الثقة بالنفس... هكذا تحفّزين طفلكِ

نشر في 21-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 21-04-2016 | 00:01
No Image Caption
هل سبق وفكّرت بمستقبل ولدك وقلت شيئاً مثل: «لا أمانع إن لم يصبح غنياً أو مشهوراً ما دام سعيداً»؟ يريد بعض الأهل أن يشعر أولادهم بالرضا عن أنفسهم أولاً، ويعلّم بعض البالغين أولادهم أن الثقة بالنفس تأتي كنتيجة لبلوغ الأهداف. في الواقع، الشعور بالثقة بالنفس عنصر أساسي للتحفيز، فالأولاد التعساء لا يهمهم النجاح

أو يعتقدون أنهم لا يستطيعون أن يكونوا ناجحين. بحسب علم النفس، بدل أن يشعر هؤلاء الأولاد بالثقة بالنفس المنبثق من التحفيز والإنجازات، يحصل العكس تماماً.

ترتكز البحوث الحديثة المتعلّقة بالتحفيز على نظرية تقرير المصير، وتثبت أن الإنسان محفّز بشكل غرائزي ليكتشف كل ما يدور حوله وينمو، إنما قد يتعزّز أو يتلاشى هذا التحفيز الطبيعي من خلال عوامل خارجيّة مثل العائلة والمجتمع والثقافة.

وفقاً لنظرية تقرير المصير، قد يكون التحفيز داخلياً أو خارجياً. أي أن من الممكن أن يكون الإنسان محفّزاً ليتعلّم وينمو، إما بدافع الشعور بالمتعة أو بدافع الشعور بالإنجاز الذي يتلقاه من الفعل نفسه (التحفيز الداخلي) أو بدافع المكافأة أو النتائج غير المتعلّقة بالفعل (التحفيز الخارجي). يُعتبر اختيار كتاب من متجر لأنه يبدو مشوقاً خير مثال عن التحفيز الداخلي. أما شراء كتاب بهدف الدّرس والنجاح في الامتحان فيعتبر في خانة التحفيز الخارجي. لا تمثّل أيّ من هاتين المقاربتين الحلّ الأمثل. إلا أن الأهل والأساتذة يؤمنون بأن الأشخاص الذين يفعلون أمراً بدافع داخلي يحتاجون إلى نسبة أقلّ من الحثّ والتشجيع ليتعلّموا.

ثمّة ثلاثة عوامل تؤثّر على درجة الدافع لدى الشخص: الكفاءة والاستقلاليّة والعلاقات. تشكّل هذه العوامل احتياجات أساسية للإنسان، سواءً تم الحصول عليها أو لا، ستؤثّر على دافع الشخص حتماً. تُعتبر الكفاءة حافزاً للشعور بالقدرة والنجاح، أما الاستقلالية فتعني أنك تسيطر على حياتك الخاصة وتتصرّف على طبيعتك. والعلاقات هي حاجة إنسانية إلى التفاعل مع الآخرين وتكوين روابط اجتماعية.

الثناء المناسب

يزرع الأهل الثقة بالنفس في نفوس أولادهم ويجعلونهم يعرفون قيمة أنفسهم من خلال الثناء المناسب، فيحمّلونهم المسؤولية وفقاً لعمر الولد ومرحلة نموّه، وأيضاً من خلال إظهار الحب غير المشروط والاهتمام. كل هذه الأمور مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحاجات الكفاءة والاستقلالية والعلاقات.

حين يسمع الولد ثناءً لأنه أبلى جيداً، تُلبّى حينها حاجته إلى الكفاءة. من المهم ألا نبالغ في الثناء أو ألا نقول إن الولد أبلى جيداً حين يكون من الواضح أنه أخفق. الولد الذي لا يكون متأكداً من أن الثناء حقيقي، سيواجه صعوبة أكبر في تلبية حاجة الكفاءة في المستقبل. عليك أن تكوني واضحة في مدح الولد وليس الفعل. مثلاً حين يأتي الولد ليريك رسماً، إن قلت له «أنت بارع في الرسم»، يزيد ذلك من ثقته بنفسه وبالتالي تُلبّى حاجة الكفاءة لديه، في حين أن عبارة «الرسمة جميلة» لن يكون لها التأثير نفسه.

