«غرام وانتقام» لجو قديح على {مسرح الجميزة} في بيروت

نشر في 29-02-2016 | 00:00
آخر تحديث 29-02-2016 | 00:00
جرأة مدروسة ولعبة مسرحية غير تقليدية
منذ أدائه دور فيكونت دو فالمون عام 1993 ضمن ديبلوم الممثلة ميرنا مكرزل في معهد الفنون التابع للجامعة اللبنانية، علقت مسرحية Les liaisons dangereuses  في ذهن المخرج والممثل جو قديح، وقرر تقديمها على خشبة المسرح بعد اقتباسها من القصة التي تحمل الاسم نفسه للكاتب بيار شودرلو دي لاكلو (1782)، وها هو يحقق حلمه اليوم على خشبة مسرح االجميزة في بيروت.

على مدى ساعة وربع الساعة، يغوص المخرج جو قديح في عمق العلاقات الإنسانية التي تبقى هي هي على مرّ العصور والدليل أن المسرحية تحاكي الواقع اليوم مع انها كتبت منذ مئات السنين.

في أعماله، يعكس جو قديح الشارع اللبناني ويبرز تناقضاته، ويضع يده على الجرح الاجتماعي ويعرضه على المسرح كما هو من دون روتوش، وهو اليوم يدرج مسرحيته الجديدة ضمن هذا الخط من خلال معالجة العلاقات العاطفية وما تحمل من تعقيد وأسرار.

في مسرحيته الجديدة حافظ جو قديح على روح النص الأصلي  المتمحور حول الماركيز دو مرتوي (برناديت حديب) التي تريد الانتقام من الرجل الذي تركها، فتطلب من الفيكونت دو فيلمون (جو قديح)  إيقاع ابنة هذا الرجل سيسيل (باتريسيا سميرة) في غرامه التي يفترض أنها على وشك الزواج، من هذه النقطة بالذات تطل أحداث المسرحية كاشفة طبيعة العلاقات البشرية، وما يتداخل فيها من حب وكره وانتقام وإثم وتنتهي بالموت.

لأن القصة تعبّر عما يريد ان يقدّمه، ترجم قديح النص كما هو ولم يضف إليه وذلك بمساعدة كريستين صيّاح التي ساهمت في الإنتاج ايضاً.

جرأة ورسالة

 

 يمكن وصف المسرحية بالجريئة لكنها جرأة مقرونة بإيصال رسالة إلى المجتمع وليست بأي حال من الأحوال إثارة الغرائز.

رغم التعقيد الذي تتسم به القصة الاصلية، إلا أن جو قديح اعتمد حواراً  مبسطاً ولغة هادئة وواضحة، واختار الممثلين بعناية فنجح كل واحد منهم في أداء دوره وفي خدمة تركيبة المشاهد، وقد ساهمت الكوريغرافيا التي صممها مازن كيوان والموسيقى والرقص والديكور والثياب في كسر حدة الروتين واسر انتباه المشاهد طوال المسرحية، فضلا عن جمعه بين زمنين مختلفين (فرنسا القرن الثامن عشر وبيروت القرن الواحد والعشرين).

أبعاد وحرفية

أعطى قديح شخصية الفيكونت  التي جسّدها بمهارة كل أبعادها الغرائزية والانتقامية وحتى المحبة والمقاتلة بشراسة. بدورها  تقمصت برناديت حديب شخصية الماركيز بحرفية بالغة، فأظهرت  عقدها النفسية من دون ان تجعل المشاهد ينفر منها، فهي على المسرح ممثلة من دون ان تنسى أن المركيز إنسانة لها مكامن قوة وضعف، وعلى هذا الأساس تعاملت مع الشخصية، في محاولة منها ألا تظهرها بصورة الوحش الكاسر، فحسب، بل  ضحية تحاول الانتقام من جلادها. أدت صولانج تراك  باقتدار دور مدام دو تورفاي، السيدة النبيلة التي يوقعها الفيكونت في حبائل الخطيئة والخيانة، بعدما ينجح في إيقاعها في شباكه، وتكون النتيجة ندمها على فعلتها إلى درجة المرض، فيما أوقعته بدورها في الحب للمرة الأولى في حياته، ويعترف بذلك لحظة موته.

