ترانيم أعرابي: الاعتذار ثقافة

نشر في 12-04-2016
آخر تحديث 12-04-2016 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم الاعتراف بالخطأ من الأمور الثقيلة على النفس، فالتصريح عن فعل يُنقص من قيمة الإنسان في أعراف هذه الأيام يزيد النفس حرقة ويكون ألمها كبيرا، وعلى الرغم من حرارة الذنب والخطأ- لأصحاب القلوب الحية- ومحاولة النفس التنفيس عن الخطأ عبر الاعتراف فإن الاعتذار يشعل نارا أخرى لهبها القهر وحطبها الحسرة والخوف.

لماذا لا يكون للاعتراف دور إيجابي عند بعض البشر؟ هل نسيان الماضي هو ما يمنع تقبل مثل هذا الأمر أم أن ألم الخطأ وفداحة الذنب هما اللذان لا يزالان يؤثران في قرارات الطرف الآخر؟ وهل لتغير ثقافة الاعتذار من جيل لآخر دور في عدم الاهتمام بالاعتذار أو ربما كان لتكرار الاعتراف بالخطأ دور في اختفاء بريقه وذهابه؟ وهل الاعتذار ثقافة يغفل عنها الكثيرون؟

هذه التساؤلات دارت وما زالت تدور في ذهني منذ فترة طويلة، لا أجد لها جوابا سوى أن النفوس والأنماط البشرية أنواع عديدة، تؤثر فيها الخلفيات الثقافية التي جاءت منها وعاشت فيها طفولتها، كما أن للرصيد العاطفي وطريقة التنشئة دوراً، فهل تصدقون أن هناك من يعبّر عن الاعتذار بمهاجمة الطرف الآخر وضبط مجهر كبير فوق أفعال من يقابله حتى يتصيّد أخطاءه، وبذلك يشعر بتعادل الكفة؟ فذنوبه وأخطاؤه أمام أخطاء خصمه متساوية، وبذلك تتحقق العدالة ولا يكون في المعركة خاسر.

هل صادفتم في حياتكم من تسحب منه الاعتذار سحبا، حتى إنك تشعر بالتعب بعد أن تخرج الاعتذار من قيده؟! وبعد أن تيأس من المحاولات الخفية غير المباشرة لإجباره على الاعتذار تلجأ إلى تعرية موقفه بالحقائق والبراهين فإذا صار في زاوية الحرج التي لا يستطيع أن يهرب منها، قال لك بكل برودة قاتلة أنا آسف؟!

طبيعة العلاقة بين الطرفين هي من تحدد نوع المشكلة وطريقة الاعتذار، فالزوجان اللذان يعيش كل طرف منهما في واد، يرى كل منهما أن الخطأ خطأ صاحبه؛ لأنه هو من يسكن الوادي المثالي وعلى الطرف الآخر أن يأتي ليعيش معه ولا يترك لنفسه المجال ليفكر، فهل من الممكن أن يكون الطرف الآخر محقا؟! وماذا أخسر إن جربت، فإن أعجبني الأمر اعتذرت ومضيت في حياتي، وإن كان في الأمر ما كنت أخشاه عدت إلى حيث كنت، وكان لي شرف التجربة.

وأقول إن من أسباب ثقل الاعتذار على النفس هو اختلاف المفاهيم، فما أراه أنا خطأ يراه الآخر صوابا، وما يعتقد صديقي أنه عيب أنظر إليه أنا على أنه حرية شخصية، وما أطمح إليه أنا يراه غيري غباءً وتهورا، ولذلك لا تطالب أحدا بأن يعتذر من شيء لا يؤمن به، بل الأجدر أن تتركه في حاله خير لك من مطالبته باعتذار غير مدرج في جدول اهتماماته.

ولولا أن تقولوا إنني أبالغ لقلت لكم يجب علينا أن نعتذر ممن نتدخل فيما يظنون– أي بأفكارهم- حتى إن كانت أفكارهم خطأ، لأن تعرية الآخر وتقبيح فعله دون رغبه منه في قبول ما نقول خطأ لا يقبله أحد، فأين قول المصطفى "الدين النصيحة"؟ وأين أنت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

لنتأمل لو أننا نصحنا أحدهم ولم نهيئ له الجو المناسب للنصيحة، ولم نقتنص الفرصة الملائمة أتراه يقبل منّا؟ الاعتذار ثقافة وعلينا أن نعتذر من أنفسنا أولاً، لأننا لم نفهمها، ووعلينا أن نحاول فهم من حولنا وإن اختلفت أفكارنا معهم، فلو كان كل واحد يعتقد أنه على صواب لصرنا الذين اجتمعوا في غرفة مغلقة ثم تحدثوا مع بعضهم وعلت أصواتهم وخرجوا يقولون: هل سمعت ما قاله لقد كان على خطأ؟! كيف سمع ما قاله غيره في وسط هذا الضجيج؟! لست أدري!

back to top