تحمّل المسؤولية

لا بد من تحميل الأولاد مستويات معينة من المسؤولية. وقد تتراوح المسؤوليات بين الطلب إلى طفل المساعدة في حمل الأكياس أو السماح لطفل أكبر سناً بالعودة إلى المنزل سيراً على الأقدام برفقة أصدقائه، والسماح لمراهق باختيار لون غرفة نومه. إعطاء الولد فرصة الشعور بالسيطرة سيبني في داخله الثقة بالنفس، وبالتالي تلبّى حاجة الاستقلاية لديه.

الشعور بأنه محبوب

يحتاج الولد إلى الشعور بأنه محبوب لشخصه وليس لأفعاله، وتتعدد طرائق إظهار هذا الأمر له: السماع إلى ثرثرته، إمضاء الوقت سوياً، الأخذ برأيه، مسامحته على أخطائه، إعطائه النصائح. الولد الذي يشعر بأنه محبوب ينمو في داخله شعور قوي بالقيمة الذاتية، وبالتالي تلبّى حاجة العلاقات لديه.

يبدو أن الدافع لتحقيق الإنجازات ينبثق من الثقة بالنفس، أما الثقة بالنفس فلا تنبثق من تحقيق الإنجازات. حاول إدوارد ديسي وريتشارد ريان، اثنان من الشخصيات الرائدة في مجال نظرية الثقة بالنفس، أن يكتشفا إن كان تحقيق الأهداف يبني شعوراً بالقيمة الذاتية. إن كانت النظرية صحيحة، فلا بد من أن يكون الأشخاص الأكثر نجاحاً هم الأسعد على الإطلاق. في الواقع، اكتشف ديسي وريان أن الثقة بالنفس المبنية على الإنجازات تميل إلى أن تكون أكثر هشاشة. فالأشخاص الذين ينسبون تقديرهم لذاتهم إلى نجاحاتهم يحتاجون إلى المزيد من الطمأنينة ويقارنون أنفسهم مع الآخرين أكثر. والأولاد الذين يؤمنون بأن قيمتهم الذاتية تنبثق من الإنجازات التي حققوها وليس من شخصهم، فقد يتحولون في المستقبل إلى بالغين يعانون انعدام الأمان.

التحفيز الداخلي

في بعض الأحيان يحتاج الأولاد إلى شخص يقول لهم ماذا عليهم أن يفعلوا. هذا هو التحفيز الخارجي، ولكن من الممكن تحويله إلى تحفيز داخلي.

أجاب جميع الآباء في وقت من الأوقات عن سؤال أولادهم «لماذا عليّ أن أفعل هذا؟» بإجابة «لأنني أمرتك بذلك!». ولكن الولد الذي يرتّب غرفته لأنه طُلب منه ذلك قد يجد أنه يستمتع بوجوده داخل غرفة مرتبة ونظيفة، وبالتالي قد ينمو في داخله شعور بالإنجاز لأنه أتمّ إحدى المهام. مع الوقت، قد يجد نفسه شخصاً مرتباً، ويلبي حاجاته من حيث الاستقلالية (من خلال التصرف على طبيعته) من خلال تنظيف وترتيب كل ما يكون مسؤولاً عنه.

لا يزال هذا الأمر في خانة التحفيز الخارجي، فقلّة هم الذين يقدمون على تنظيف غرفتهم بدافع حب الفعل بحد ذاته، ولكن كلما أصبح ذلك داخلياً، تزيد نسبة الشعور بتلبية الحاجات الأساسية لدى الولد، وبالتالي تزيد القيمة الذاتية لديه.

كل الآباء الصالحين يريدون أن يكون أولادهم سعداء ويبذلون جهدهم لتحقيق ذلك. وتثبت نظرية تقرير المصير أن الأولاد الذين يلبون حاجاتهم من حيث الكفاءة والاستقلالية والعلاقات سيشعرون بالرضا عن نفسهم وبالتالي سيشعرون بالحافز ليطوروا أنفسهم ويكبروا وينجحوا.

back to top