جلال الدين الرومي... ملهم الروائيين

نشر في 11-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 11-03-2016 | 00:01
No Image Caption
ماذا يعني أن يصبح أحد الشعراء حاضراً بقوة في وجدان الشعوب؟ ولماذا يتمّ اختيار شاعر معين؟ وهل ثمة ثقافة محددة تنتج شعراء شعبيين في العالم؟

يسعنا القول في هذا المجال إن الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، صار بمكانة علامة تجارية ثقافية عالمية، تستعمل في مجالات الثقافة والاستهلاك، حباً بشعره الواسع الانتشار، أو لتسويق بضع أفكار وترويج هذا الشكل من الفن أو ذاك، إضافة إلى ترجمات شعره إلى لغات مختلفة وبأساليب متنوعة، إلى درجة أنه أصبح أسطورة سخيّة الحكايات والأوهام.

كريمة هي الكتب والدراسات عن شخصية الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، وهو أمر بديهي باعتبار أن {مولانا} تجاوز حدود اللغة الواحدة وأصبح معروفاً لدى عشرات اللغات العالمية، والأمر الآخر والأكثر دلالة، أنه صار تيمة روايات أجنبية عدة ترجم بعضها الى العربية، خصوصاً لروائيين من أصول فارسية أو تركية، أبرزها {قواعد العشق الأربعون} بقلم أليف شافاك، وهي أشهر من أن تعرف. والروائية التركية تستعمل غالباً عناوين عريضة لجذب القراء، سواء في روايتها {لقيطة اسطنبول} أو سيرتها {حليب أسود}، وهي  قادرة على توظيف العناصر الثقافية لتتحوَّل إلى {الأكثر مبيعاً}. ولما كان معظم كتبها شديد الانتشار، فإن كتابها عن الرومي يبقى الأكثر تداولاً، مخاطباً وجدان الإنسان العادي من خلال الحب.

الأرجح أن شافاك أدركت خطوتها في اختيارها الرومي تيمة لروايتها، فهي عادة ما تنتقي مواضيع مثيرة، تهمّ أبناء جلدتها في المشرق، وتجذب القارئ الغربي أيضاً، سواء في روايتها {لقيطة إسطنبول} أو في {شرف».

وقواعد العشق الأربعون» رواية بأصوات متعددة، كتبتها المؤلفة عن العشق من زاوية روحية، مقدمةً قصتين متوازيتين تعكس إحداهما الأخرى عبر ثقافتين مختلفتين جداً وسبعة قرون متداخلة. بطلتها أيلا رونشتاين امرأة عادية تبلغ من العمر أربعين عاماً وربة منزل غير سعيدة، لديها ثلاثة أطفال وزوج خائن. والوحدة أبرز عنوان لتلك المرحلة في حياتها، لكن قدرها يروح يتغيّر حينما تبدأ العمل كقارئة في وكالة أدبية.

أيلا المترددة بدايةً في قراءة كتاب يتحدّث عن زمان ومكان مختلفين عن بلدها، سرعان ما تجد نفسها أسيرة الرواية ومؤلفها، وتبدأ معه مغازلة عبر البريد الإلكتروني. وفيما هي تقرأ يدخلها التشكيك في نواحٍ مختلفة من حياة تقليدية، تخلو من أي عاطفة، من ثم من الحب.

ليست الرواية من نوع القصص السعيدة طبعاً، وهو ما تؤكده شافاك، فثمة تكاليف لأجل العيش حياة أصيلة. لكن وكما تظهره «قواعد العشق الأربعون»، فإن تكاليف عدم العيش أكبر بكثير.

أمّا تكاليف نجاح الرومي كتيمة أدبية مشرقية في الغرب، فلا تتخطى الصفر أغلب الظنّ، ما يدفع الآخرين إلى توظيفه في نصوص عدة، لا تخرج عنها الإيرانية الأصل الفرنسية الجنسية نهال تجدد، بروايتها «الرومي نار العشق» (دار الجديد)، حيث تقول في التقديم: «غالبية الحوارات والتفسيرات والتعليقات الواردة على لسان الشخصيات الرئيسة في الكتاب مستمدة من أعمالهم. مثلاً، الرومي من ديوان شمس التبريزي والمثنوي وفيه ما فيه». واستندت المؤلفة إلى مقالات شمس التبريزي مستخدمةً معلومات مستمدة من السيرة الذاتية للرومي وحاشيته «مناقب العارفين» بقلم الأفلاكي شمس الدين أحمد، بناء على طلب حفيد الرومي. والرواية ترويها الكاتبة بلسان راوٍ هو حسام الدين، أحد مريدي الرومي، والذي كان يملي الأخير عليه ديوان «المثنوي» (النظم المزدوج بالعربية)، وعلى حد قوله في سطور الرواية: «كنت استمتع بكتابة وتدوين الحوادث اليومية بتتبع خطوات الرومي. كنت بالنسبة إليه القلم الرائع غير المرئي. أصبحت كاتب المثنوي، ذلك العمل العظيم الذي دأبت وشجعت على إنشائه».

