر عنها.
النشأةتأسست «أوبك» خلال اجتماع بغداد في 14 سبتمبر 1960 بموجب مبادرة من الدول الخمس الأساسية المنتجة للنفط حينئذ، وهي السعودية، وإيران، والعراق، والكويت، وفنزويلا، ثم انضمت إليها 9 دول أخرى هي قطر (1961)، واندونيسيا (1962)، وليبيا (1962)، والإمارات (1967)، والجزائر (1969)، ونيجيريا (1971)، والاكوادور (1973)، وأنغولا (2007)، والجابون (1975)، وتم إنهاء عضوية الأخيرة في عام 1994 ليصل عدد أعضاء المنظمة حالياً 13 عضواً، بعد عودة إندونيسيا مرة أخرى إليها العام الماضي.وعضوية «أوبك» مفتوحة لأي دولة لديها فائض وفير من النفط الخام، شرط حصولها على موافقة الأعضاء المؤسسين، وثلاثة أرباع الأعضاء ذوي العضوية الكاملة.واتخذت المنظمة «جنيف» في سويسرا مقراً لها خلال السنوات الخمس الأولى من تأسيسها قبل أن تنقله إلى «فيينا» في النمسا في الأول من سبتمبر 1965.الهدفالهدف الرئيسي من إنشاء المنظمة هو تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء وضمان استقرار الأسواق، وذلك من أجل تأمين امدادات منتظمة واقتصادية للمستهلكين من جهة، وتوفير مصدر مستقر للدخل للمنتجين والمستثمرين من جهة أخرى.وجاء قرار التأسيس في ظل تغيرات درامية على الساحة الاقتصادية والسياسية العالمية في ذلك الوقت، فقد تخلصت الكثير من الدول من قيود الاستعمار لتتحول إلى كيانات مستقلة، وكان سوق النفط مُحتكراً من قبل ما يُعرف بـ»الشقيقات السبع الكبرى»، وهي شركات عالمية سيطرت على كل المراحل البترولية من البئر حتى وصول البترول للمستهلك. واحتكرت هذه «الشقيقات» كل الامتيازات في الشرق الأوسط، أما الدول المنتجة التي كان يُنتَج الخام من أرضها فلم تحصل إلا على الفتات من أرباح الإنتاج.وهذه الشركات هي «أنجلو بيرشان كومباني» (بي بي حالياً)، و»غالف أويل»، و»ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (شيفرون)، و»تكساكو» (اندمجت لاحقاً مع شيفرون)، و»رويال دوتش شل»، و»ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي» (إسو/إكسون)، و»ستاندرد أويل أوف نيويورك» (موبيل).مخزونات عالمية وكانت تسيطر على 85 في المئة من المخزونات العالمية من منتصف الأربعينيات حتى السبعينيات، لكن تأثيرها هُمش كثيراً في أعقاب أزمة النفط عام 1973 بفعل زيادة نفوذ «أوبك» والشركات الحكومية في الأسواق الصاعدة، فقد قررت دول المنظمة تقرير سياساتها السعرية بنفسها، بعد أن كانت الأسعار تعاني انخفاضا شديدا بسبب احتكار «الشقيقات السبع».نجحت «أوبك» خلال عقد واحد فقط في التحول من منظمة محدودة تضم 5 دول نامية إلى واحدة من أقوى المؤسسات وأكثرها نفوذا وتأثيراً في العالم، وحاول الخبراء تحليل أسرار نجاح هذه المجموعة الصغيرة من الدول النامية في تحقيق مأربها وسط عالم تسيطر عليه قوى صناعية كبرى.والسر الرئيسي في هذا يعود إلى نوعية الدور الذي تلعبه المنظمة في سوق النفط العالمي، وهذا الدور مازال صالحاً ومهماً في القرن الحادي والعشرين تماماً، كما كان منذ 50 عاماً، ومن المتوقع أن يظل كذلك لعقود أخرى قادمة بحسب توقعات متفائلة. كما تمتاز المنظمة بتنوع جغرافي واسع يمتد من أميركا اللاتينية في الغرب حتى جنوب شرق آسيا في الشرق، مروراً بالشرق الأوسط وإفريقيا، ويقدر إجمالي عدد سكان دول «أوبك» بنصف مليار شخص، وعلى الرغم من اختلافاتهم الثقافية والدينية واللغوية، فإن دول «أوبك» تشترك جميعاً في وضعها كمصدر رئيسي للنفط وأهدافها بالحفاظ على حصتها السوقية وضمان استقرار الأسواق.