نوال السعداوي: الزواج يعطّل المرأة المبدعة والكتابة خلاص من الجهل

نشر في 15-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 15-04-2016 | 00:01
No Image Caption
الحوار مع د. نوال السعداوي أشبه بالسير على فوهة بركان يتأهّب للانفجار في كل لحظة. خاضت عبر سنوات عمرها حروباً كثيرة ضد القهر والتمييز، وترجمت كتبها إلى أكثر من ثلاثين لغة. كتاباتها صادمة وآراؤها تثير الخلافات والاختلافات، ولا تزال تواصل حواراتها وحربها في أمور يعتبرها البعض تابوهات في السياسة والزواج والدين.

 مارست الطب بجانب الأدب، وترى أنهما يسيران في طريق واحد ولا ينفصلان. سجنت لكنها ناضلت وواصلت التحدي. في الحوار التالي نقترب أكثر من عالم نوال السعداوي ونتعرّف إلى الوجه الآخر في حياتها ودافعها نحو آرائها المربكة غالباً التي تجني منها هجوماً ومشاكل.

ما الهاجس الذي يحرك قلمك... وما هي غاية الكتابة لديك؟

الكتابة لدي أمر طبيعي مثل التنفس، خصوصاً أن كتاباتي لا تتضمّن تنازلات لأي شخص. أقول رأيي ضد أية سلطات سياسية ودينية سائدة، وضد الاستبداد والاستعمار في الخارج والداخل، وضد القوانين الطبقية الأبوية في مصر، من بينها قانون الزواج والعمل، وضد النظام السياسي بأكمله.

أما غاية الكتابة عندي فهي الحياة والتعبير عن النفس والإحساس بسعادة الإبداع، من ثم تغيير الثوابت والقوالب الجامدة.

تتميزين في كتاباتك بوجهة نظر جريئة وصادمة غالباً. من أين جاءتك هذه الروح المتمردة، وهل أنت سعيدة بما تحدثه آراؤك من صدمة وإرباك في المجتمع؟

شعرت منذ الطفولة أنني غير راضية عن نظام أسرتي والقرية التي أسكنها، وعن المدينة والمدرسة، وعن أساتذتي في كلية الطب وعن النظام التعليمي والطبي. حتى بعد التخرج، كنت ضد المهنة كما تمارس ورأيتها تجارية.

لا أنتمي إلى أية مؤسسة أو سلطة، بل إلى عقلي فحسب. ورثت هذه الروح عن والدي الذي كان شخصاً واسع الأفق رغم دراسته الأزهرية، فكان يطلب مني التمرّد على الطاعة المطلقة، ومناقشته ومناقشة أستاذي، وكان يقول لي إن الطاعة رذيلة لا فضيلة. وتماثله أمي التي كانت شخصية ثائرة، وأنا ورثت منها الاعتداد المطلق بالنفس، فلم أقبل يوماً أن يفرض عليّ شخص ما لا أحبه، أو أن يتدخل في شؤوني أو يقيد حريتي.

تجربتك ككاتبة بالإضافة إلى عملك كطبيبة. هذه العلاقة الديالكتيكية بين طرفيّ شخصيتك، هل تؤثر بشكل أو آخر عليك؟

 الطب والأدب لا ينفصلان، العلم والفن لا ينفصلان. الفواصل نظرية فحسب، أما في الحياة الحقيقية فلا فاصل بين الجسد والعقل والروح أو السماء والأرض أو الذكر والأنثى... إلخ. أكتب بعقلي وجسدي وروحي في كيان واحد. الإبداع عودة إلى الطفولة الأولى والكيان الكلي، وهذا سر لذته وإمتاعه.

هل كتاباتك نتاج معاناتك وانعكاس لعقد أثرت في شخصيتك؟

يجسد الأدب كل ما في حياة الأديب أو الأديبة، وليس المعاناة والصراعات فحسب. لا تكتفي الكتابة بتخفيف المعاناة، بل تشيع السعادة في الجسد والعقل والروح.

أنت إحدى أبرز ممثلات المحاولات النسائية الجريئة في معالجة الواقع ومتابعة اختلاف القيم وتياراتها المضادّة... إلى أيّة درجة تكونين حرّة عند الكتابة؟

حاولت منذ البداية أن أثبت نفسي في ظل ظروف صعبة مررت بها، فلم أتأثر بمحاولات تهميشي وتجاهلي والتطاول عليّ، بل اعترضت على من حاولوا السيطرة عليّ، ونجحت في تكسير قيود عامة وخاصة كثيرة. لا أعترف بالمستحيل، وعندما كنت طالبة في كلية الطب كنت إذ أقول لزملائي إنني سأصير كاتبة أشهر من طه حسين يضحكون، وها أنا اليوم تترجم كتبي إلى 30 لغة، وهي خطوة لم يحققها أي كاتب عربي بعد. وصلت إلى درجة من الحرية، ليس في الكتابة فحسب، ولكن في حياتي الخاصة والعامة. الحرية إرادة تنمو بنمو الوعي والإدراك.