صورة ملفقة

يرى قراء كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي أن المؤلفة تقدّم صورة ملفقة لجلال الدين الرومي في محاولة لجذب القارئ الغربي، ويحلو لأحدهم القول، وهو ربما يصيب في رأيه، إنه يمكننا نترجم عن جلال الدين الرومي وشمس الدين مجموعة من الكتب، إلا أن معظم المترجمين المحترفين لا يهتم إلا بروايات عن مولانا تدر عائداً مادياً ضخماً، مشيراً إلى أن كثيرين في مجال «صناعة الرواية وتسويقها» استغلوا عدم إطلاع القارئ الغربي على جلال الدين وتعاليمه وسيرته العطرة، خاصاً بالذكر نهال تجدد». يضيف: «قرأت لهذه الكاتبة الإيرانية والمقيمة بفرنسا روايتين: «على خطى الرومي»، وترجمت فصلاً منها نشرته لأجل محبي مولانا جلال الدين... ثم «الرومي المحروق» التي عانيت لجلبها من فرنسا وكانت أغلى رواية أقتنيها، لكن عند قراءتها أصبت بالخيبة... أساطير وحكايات ملفقة عن مولانا وشمس... وكلام قبيح على لسانه... وللأسف لاقت الرواية إقبالاً كبيراً في فرنسا ودول عدة وبيعت منها كميات هائلة».

ربما يكون القارئ الناقد على حق، لكنه لا يدرك أن الرواية بأشكالها كافة تبقى في خانة الخيال، وهي ليست سيرة واقعية لنسمح لأنفسنا بمحاسبة المؤلفة، ناهيك بأن الخيال يشكّل مفتاح ابتكار روايات عدة، وفي الثقافة الغربية تشكّل الشخصيات العامة، الأدبية والثقافية والفنية والدينية، مادة دسمة في هذا المجال، خصوصاً لدى جوزيه ساراماغو، وفارغاس يوسا، ونورمان مايلر، وماركيز، وأمين معلوف، وغيرهم. ولا غرابة في أن يحضر الرومي بصورة متناقصة ومحوّرة في روايات تكتب عنه، فحتى في مسقط رأسه نجد قصصاً متشعبة حوله، فلا يخرج عن إطار صورة عمر الخيام، وهو بات أسطورة متواصلة في اختراع رباعيات شعرية تنسب إليه.

كذلك صدرت عن دار «نينوي»، ترجمة رواية «بنت مولانا»، للكاتبة الإنكليزية موريل مفروي، وهي ترسم في جوّ لافت شخصية «كيميا»، تلك الفتاة التي فرّت من أهلها والتحقت بجلال الدين الروميّ، حيث عاشت حياتها المشتعلة والمرتبكة في بيته بكلّ ما فيه من تباينات ضمن عوالم علوية غريبة، حتى زُوّجت من القطب الروحانيّ، معلّم مولانا ورائده في سبيل الحقّ والنور، شمس الدين التبريزيّ.

وإذ تحفر «بنت مولانا جلال الدين الروميّ» في المجال الصوفيّ الواسع لفلسفةِ مولانا، تتناول علاقتهِ مع القُطب التبريزيّ، «حيث لا يعرف المرء هل يغمره ريح العشق أم ناره، بل يتضفّر الفرح والألم في سلّة واحدة، فالقلب يغرّد، موجعاً، يختفي في كيانٍ، هو السرّ كان»!

حتى في الكتابة عن «داعش» حضر الرومي في كتاب «احتقار الحب، مدخرات جلال الدين الرومي لداعش» بقلم الكاتب العراقي عبداللطيف الحرز. بعد البحث عن جذور نفسية ولاهوتية لثقافة الموت في الشرق الأوسط، تنتهي الحكاية بجريمتي قتل بمنتهى القبح: إحداهما في استراليا والثانية في أميركا، وما بينهما موج من تاريخ عاصف لشخصيات قديمة بارزة كصورة نادرة غير معروفة لجلال الدين الرومي، وشخصيات حديثة ذات أقنعة متعددة، أبرزها الدكتور علي الوردي.

التسويق الأدبي

بات معروفاً لدى الجميع أن رمزية جلال الدين الرومي الأدبية والصوفية صارت تستعمل كزركشة لكتابات عادية أو قصص يهواها الشرق والغرب ما دام عنوانها «الرومي».

هي لعبة «التسويق الأدبي والفني»، تجدها حاضرة حتى في أغانٍ عالمية وفي عروض أزياء، حيث استعملت قصائد الرومي كأسلوب عرض لملابس سهرات وقمصان. حتى إن أشعاره زيّنت المزينات والخشبيات إلى درجة أن المتأمل يحسب أن هذا الشاعر يجمع حوله تناقضات نعجز عن ضبطها، فهو الصوفي القريب من الإيمان، يُستهلم في العري ومن مغنية مثل مادونا معروفة بجرأتها في مختلف المجالات، حتى في نظرتها إلى الدين.

back to top