Thy Father’s Chair... {الاكتناز} وثائقياً!

نشر في 14-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 14-03-2016 | 00:01
أصبح الاكتناز، أي الإفراط فى تكديس الأشياء، موضوعاً شائعاً في الثقافة الشعبية خلال السنوات الأخيرة بفضل برامج تلفزيون الواقع مثل Hoarders (المكتنزون) وStorage Wars (حروب التخزين)، وسلوكيات الشخصيات في المسلسل الكوميدي The Big Bang Theory (نظرية الانفجار العظيم).
نشاهد هذه الظاهرة عبر عدسة الفيلم الوثائقيThy Father’s Chair (كرسي والدك) الذي يعتبر {الاكتناز} أزمة عاجلة بقدر الاحتباس الحراري، ولا يمكن إغفالها بأي شكل.
يعتبر فيلم Thy Father’s Chair ظاهرة الميل إلى تكديس الأشياء مؤشراً على الإصابة بمشاكل نفسية ودينية أكثر تعقيداً. يعرض الفيلم الذي أخرجه كل من أليكس لورا وأنطونيو تيبالدي، وعُرض للمرة الأولى في مهرجان {ترو فولس} السينمائي النخبوي، حياة شقيقَين توأمين في الستينات من عمرهما: يعيش شراغا وأبراهام في حي يهودي متزمّت من منطقة {فلاتبوش} في بروكلين، نيويورك. من خلال التركيز على هاتين الشخصيتين غير المتوقعتين، لا يقدم المخرجان دراسة مقنعة وحذقة للشخصيات فحسب، بل يطرحان أيضاً أدلة واضحة على الاتجاه الوثائقي الذي يتخذه العمل.

نلاحظ منذ البداية أن شراغا وأبراهام مثقفَين رغم ملابسهما التقليدية. لم يتزوج أي منهما ولا تتّضح مهنتهما. عاشا في هذا المنزل منذ عقود، تحديداً منذ أيام الطفولة. ويبدو أنهما لم يسمعا بأكياس القمامة في تلك الفترة ولم يعتادا على استعمالها.

فوضى

سيتمكن المشاهدون من الغوص في مخبأ الشقيقين، حيث سيجدون مجموعة من الأوراق المبعثرة والملابس القديمة وقناني الماء الفارغة والأدوات المنزلية الغامضة وكميات هائلة من مخلفات يمكن أن تحمل قيمة تاريخية وتُعرَض في مكتبات رئاسية عدة.

يمكن أن نشعر بحجم الفوضى السائدة في المنزل ونشمّ رائحتها! تقبع بقايا الطعام في الثلاجة، وتتكدس قطع غيار الحواسيب غير الصالحة للاستعمال على علو كتب الصلاة اليهودية التي يملكها الشقيقان. تجد القطط هناك منزلاً جديداً لها، فتلاحظ حجم الضيافة في ذلك المكان وتدعو المزيد من القطط.

اقتنع الشقيقان أخيراً بضرورة تنظيف المكان بعد سنوات من الرفض لأن المستأجر في الطابق العلوي هدّدهما بالتوقف عن دفع الإيجار حتى معالجة الوضع وكانا بأمسّ الحاجة إلى ذلك المدخول. لذا يستعينان بشركة متخصصة بتنظيف المنازل، فيصل عمّال التنظيف لتفريغ المنزل وترتيبه وتنظيمه ورمي النفايات وجعل المكان صالحاً للسكن مجدداً.

عملية التنظيف

على طريقة وايزمان والأخوين مايزلز، تثبّت الكاميرا نفسها في المنزل وتلازم مكانها. بهذه الطريقة، يسمح لنا الفيلم بالدخول إلى مساحة خانقة ما كان أحد ليمضي الوقت فيها أو يرغب في دخولها.

مع تقدّم عملية التنظيف، تنفتح الجوانب النفسية والجسدية للشخصيات، ويبدأ الشقيقان بالتعبير عن الألم والأولويات في حياتهما. لا تقتصر العملية الحاصلة في ذلك المنزل على تفريغ الأغراض، بل إنها تهدف إلى التصالح مع الماضي والتوقعات غير المحققة.

يكون الشقيقان فصيحَين في الكلام وذكيّين ويدركان واقعهما. قد يعكس سلوكهما أحياناً درجة من حب التملك، لكنه يوضح أيضاً حجم إدراكهما الطبيعة البشرية. يعرض الفيلم ضمناً المشاكل العالقة مع والدهما الذي كان عاملاً في مجال الإلكترونيات واضطر إلى التعامل مع أشباحه الخاصة. يعبّر الشقيقان أيضاً عن ندمهما لأنهما لم يتزوجا. حين يذكر عامل تنظيف أن الحشرات أنشأت عائلة كاملة داخل الفراش، يتمتم أحد الشقيقَين: {وضعها أفضل مني}!

عجز قهري

تشير الأبحاث المرتبطة بظاهرة الاكتناز إلى أنها تتعلق في الأصل بعجز قهري عن التخلي عن الماضي (اضطراب معقد وعيادي)، ولا تقتصر هذه الحالة على الكسل بكل بساطة بل يجب الغوص فيها على مستوى أعمق لفهمها. من خلال الامتناع عن التعليق، لا يستكشف الفيلم مدى صرامة ديانة الشقيقين وأثرها على موقفهما الرافض لتغيير أسلوب حياتهما.

لكن تقدم هذه المقاربة الواقعية في طرح القصة منافع أخرى. يركز مهرجان {ترو فولس} على نزعة الأفلام المبنية على أحداث واقعية ويرسّخ فيلمThy Father’s Chair حركة جديدة من نوعها في مجال الأفلام الوثائقية، أو يعيد إحياءها على الأقل.

بعد سنوات من إنتاج برامج تلفزيون الواقع التي تشمل اعترافات حميمة وعوامل مبتكرة أخرى، يشجّع جيل من المخرجين الآن على تجربة مقاربة جديدة حيث تقترب الكاميرا من الشخصيات وتلازم مكانها. سنكسب معلومات كثيرة بفضل إطار التصوير هذا بدل الاتكال على ظهور أشخاص وسط المشاهد لتفسير الأحداث.

يعرض فيلم Thy Father’s Chair قصة قاتمة ويجسد معاني العجز والوحدة. لكنه لا يخلو من التفاؤل ويروّج الفكرة القائلة إن الارتياح من هذه الاضطرابات كلها قد لا يتطلب أحياناً أكثر من مبادرات صغيرة من طرف خارجي.

قال تيبالدي: {حين قابلتُ شراغا للمرة الأولى، شعرتُ بأنه صادق جداً على عكس معظم الراشدين. وراء تلك الفوضى كلها في المنزل، شعرتُ بوجود قصة إنسانية يمكن أن تؤثر بالجميع}.

من خلال إظهار الشقيقين في لحظات عفوية بدل استعمال الأسلوب التقليدي للأفلام الوثائقية التي تعرض مقابلات مع الأصدقاء وأفراد العائلة، سيشعر المشاهدون بأنهم يمضون الوقت مع بطلَي القصة. مع اقتراب نهاية عملية التنظيف، لا تنتهي أحداث الفيلم. بل إنه يكشف عن أشخاص مضطربين بدأوا للتو يحصلون على المساعدة اللازمة، بوتيرة بطيئة لكن ثابتة.

back to top