أندريا ستوكو: إعادة تأهيل الدماغ ممكنة

نشر في 16-03-2016 | 00:00
آخر تحديث 16-03-2016 | 00:00
أندريا ستوكو بروفسور مساعد في جامعة واشنطن، حيث يشارك في إدارة مختبر التفاعلات المعرفية والقشرية. يتحدّث في المقابلة التالية عن التواصل بين الأدمغة، وتحديداً نقل المعلومات في ما بينها، والتقنيات الضرورية في هذا المجال، بالإضافة إلى النجاحات التي توصّل هو وزملاؤه إليها.

تعمل على التواصل بين الأدمغة. ولكن هل من الممكن حقاً أن يتلقّى إنسان أفكار إنسان آخر؟

لكل دماغ خصائص تميّزه. ومع أننا نستطيع بسهولة نسبية تحديد الاختلافات في تركيبته البنوية، يبقى توصيف الاختلافات في الوظائف بالغ الصعوبة. أضف إلى ذلك الاختلافات في التجارب. فقد تكون فكرتي عن الطيران مختلفة كل الاختلاف عن فكرتك عن الطيران، مثلاً. عندما تفكرين في الطيران، تخطر على بالك مجموعة تجارب مرتبطة به، وتتنافس لتحظى باهتمامك. لذلك، علينا بطريقة ما التخلّص من الاختلافات الفردية كافة لنتوصّل إلى العوامل الرئيسة المتشاركة.

يبدو هذا الأمر ممكناً رغم صعوبته. نجح باحثون آخرون في استعمال معلومات جُمعت من عدد من الناس لتقديم توقعات أساسية إنما ناجحة على نحو لافت بشأن ما يفكّر فيه الشخص الآخر.

لمَ نحتاج إلى نقل المعلومات بين الأدمغة؟

هدفنا تسجيل نشاط دماغ الإنسان باستخدام أساليب غير غازية مثل جهاز تخطيط كهربية الدماغ، الذي يشمل اعتمار طاسة من الأقطاب. يعمل برنامج كمبيوتر على تصفية ما يُعتبر مرتبطاً بنشاط الدماغ، ثم نعمل بعد ذلك على إعادة ابتكاره في دماغ إنسان آخر بالاستعانة بالتحفيز بالرنين المغناطيسي عبر الدماغ، علماً أن هذه تقنية غير غازية تولّد تياراً كهربائياً في الدماغ.

هل تعتقد أننا سنتوصّل يوماً إلى نقل مسائل غنية وشخصية كالذكريات والمشاعر بهذه الطريقة؟

إن طرحت هذا السؤال على عشرين عالماً، تحظين على الأرجح بعشرين جواباً مختلفاً. لكننا لا نملك جواباً يقيناً. نجح العلماء في تحديد أنماط من نشاط الدماغ ترتبط بأشياء معينة وأعدّوا قاعدة بيانات لهذه الأنماط. إلا أننا ما زلنا نجهل ما يختبره الدماغ فعلاً.

نأمل بأن يساعدنا التفاعل بين الأدمغة في التعمّق في هذه المسائل وفهم أسس المعرفة الإنسانية. فما يعنيه شعور الإنسان بالسعادة أو التفكير في الفطور؟ لا بد من أننا سنكوّن فكرة أفضل، عندما نحاول إعادة ابتكار هذه الحالات في أدمغة أناس آخرين.

أليس من الأسهل التواصل بالتحادث؟

نعم ولا. اللغة وسيلة معقدّة لتشاطر الأفكار. تتشارك أجزاء كثيرة في الدماغ في فهم مطلق كلمة قد يكون لها تعريف، إلا أن مغزاها يختلف باختلاف طريقة لفظها والإطار العام الذي ترد فيه.

لا أعتقد في الواقع أننا نستطيع تطوير تفاعل بين الأدمغة يعيد ابتكار الحوار الفكري الذي تولّده المحادثات الكلامية. لكن هذه المحادثات تتطلّب شخصين يجيدان اللغة عينها ويستطيعان الكلام أساساً. نتيجة لذلك، تبقى شفرة الدماغ أفضل طريقة للتواصل لأن كل إنسان يتمتّع بدماغ فاعل، ما لم يكن مصاباً أو غارقاً في غيبوبة عميقة.

تطبيقات

ما المجالات الأخرى التي يمكننا فيها الاستعانة بالتواصل بين الأدمغة؟

ثمة تطبيقات طبية محتملة. على سبيل المثال، نستطيع استخدام دماغ إنسان سليم لمعالجة بعض الحالات الطبية. ترتبط الكآبة، الفصام، وحالات أخرى كثيرة بتبدلات موضعية محدّدة في نشاط الدماغ. ويسعى الأطباء راهناً إلى تصحيح هذا النشاط المختل بالاستعانة بتحفيز الدماغ. ولكن يمكننا بدلاً من ذلك استخدام أنماط النشاط من دماغ سليم لتحفيز نشاط دماغ مريض يعاني اضطرابات مماثلة.

أتخيل اتباع مقاربة مماثلة في مساعدة مَن يعانون تلفاً في الدماغ جراء تعرّضهم لسكتة دماغية. عندما يحدث الضرر في أجزاء من الدماغ تتحكّم في الحركة، يُصاب الإنسان بإعاقات كبيرة. قد يخسر، مثلاً، القدرة على الإمساك بالأشياء أو البلع. لكن النشاط المسجَّل في دماغ سليم أثناء أداء هذه المهام قد يزوّد الدماغ المتضرر بنموذج يتّبعه، ما يسرّع عملية التعافي.

