ربعي المدهون: «مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة» تعكس الواقع الفلسطيني

نشر في 22-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 22-03-2016 | 00:01
No Image Caption
• وصلت روايته إلى القائمة القصيرة للبوكر
أكد الروائي الفلسطيني ربعي المدهون أن روايته «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة»، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية، تعكس واقعاً قائماً ومعاشاً بحلوه ومره، وهو عمد إلى تقديم الحقائق عارية، مؤكداً أنه لا يخدع نفسه، ولا يضلل قارئه، وأن دوره كروائي تنويري بالدرجة الأولى.

حدثنا عن فكرة روايتك «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة»، وكم استغرقت من الوقت لتصل إلى القارئ؟

استغرق العمل على الرواية أربع سنوات كاملة، وقد أشرت إلى هذا الأمر في المقدمة تحت عنوان «قبل القراءة». أما الفكرة فتعود إلى حكاية قديمة لقريب لي لم يغادر مدينة المجد لعسقلان التي رحلت عنها عائلتنا تحت قصف الطائرات الإسرائيلية خلال النكبة. كان الرجل شخصية مثيرة، غامضة، ملتبسة في ذهن الصبي الذي كنته، فقد كان مكروهاً لأنه «يعيش مع اليهود» كما كانوا يرددون، ومحبوباً أو محسوداً أيضاً لأنه بقي في المجد لعسقلان التي صارت حلماً عند أهلها اللاجئين في قطاع غزة. وجدت في الرجل الذي أعطيته اسم «باقيهناك» شخصية نموذجية لعمل روائي، فهو «متشائل» آخر، بطريقة ما، له بعض سمات متشائل إميل حبيبي، ويمكن أخذه للعيش في زمن آخر، فلا يستنسخ المتشائل سعيد أبي النحس ويكون امتداداً له وشاهداً على مرحلة أخرى لاحقة من حياة الفلسطينيين الذين بقوا على أرضهم، في البحث عن جذور «متشائلي»، وهناك بدأت ألم حكايات الناس، والبيوت التي لم تعد تتعرف إلى أصحابها، ولا ينتمي إليها ساكنوها، كذلك المنفيون الباحثون عن نافذة للعودة ولو لأجل حفنة من التراب.

لماذا اخترت هذا العنوان للرواية؟

العنوان الرئيس «مصائر» تجسيد دال على تفاصيل حكايات الرواية الأربع، التي تلاحق مصائر البشر والأرض وما عليها، وهو عنوان مباشر لا يتطلّب شرحاّ لإدراك معنى هو دلالاته. أما العنوان الفرعي فأملاه عاملان فنيان دراميان، الأول، أنه، أي الكونشرتو، الإطار الموسيقي الحاوي للحكايات الأربع، والذي كان ضرورياً للإشارة إلى بنية النص وتركيبه، الثاني، أملته الحركة الرابعة للكونشرتو الكبير، التي تناقش المأساتين اليهودية والفلسطينية، من منطلقات إنسانية بحتة، مستندة إلى خطاب يكشف بوضوح لا لبس فيه ولا التباس وبجرأة ضرورية، تفهم الفلسطيني لعذابات اليهود، وتأكيده في الوقت عينه أن الهولوكست ليست شأناً يخصّ الفلسطينيين، أبعد من كون المذبحة مأساة إنسانية، وأن مسؤوليتها تقع على أوروبا الغربية ككل، والولايات المتحدة الأميركية التي أغلقت أبوابها في وجه اليهود وحولتهم وبقية دول أوروبا إلى فلسطين، ذلك دعماً للمشروع الاستعماري الصهيوني. الهولوكوست جريمة ارتكبتها ألمانيا النازية لا الفلسطينيون أو العرب عموماً، بالتالي على الإسرائيليين الكفّ عن اضطهاد ضحاياهم من الفلسطينيين باسم ضحايا الهولوكوست.  

هذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها رواية لك إلى القائمة القصيرة للبوكر، فقد سبق أن وصلت روايتك الأولى «السيدة من تل أبيب» أيضاً في عام 2010، كيف استقبلت الترشح هذه المرة؟

بكيت فرحاً صبيحة إعلان القائمة الطويلة، فقد عملت أربع سنوات متواصلة، أجريت بحوثاً وحوارات مكثفة، قرأت الكثير من النقد وأساليب الكتابة الروائية الحديثة والحداثية وكأني مبتدئ، زرت فلسطين خمس مرات، وحفيت قدماي من التجوال بين أزقة مدن المجد لعسقلان، ويافا، وحيفا، والقدس وعكا، لتوطين شخصياتي. لملمت عشرات الحكايات من أفواه الناس العاديين، أمضيت وقتاً مع شخصياتي أكثر مما أمضيت مع زوجتي وأفراد عائلتي، وكان صعباً عليّ تحمل الخسارة لو وقعت. صبيحة إعلان القائمة القصيرة، لم أكن قلقاً، لكني لم أكن متأكداً من الفوز.

هل أنصفت الصحافة روايتك قبل أن تنصفها «البوكر»؟

إلى حد كبير، نوعياً لا كمياً. كانت البداية بدراسة قدمها الناقد الدكتور فيصل دراج، في حفل إشهار «مصائر» بعمّان في أغسطس الماضي، وفيها قرأ «مصائر» في سياق تحولات الرواية الفلسطينية منذ الثلاثي جبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإميل حبيبي، ونسبها إلى «رجال في الشمس» واعتبرها «الرواية الفلسطينية الشاملة» التي «أعطت رواية المسألة الفلسطينية بعداً جديداً». كذلك قدّم طارق أمام قراءة متميزة غاصت في بنية النص الموسيقية، وتحدثت عن «جدارية تتجاور فيها المحكيات الفلسطينية». وفيما اعتبرتها الفنانة المسرحية الفلسطينية ميساء الخطيب «رواية الروايات»، كتب جورج جحا لـ»رويترز»: «إنها عمل متقن مركب وغير عادي من نواح مختلفة». وثمة مراجعات أخرى متفاوتة.

