ليوناردو دي كابريو في The Revenant: لطالما أحببت السينما الصامتة

نشر في 12-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 12-01-2016 | 00:01
لا شك في أن ليوناردو دي كابريو، الذي يقترب اليوم من ربع قرن على عرش التمثيل، يعيد تعريف النجومية، مبرهناً عن استعداد لتحدي نفسه لم يجرؤ عليه كثيرون من زملائه. تراه من الرومانسية والدراما إلى الفكاهة والخيال العلمي، يشعّ موهبة في التمثيل وتميزاً في الأداء. لم يسبق لهذا الممثل، الذي يتأرجح من دور إلى آخر على غرار طرزان في الغابة، أن أقدم على مخاطرة فنية وجسدية كبيرة بقدر ما نشهده مع فيلمه الأخير The Revenant. في هذه الملحمة المتوحشة عن النجاة والاستمرار، يؤدي دي كابريو دور هيوغ غلاس، وهو مرشد مغامر عاش فعلاً نحو عشرينيات القرن التاسع عشر وقد تركه مستكشفون من زملائه ليموت بعما هاجمه دب. ومع أن جراحه ما زالت مفتوحة وساقه مكسورة، يمتلئ غلاس الصامت تقريباً حقداً ويقرر مطاردة أعضاء البعثة الذين تخلوا عنه. ويصادف مرات عدة القبائل الهندية التي تسعى إلى الانتقام بدورها من مستوطنين أنزلوا بها الألم والعذاب. لكن اجتياز الأنهر المتجمدة والبراري القارسة الموحشة، وتناول اللحم النيء، ومواجهة المخاطر الجسدية لم تكن مجرد مشاهد صادمة في فيلم بل هي محن حقيقية واجهها دي كابريو خلال أدائه.

خلال دردشة معه عبر الهاتف، يوضح دي كابريو معاناته الحقيقية في سبيل الفن خلال تصويره هذا العمل طوال تسعة أشهر في براري كندا والأرجنتين الموحشة الباردة.

وُصف إنتاج فيلم The Revenant بأنه الأكثر صعوبة في تاريخ السينما. فقد وصلت الحرارة في بعض مواقع التصوير في جبال روكي الكندية إلى 40 تحت الصفر. فما فائدة المشاركة في مشروع صعب إلى هذا الحد؟

يجعلك هذا المشروع تدرك ما خاضه هؤلاء الرجال حقاً خلال حياتهم في بيئة قاسية. تفكر في مَن يعيشون من دون كهرباء، تدفئة، أو ماء حول العالم. ولا يمكنك أن تتذمر كثيراً وأنت تمثل قصة هيوغ غلاس، محاطاً بفريق كامل من أناس يحرصون على سلامتك وعلى بقائك دافئاً.

أعتقد أن إعداد الفيلم كان الأكثر صعوبة بالنسبة إلى كل العاملين فيه (فقد ذكر المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار السنة الماضية عن Birdman، أن الفيلم كاد يقتله).

كيف تنجح في الحفاظ على تركيزك على التمثيل في أماكن تتعرض فيها لظروف ضاغطة مماثلة؟

لم أدخل موقع تصوير منذ ذلك الحين. شكلت درجات الحرارة المتدنية والبرد القارس التحدي الأكبر الذي واجهناه. ناضل الجميع للبقاء دافئين، خصوصاً أننا اضطررنا إلى تمضية أيام كاملة في العراء. كان علينا التنبه من ألا تنخفض حرارة جسمنا كثيراً. كان هذا التحدي الأكبر.

لا شك في أنك واجهت تحدياً كبيراً في التمثيل أيضاً. فلم يسبق لك أن أديت دوراً خالياً من الحوار إلى هذا الحد. ما الذي جذبك إلى القبول بدور يعتمد على القوة التعبيرية في عينيك، وجهك، وحركاتك؟

لطالما أحببت السينما الصامتة. من المذهل دوماً تأمل الممثلين وهم يعملون من دون القدرة على التعبير بالكلام عن مشاعرهم. أديت أدواراً كثيرة تقدم حوارات طويلة ومعقدة، مثل ج. إدغار هوفر وهوارد هيوغز، وهي أدوار مفعمة بالحياة تعبر عن وجهات نظرها من خلال الكلام.