بدوره أدى برونو طبال دور رافاييل دانسيني العاشق والمستعدٌ لقتل كل من ينظر إلى خطيبته سيسيل.  وقد  أظهر مهارة في أدائه فهو يرقص ويغني ويغازل، ويحزن  ويقتل... بدورها أدت باتريسيا سميرة دور سيسيل الفتاة البريئة التي  يوقعها الفيكونت في غرامه، وقد تناغمت في أدائها مع الممثلين، وتفاعلت مع المواقف، فأضفى حضورها أجواء من البراءة وسط هذا الكم من مشاعر الكره والحقد والانتقام التي طبعت سلوكيات الفيكونت والماركيز...

راهن جو قديح على تذوّق الجمهور اللبناني المسرحيات التي تندرج ضمن نطاق الكلاسيكية، وقدم عملا يدور في متاهات العلاقات العاطفية بعيداً عن المسرح التقليدي. ويبدو أنه كرس كل طاقته لاقتباس نص قدم فيه تجربة جديدة من خلال الاستعانة بخمسة ممثلين على المسرح بعدما درج في مسرحياته الماضية على اعتماد مسرح الممثل الواحد...

  أدوار مناسبة

طالع قديح النسخ المقدمة من القصة الأصلية، ليرسم شخصيات لا تشبه في تفاصيلها العامة والدقيقة وأدائها تلك الموجودة في النصوص الأخرى، ونجح إلى حد بعيد في رسم هوية خاصة لها، فهي تحافظ  على الخط العام في المسرحية، لكن الممثلين يؤدون أدوارهم وفق مفهومهم للحب والخيانة وتفاعلهم معهما، واندماجهم مع لعبة جو قديح المسرحية التي عززها  بمتابعة المسرحيات والأفلام المستوحاة من هذه القصة، قبل الانتقال إلى رسم الشخصيات، لا سيما أن المسرحية جريئة، لكنه حرص على أن تكون جرأتها  مدروسة ليقينه بأن الجمهور أرقى من ان يتعامل مع المسرحية من منطلق غرائزي. في هذا السياق استعان جو قديح  بالسينوغرافيا ولعبة الضوء والموسيقى كرموز لتصوير العلاقة بين الفيكونت وعشيقتيه... فهو  يحرص على عدم خدش الحياء، وطور الأدوار لتلائم شخصيات الممثلين الذين يشاركونه المسرحية، خصوصاً أنه عمل مع معظمهم في  مسرحيات سابقة او تابع أعمالهم على المسرح، من هنا  اختياره الممثل المناسب للدور المناسب وفق معرفته المسبقة بالممثلين أو الاطلاع على مقدراته التمثيلية...

اللافت أن جو قديح أفرد دوراً ولو بسيطا للممثلة القديرة رنيه ديك التي عملت إلى جانب المسرحيين الكبار أمثال منير أبو دبس وجلال خوري وريمون جبارة وانظوان كرباج وغيرهم في تأسيس المسرح الحديث في لبنان وأدت اهم الأدوار.

كذلك راهن على باتريسيا نمور (23 عاماً) طالبة في معهد الفنون الجميلة لتؤدي دور الفتاة البريئة وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير.

يذكر أن قصة  Liaisons dangereuses  (غرام وانتقام)  قدّمت أكثر من سبع مرات على الشاشة، وأكثر من 11 مرة على المسرح ، وأكثر من ست مرات على شاشة التلفزيون، واليوم يقدمها جو قديح على المسرح  للمرة الأولى في لبنان والشرق الأوسط،  وهو يتحدى نفسه في أن تكون على قدر المستوى الذي تتمتع به القصة وجعلها تتنقل بين الأجيال وتتجدد في كل مرة تقدم فيها.

لجو قديح  مسرحيات عدة من إخراجه وتمثيله  من بينها: «حياة الجغل صعبة»، «أنا»، «فيلم سينما»، «لو جوكون»، و{الأشرفية»)...

back to top