المرأة والغرب... والثورات

لماذا يقل عدد المُبدعات عبر التّاريخِ، رغم كل دعوات التحرّر؟ وهل الزّواجُ مقبرة المرأة المُبدعة؟

يعطّل الزواج المرأة المبدعة لا شك، إلا إذا كان الزوج متحرراً وواثقاً بنفسه مستقلاً. والمشكلة تاريخية منذ تأثيم حواء لأنها امتلكت العقل والمعرفة. وحين تبدع المرأة بحريتها الكاملة تتفوق على نفسها وليس على الرجل فحسب، وهو أمر يحتاج إلى جهود سياسية جماعية لكسر القيود التاريخية، خصوصاً الدينية التي تفرق بين الرجل والمرأة وتفرض قيوداً مادية ومعنوية على الجميع، لا سيما النساء.

هل تؤمنين بالكتابة كوسيلة للتطهير؟

تغيّر الكتابة العقول، وبالتالي تغيّر المجتمع وتكسر الأغلال. الكتابة ليست فحسب وسيلة للخلاص، أو ما يسمى وسيلة تطهيرية للفرد، بل تحرّر المجتمع الأمي وغير الأمي، فمن يقرأ يتحدّث عما يقرأ مع من لا يقرأ. من هنا، تنتشر المعرفة شفاهة بطرق غير القراءة.

يقولون إن الغرب يحبّ التلصص على المرأة العربية تحديداً، وكيفية تعاملها مع واقعها وزوجها. هل تغازلين العالم الغربي عبر كتاباتك، خصوصاً في وصفك المرأة بالشكل الذي يعجب الغربيين؟

من الأفضل العودة إلى كتبي وقراءتها للرد على من يتهمونني بهذه التهمة. مثلاً، أدين في كتابي «الوجه العاري للمرأة العربية» قهر المرأة في الحضارات كافة، فليست الثقافة العربية وحدها من تعاملت مع المرأة كسلعة أو عبدة، ولكن الثقافة الغربية والمسيحية أيضاً فعلت ذلك، بل إن قهرها للمرأة كان أشد وأفدح. كذلك لا يرجع اضطهاد المرأة إلى الشرق أو الغرب أو الإسلام أو الأديان، بل إلى النظم الطبقية الأبوية في المجتمع البشري كله.

ألم تفكري يوماً في أنك تسببين قلقاً أو صداعاً لأفراد عائلتك، وهل طاولت وجهات نظرك أو اختياراتك أياً منهم؟

أفراد عائلتي البيولوجية سعداء بإبداعهم المستقل الخلاق، وأنا فخورة بابنتي الكاتبة الشاعرة وابني المخرج السينمائي المبدع، وتربطنا علاقة محبة وتقدير كبير. أما عائلتي غير البيولوجية فهي الملايين داخل الوطن وخارجه، الذين قرأوا أعمالي وغيّرت حياتهم إلى الأفضل كما يعبرون لي في رسائلهم الإلكترونية، أو في اللقاءات المستمرة مع الشباب.

لماذا تثيرين دائماً حولك عواصف من الجدل كلما تكلّمت أو أذيع لك برنامج أو حديث صحافي أو نشر لك كتاب؟ وهل أنت سعيدة بما تحدثه آراؤك من صدمات؟

يصوّر الخمول العقلي العام والخاص أي فكرة جديدة على أنها صدمة، وأنا أتكلّم بالمنطق البسيط أو بالبديهيات. لكن العقول أصبحت عمياء عن البديهيات، بسبب الخوف والتدين الزائف. تحتاج السلطة إلى المثقف كي ينفذ أوامرها وأفكارها ويساعدها في التسلط وتكافئه على ذلك مادياً وأدبياً. ويحتاج المثقف إلى السلطة كي تحميه ويأمن شرها وغدرها. لكن المبدع شيء آخر. الإبداع يساعد الإنسان على الاستغناء، الإبداع يغيّر حاجات الإنسان فيكتفي بما لا يكتفي به الآخرون ويشعر بالحرية من القيود التي ترعبهم.

حدثت انهيارات كبيرة على مستوى العالم أصاب جزء منها عالمنا العربي على صعيد المفاهيم في الفكر الثقافي والسياسي. هل تظنين أن الوضع سيستمر طويلاً؟

يتقدّم الفكر الثقافي والسياسي في بلادنا والعالم رغم العقبات كافة، وسيتقدم أكثر. تحدث الانهيارات دائماً في كل عصر وتتبعها ازدهارات، والتفاؤل قوة. هنا أؤكد أن لا أحد يشقى بعقله إلا الأغبياء، وأنا أعتزّ بعقلي. وبعد ثورات الربيع العربي ستكون الأحوال أفضل. هذه رؤيتي وأتمنى أن تتحقق.

back to top