لماذا كان الربط بين ضحايا محرقة هتلر من اليهود، وضحايا دير ياسين ووضعهما قدم المساواة؟

دعني أوضح التباسات ومغالطات لدى البعض ممن يسارعون إلى الاتهام، ويتورطون في قراءات انطباعية شكلية وظنيّة، وأحياناً سيئة النوايا، تنطلق من خارج النص لا من داخله. إن فيلماً يحمل عنوان «القبيحة والجنتلمان» لا يجعل الجنتلمان وقحاً، ولا القبيحة امرأة لطيفة. التجاور في عنوان الرواية الفرعي لا يعدو غرضه إثارة منطق جدلي حول الاتجار الإسرائيلي بالمحرقة، وابتزاز الصهاينة للعالم، بينما هم يستنسخون جرائم النازية نفسها في تعاملهم مع الفلسطينيين، ومجازاً هو جدل درامي، يشبه ما بين آلتين موسيقيتين في كونشرتو. الإسرائيليون واليهود الصهاينة عموماً، هم من يرفض مقارنة أي مذبحة في العالم بالهولوكوست، ويحتكرون لأنفسهم صورة الضحية الوحيدة، ويعتبرون كل ما يقومون به من جرائم «دفاعاً عن النفس». أقتطع ما قاله وليد دهمان، بعد زيارته متحف المحرقة، معاتباً نفسه: «في هذا المتحف الذي تزوره يا وليد، باسم كل اسم فيه، يُقتل منكم اسم، وأحياناً أسماء، وكي لا تتكرر محرقة النازية لليهود، يشعل الإسرائيليون باسم ضحاياها، محارق كثيرة في بلادنا، قد تصبح، في النهاية، محرقة».

خيبات... وتسلسل مرن

القارئ لرواية» مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة» يجدها مليئة بخيبات وانكسارات وشخصيات بائسة ومكسورة، في مقابل جانب مبهج رغم ذلك كله، ماذا قصدت من ذلك؟

نعم، سياقات النص وتطوّر الوقائع الدرامية تقول ذلك، وهي من دون أي لبس تعكس واقعاً قائماً ومعاشاً بحلوه وبمره، وقد عمدت إلى تقديم الحقائق عارية. لا أخدع نفسي، ولا أضلل قارئي، ودوري كروائي يفترض أنه تنويري بالدرجة الأولى، لهذا وضعت أمام العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، وبطريقة صادمة، «يهودياً كامل الحضور، له ملامح إنسانية»، وذكرت بأن صاحب هذه الملامح «الإنسانية»، يعيد تخليق مأسي الفلسطينيين بلا انقطاع، بتعبير الناقد فيصل دراج، هي ما نشهد يومياً منذ 67 عاماً من الاحتلال، من دون أن نرى أفقاً لحل عادل.

مستقبل الصراع

هل تتناول الرواية الواقع الفلسطيني بعين المثقف والكاتب؟

وبعين أبطالها أيضاً، الذين ليسوا مثقفين ولا ينتمون إلى النخبة، فبينهم الروائي، والباحث، والمكوجي، ومدير التعليم، والموظفة، وربة البيت غير العاملة أيضاً.

أحداث الرواية غير المتوقعة وتسلسلها المرن، أنقذاها من عنصر التكرار والرتابة. هل فطرة الإبداع والموهبة وحدها قادرة على ذلك، أم أن تراكمات خبرة الكاتب تساهم في هذا الأمر؟

كما في السيدة من تل أبيب، ينبني السرد في مصائر، من عناصر عدة، ساهمت في تشكّلها خبرات بحثية أكاديمية، وصحافية مكتوبة وأخرى متلفزة، وتقنيات تطوّرت لتشكّل رافعة تأخذ التقرير الصحفي إلى مستوى المتخيّل الأدبي، حيث الصورة مشهدية ثلاثية الأبعاد (3D)، تمكّن القارئ من العيش داخل المشهد، والاستماع إلى أصوات الناس والباعة والمارة والسيارات والجيران والطيور والبحر، وكل مكونات المشهد الأخرى. هي الموهبة التي صقلتها تجارب حياتية وفنية ومهنية وقراءات عدة.

أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية، هل يمكن أن تنتج الرواية بطلاً يحمل انتصاراً مقبلاً أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

الرواية ليست فيلماً مصرياً من أفلام أيام زمان، نخرج في نهايته فرحين سعداء بزواج عاشقين، أو بمشهد البطل يصرخ: عايدااااا، وترد عليه من قمة تلة ترابية عند الشاطئ: عادييييييييل، ولا فيلماً هندياً “من بتوع زمان” أيضاً، نستهلك فيه علبة محارم ورقية.

هل ستكون روايتك المقبلة أسيرة الألم الفلسطيني؟

لا أعرف. عموماً، هذا ليس معياراً فنياً دقيقاً، فما يهمني هو كتابة نص يستكمل ثلاثية تغطي المسألة الفلسطينية ماضياً وحاضراً، وتستكشف مستقبل الصراع، شرط أن يتحقّق ذلك من خلال سرد يحقّق، بدوره، متعة القراءة

back to top