عودة إندونيسياأثار قرار عودة «إندونيسيا» إلى «أوبك» جدلاً عالمياً واسعاً، وكانت عضوية الدولة الآسيوية الوحيدة ضمن المنظمة قد تجمدت لنحو سبع سنوات منذ مطلع 2009 بعد أن تحولت لدولة مستوردة للنفط.وأثار شكوك المحللين الدوليين حول أهداف المنظمة، فإندونيسيا تستهلك نحو ضعف انتاجها من النفط، وبلغت فاتورة وارداتها النفطية 13 مليار دولار العام الماضي، ولم يطرأ أي تغير عليها منذ توقف عضويتها يبرر انضمامها لمجموعة المصدرين.ويرى خبراء «سيتي غروب» أن القرار يشير إلى «تهميش» دور «أوبك»، وأن المنظمة حادت عن هدفها الرئيسي بالمحافظة على استقرار الأسواق، حيث آثرت الحفاظ على حصتها السوقية على حساب ضبط الأسعار، وهو ما ظهر في مواصلتها ضخ الإنتاج رغم تخمة المعروض العالمي. لكنّ فريقا آخر يرى أن عودة «إندونيسيا» تحمل فوائد عظيمة للطرفين، فهي تمثل حلقة وصل بين دول المنظمة ودول آسيا التي تشهد ارتفاعاً متنامياً في الطلب على الطاقة، كما أنها هي نفسها دولة منتجة ومستهلكة للنفط، مما يجعلها سوقاً واعداً يساعد في سد الفجوة الناتجة عن تراجع الطلب في الولايات المتحدة وزيادة المنافسة من جانب روسيا.على الجانب الآخر ستضمن «إندونيسيا» حصولها على واردات نفطية أقل تكلفة بانضمامها للمنظمة في ظل احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، فمن المتوقع أن تصبح الدولة أكبر مستورد للبنزين في العالم بحلول 2018، وستساعدها روابطها الجديدة مع منتجي الشرق الأوسط في تأمين امدادات مستقرة من الطاقة، والقضاء على «مافيا النفط» في سوقها المحلي.مستقبل «أوبك»على الرغم من حالة الذعر التي تجتاح العالم من جراء تراجع أسعار النفط، فمن المتوقع أن تدعم الأزمة الحالية تأثير «أوبك» وتعيد نفوذها على الساحة العالمية، فالمنظمة لاقت تهديدات كبيرة لنفوذها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة كثافة الإنتاج النفطي الأميركي، أما الآن فهي الوحيدة التي تمتلك الأوراق الضرورية لقلب دفة الأسعار.وكان الإنتاج الأميركي يسجل ارتفاعاً متواصلاً بين العشرينيات والسبعينيات، لكنه بدأ في التباطؤ بعد تلك الفترة على الرغم من صعود الطلب، مما حول الولايات لمتحدة إلى مستورد رئيسي للخام، وشهدت الأوضاع تغيراً درامياً مع اكتشاف التقنيات الجديدة التي نجحت في استخراج النفط من أعماق كبيرة في باطن الأرض، مما أدى إلى تدفق ما يعرف «بالنفط الصخري»، وعاد الإنتاج الأميركي بكثافة إلى الأسواق.خفض الإنتاجأما الآن فتراجع أسعار النفط أجبر الكثير من منتجي النفط الصخري على خفض الإنتاج، في الوقت الذي أثرت سياسة استهداف الحصص السوقية التي تبنتها السعودية ومعها باقي الدول الخليجية بدلا من الأسعار، ونجحت في زيادة الضغوط على القطاع عالميا، وتكبد منتجو النفط غير التقليدي خسائر ستعرقل تحركه بعض الوقت.ومن المتوقع تراجع إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة في 2016 خصوصا في الولايات المتحدة، وعلى الجانب الآخر تستمر «أوبك» في ضخ انتاجها بأريحية، وهي تسيطر حالياً على حصة مؤثرة من الإنتاج العالمي، لكن يرتقب زيادة حصتها بعد عودة الإنتاج الإيراني.ويختلف الخبراء حول توقعات تحركات النفط، لكنهم يتفقون جميعاً على أن قرارات «أوبك» تعد حالياً المحدد الرئيسي لاتجاهات السوق، أما أعضاء المنظمة فلا يبدون في عجلة من أمرهم لتغيير الأوضاع، فلم يدعوا إلى أي اجتماعات طارئة، وأول اجتماع في أجندتهم الحالية مقرر في يونيو المقبل(أرقام)