صحيح أن النص المكتوب كان مقتضباً، إلا أنني حاولت أن أقلل منه بعد. أردت تقديم أداء شبه صامت لأن هيوغ غلاس (الذي نحر الدب عنقه خلال الهجوم) ما كان يفتح فمه إلا ليتفوه بما له معنى وقصد. كان شخصية اضطرت إلى الاختفاء في برية قاسية بغية النجاة والاستمرار. لذلك لم يحتج إلى الكلام إلا نادراً.

أحد الأسباب الرئيسة التي دفعتني إلى القبول بهذا العمل، إلى جانب التعاون مع أليخاندرو، محاولة تقديم أداء تفاعلي يستند إلى ردود الفعل الغريزية تجاه البيئة المحيطة. إلا أن هذا الأمر تطلّب الكثير من الاستعداد المسبق (مثل تعلم حشو بندقية قديمة وإطلاق النار منها). ولكن ما إن وصلنا إلى موقع التصوير، كان علينا نسيان ذلك كله والانطلاق من اللحظة.

وضع فريدريك مانفرد كتابه Lord Grizzly عن غلاس نحو عام 1954. وقد شملت أبحاثه الزحف فعلياً لكيلومترات كرجل جريح. فما كانت عملية البحث التي اتبعتها لتنجح في تجسيد هذه الشخصية؟

صحيح أن الفيلم يستند إلى رواية عن غلاس (السيرة الذاتية التي وضعها مايكل بانك عام 2002 بعنوان The Revenant)، إلا أننا لا نملك الكثير من التفاصيل التاريخية عما حدث فعلاً. لذلك اعتبرتها قصة انتصار كثيرة لأحد الرواد الأميركيين.

عكست هذه القصة ما كانت عليه أميركا الجديدة في تلك الحقبة وما كان على الإنسان بذله لا ليستمر في الطبيعة فحسب، بل ليهزمها أيضاً. إذاً، مثلت هذه القصة من أوجه كثيرة فكرة ما قبل الحقبة الصناعية عن قدرة الإنسان على مواجهة الطبيعة.

تمحور الفيلم بالنسبة إلي حول التوصل إلى نوع من الشعور مع أليخاندرو عما تعنيه المثابرة، الاستمرار، والسعي إلى تحقيق أهدافك في الحياة، من دون أن ننسى الانتقام. فإن اتبعت مساراً مماثلاً، فهل تزداد شراسة في الدفاع عن بقائك ووجودك؟ هذا ما أردنا استكشافه. القصة واضحة ومباشرة، وكان علينا أن نعمل لنضيف إليها كل تلك الجمالات التي قدمتها لنا الطبيعة خلال رحلتنا.

حتى ملحمة تاريخية كهذه تعكس بطريقة ما الزمن الذي دارت فيه. فما الرابط في رأيك بين هذه الأرض الذي غاب عنها حكم القانون وعالمنا اليوم؟

أعتقد أن الرابط بينهما كبير لأن كل ما يحتوي عليه الفيلم يعكس ما اكتشفناه خلال عملية إعداده. يُظهر محور ترويض الإنسان الطبيعة في رأيي تلك الحقبة من تاريخ الولايات المتحدة حين كان الإنسان يستكشف منطقة جديدة. فقبل أن يقرر (الرئيس جيمس) بولك شنّ الحرب المكسيكية والاستيلاء على مقاطعة أوريغون، كانت أرضاً غاب عنها القانون، تواجه عمليات الاستغلال الأولى لمواردها الطبيعية بقتل حيواناتها وإرسال فروها الباهظ الثمن إلى أوروبا. إذاً، مثلت هذه موجة الرأسمالية الأميركية الأولى في الغرب. أما خلفية الفيلم، فتركّز إلى حد كبير على الشعوب الأصلية التي عاشت هناك، على الأميركيين الأصليين الذين هُجروا وضاعت ثقافتهم. نعم، لقد تعرض شعب كامل لإبادة في تلك المرحلة.

نعتقد أننا صرنا اليوم أكثر تطوراً، وأننا نستطيع التعلم من التاريخ. ولكن عندما نتأمل ما يدور حول العالم، مع استغلال الموارد الطبيعية من النفط والمناجم إلى سدود الطاقة الكهرومائية وقطع الغابات المطيرة، ندرك أننا ما زلنا نقترف الأخطاء عينها. إذاً، تكرر هذه القصة نفسها، وهي تحمل لنا الكثير من المعاني المهمة اليوم.

back to top