نظرية المؤامرة والعنزة الطائرة

نشر في 29-01-2016
آخر تحديث 29-01-2016 | 00:01
 د. محمد لطفـي يؤمن بعض الكتّاب والمحللين السياسيين بنظرية المؤامرة ويعتمدونها في تحليلهم للمواقف السياسية والعلاقات الدولية، ورغم أن المؤامرات لا تنتهي ولا يمكن إنكارها دائما فإن الإفراط في استخدام نظرية المؤامرة، وتفسير كل الأحداث تبعا لها أمر لا يقبله العقل وخارج إطار الموضوعية.

 ومثالها ما كان يحدث في مصر في الستينيات وقت كان الصراع بين عبدالناصر والولايات المتحدة كبيرا جدا، فسيطرت نظرية المؤامرة على الجميع، وأصبح كل ما يحدث في مصر نتيجة تدخل المخابرات الأميركية، وصارت الـ"سي آي إيه" مسؤولة عن كل الأزمات والمشاكل التي يعانيها الشعب المصري من أزمة المواصلات للخلاف المصري السعودي، مرورا بمشاكل التموين والخلافات الزوجية!! كل شيء كان يتم تفسيره طبقا لنظرية المؤامرة.

واليوم يعيدنا البعض إلى الفكر ذاته، ويدعون أن كل ما يحدث في مصر وما تعانيه من مشاكل وخلافات وأزمات هو نتيجة للمؤامرات التي تحاك ضدها من الدول القريبة والبعيدة، ووصل الأمر بالبعض إلى أن المؤامرات تشارك فيها أجهزة داخلية أيضا، فتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الفساد مؤامرة ضد مصر، وما حدث في الجلسة الأولى للبرلمان جزء من مؤامرة... إلخ.

لا يمكن أن يصل الخيال بالبعض إلى هذه الدرجة، فهل يمكن أن يتآمر الشعب على نفسه؟! هل يمكن أن يتآمر العالم كله ضد بلد ما؟! وعذرا فلا يوجد بلد مهما كان دوره ومكانته يمكن أن يكون محورا لهذا الكون يشغل العالم كله نفسه به، وتكون كل الأحداث موجهة ضده كما ادعى البعض من رفع العقوبات عن إيران إلى تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات!

وإذا لم تكن نظرية المؤامرة مقبولة لهذه الدرجة، فلماذا يتم استخدامها والتمسك بها؟ والإجابة ببساطة لتكون وسيلة لتخويف الشعب وترهيبه ووضعه دائما تحت ضغط المؤامرة، ومن ثم يتم إصدار ما يراد من قوانين وتشريعات، ولو كانت مرفوضة شعبيا بدعوى أننا نواجه مؤامرة، وبلغة السنوات الأخيرة استخدمت نظرية المؤامرة "كفزاعة" للسيطرة على الشعب وحرمانه من حقوقه المشروعة.

من حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه، ويشرح أسبابه التي تدفعه للتمسك بهذا الرأي، فالاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية، ولكن الوقائع والحقائق لا يمكن الاختلاف حولها، فقد نختلف قي تفسيرها وأسبابها ونتائجها أما حقيقتها كواقع لا يمكن إنكارها، وعلى سبيل المثال جهاز علاج فيروس "سي" الذي أُعلن عنه في 2013 وأثبت الواقع والحقائق العلمية عدم وجوده لا يمكن أن يأتي الآن من يدّعي أنه موجود ويقول هذا رأيي!! عذرا فهذا ليس رأيا نختلف حوله، قد نختلف حول أسباب الإعلان عنه بهذا الأسلوب، ونتائج ذلك وتأثيره في المكانة العلمية لمصر، ولكن غير ذلك لا يمكن الاختلاف حوله، وقصة العنزة الطائرة خير مثال كذلك، فقد يختلف شخصان عن حقيقة شيء ما في السماء، ويستمر التباين في الرأي عندما يتحرك ثم يطير، ويصر أحدهما على أنه عنزة، وهذا رأيي... عذرا لا يمكن أن يكون طيران العنزة رأيا يمكن مناقشته والاختلاف بشأنه.

 للأسف هذا ما يحدث في المناقشات السياسية، فكم من عنزات طائرة فيها؟

back to top