هل تخطر في بالك تطبيقات غير طبية؟

أحد التطبيقات المفضلة لديّ فكرة نقل المفاهيم التي يصعب شرحها بالكلام، مثل كيفية التحكّم في الحركة أو ما نشعر به. أستيقظ أحياناً في منتصف الليل عندما تراودني فكرة أعتقد أنها عظيمة، فأحاول تدوينها. ولكن بحلول الصباح، لا أفهم ما كتبته. هكذا، تتحوّل هذه الفكرة التي راودتني ليلاً إلى صورة مجزوءة عن فكرة ضاعت إلى الأبد لأن من الصعُب علي وصفها بالكلمات. لذلك، أتساءل دوماً: ماذا لو استطعتُ تسجيل نشاط دماغي لأعيده إلى البداية وأشاهده مجدداً؟ أود التمتع بقدرة مماثلة كي لا يضيع الجزء الأكبر من أفكاري وخواطري.

أتقصد بذلك أن تسجّل حالات دماغك لتعيشها مجدداً؟

لمَ لا؟ تشكّل واجهة التفاعل الدماغية طريقة فاعلة لتسجيل المعلومات وإعادتها إلى النظام البيولوجي. لا داعي لأن تربط هذه الواجهة بين دماغين مختلفين. على العكس، يساعدنا هذا الأمر في التخلّص من المشاكل كافة التي نواجهها في التغلب على الاختلافات الشخصية بين الناس.

تبدو هذه التطبيقات أقرب إلى الخيال العلمي. هل هي ممكنة؟

أناقش وزملائي أحياناً التطبيقات الممكنة، فنشعر بحماسة كبيرة. لكننا ندرك عموماً أن الخطوات الأولى التي علينا اتخاذها ما زالت بعيدة جداً عن هذه السيناريوهات الضخمة. أتواصل مع أطباء يعملون في مجال إعادة تأهيل الدماغ، وأعرض عليهم دوماً أفكاراً مماثلة لأعرف رأيهم بشأنها. صحيح أن بعضهم يشكّك في احتمال التوصل إلى هذه التطبيقات، إلا أن آخرين يتحمسون جداً ويودون اختبار هذه العلاجات اليوم. ولكن يكمن التحدي الأكبر راهناً في تسجيل هذا النوع من نشاط الدماغ وتحفيزه بوضوح كافٍ. فلم نبلغ هذه المرحلة بعد.

نجاحات

ماذا حققتم حتى اليوم؟

نجحنا أخيراً في جعل شخصين في مبنيين مختلفين يلعبان نسخةً من لعبة {العشرين سؤالاً} أحدهما مع الآخر بالاعتماد على أجهزة تواصل بين دماغيهما. حقّق المتطوعان نتائج جيدة مفاجئة، مختارَين الجواب الصحيح في 72% من الحالات.

كيف يلعب المتطوعون لعبة {العشرين سؤالاً}؟

يختار المتطوع الأول، الذي يعتمر طاسة لتخطيط كهربية الدماغ والذي يُدعى {المرسِل}، غرضاً من لائحة. وعلى المتطوع الثاني، أي {المتلقي}، التوصل إلى الغرض الذي اختاره بالاعتماد على أسئلة يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا تظهر على شاشة أمام  المرسِل.

عندما يرى المرسِل سؤالاً، يجيب بالنظر إلى زر {نعم} أو زر {لا}. ويترافق كل من هذين الزرين مع ضوء يومض بوتيرة مختلفة، ما يحفز النشاط في الجزء البصري من دماغ المرسِل. فنسجل هذا النشاط ونستخدمه لنبعث لاسلكياً برسالة نحوّلها إلى تحفيز مباشر لمراكز البصر في دماغ المتلقي من خلال التحفيز المغناطيسي عبر الدماغ. نتيجة لذلك، يشعر المتلقي باضطراب بصري معيّن يشير إلى الجواب {نعم} أو باضطراب مختلف يشير إلى الجواب {لا}. بهذه الطريقة، يُنقل الجواب {نعم} أو {لا} مباشرة إلى دماغ السائل. ويستمر المتطوعان على هذا النحو إلى أن يبقى غرض واحد على اللائحة.

يدعو البعض هذا الأمر {قراءة أفكار}. فهل توافقهم الرأي؟

كلا، ليس تماماً. طوّر فريقي خلال أعمالنا الباكرة جهازاً يستطيع تحديد متى يفكر الإنسان في تحريك يده قبل أن يأتي بأي حركة. وتُعتبر هذه القدرة على تحديد النوايا أقرب إلى قراءة الأفكار. ولكن في إطار لعبة {العشرين سؤالاً}، نكتفي بنقل معلومات بصرية بسيطة.

إذاً، ما الخطوة التالية؟

نعمل على تطوير واجهة التواصل بين الأدمغة لنتخطى مرحلة تجربة {العشرين سؤالاً}.

نود أن نتوصل إلى نقل معلومات أكثر تعقيداً من الأوامر البسيطة والمعلومات البصرية. ونعتقد أننا نستطيع بث معلومات تكون أقرب إلى مفاهيم.

بماذا تفكر؟

أفضل ألا أجيب عن هذا السؤال. لا أود أن أبدو كثير الريبة، ولكن ثمة مجموعات أخرى تعمل على ابتكارات مماثلة، ونتسابق معها في تطوير واجهة التواصل التالي. لذلك، علينا توخي الحذر.

back to top