كيف يتجنّب النجوم التكرار ويحقّقون التميّز؟

منذ خطواته الأولى في مجال التمثيل، تعرض على الفنان أدوار كثيرة قد لا تلائم جميعها شخصيته وإمكاناته الفنية، هنا يؤدي حسن الاختيار والدقة دوراً في بناء المسيرة الفنية على أسس ثابتة وقوية.

قد يقول قائل إن الجمهور معيار نجاح الفنان، إذ قد يعجب بشخصية ما فيضطر الفنان إلى تكرارها في أعمال أخرى لضمان هذه الجماهيرية، بالتالي يغتنم المنتج هذه الفرصة ويحصر الفنان في الشخصية ذاتها، وهكذا. لكن  عندما يصل الفنان إلى مرحلة من النضج بعد سنوات من الخبرة يصبح بإمكانه فرض الشخصية التي يريدها وإقناع الجمهور بها وبضرورة التنويع بين عمل وآخر.  

«الجريدة} استطلعت آراء مجموعة من النجوم حول كيفية ابتعادهم عن تكرار أنفسهم درامياً في الشخصية أو الأداء، ومعايير التميز بالنسبة إليهم.

                                                         بحث عن المختلف ودقة في الخيارات  

صلاح الملا

{من الأهمية بمكان عدم تكرار الممثل ذاته} يؤكد الفنان صلاح الملا، موضحاً أن على كل فنان اختيار أعمال ذات أبعاد وشخصيات مختلفة عمّا قدم في أعماله السابقة.

يضيف: {ليحقق الفنان التغيير لا بد من أن يتمتع بموهبة فنية وإمكانات عالية في تجسيد الشخصيات التي تسند إليه، وعند قراءة النص لا بد من أن يدرس أبعاد الشخصية نفسياً واجتماعياً ومدى ملاءمتها مع الواقع من حوله في المجتمع، واستنباط نماذج عايشها في حياته}.

يتابع: {من الصعب التحول في الشخصيات إذا كان الفنان قدم أكثر من عمل خلال فترة زمنية واحدة، وهنا يبرز التكرار. يحتاج الممثل دوماً إلى عين المخرج الذي يقع على عاتقه تمكين الممثل للتعمق في الشخصية والوصول إلى أبعادها، ومدى وعيه لفهم عقلية المخرج وقراءة النص بشكل علمي وفني ومهني وليس سطحياً}.

حول معايير التميز من وجهة نظره يقول: {لا بد من توافر الموهبة، كما ذكرت، والنص والشخصية المناسبة للفنان، بالإضافة إلى المخرج المميز، فهي أضلاع متكاملة: ممثل ومخرج ومؤلف ومنتج قادر على توفير الإمكانات لنجاح العمل}.

أحمد جوهر

{كي أتميز لا بد من أن أبحث عما هو مميز} يوضح الفنان القدير أحمد جوهر، لافتاً إلى أن ذلك يتحقق من خلال البحث والدقة في الخيارات الفنية، وليس لمبدأ تكثيف الظهور الفني للجمهور.

يضيف: { تؤدي الخبرة الطويلة من خلال تاريخ فني حافل بالعطاء دوراً في هذا المجال، فضلا عن الوعي في اختيار الأدوار التي يقدمها الفنان لجمهوره. ولكن للأسف وقع كثر من رواد الفن في فخ التكرار لأدوارهم، بعدما وصلوا إلى النجومية المطلقة وفشلوا في البحث وتقديم ما هو جديد ومميز}.

يتابع: {النجاح الذي حققه هؤلاء النجوم خلال هذا المشوار الفني يلقي على عاتقهم مسؤولية من ناحية الخيارات ذات القيمة الفنية والتنوع في الأدوار}.

سماح

{الإطلاع والثقافة والقراءة من أهم العناصر لدى الفنان}، تؤكد الفنانة الشابة سماح، مشيرة إلى أن هذه العناصر بمثابة نماذج للاختيار من بين أفضل الشخصيات والتنوع من خلالها، لأنها حتماً ستكون من صميم المجتمع، والبحث عن المختلف عبر تلك الشخصيات بدوافعها ومشاكلها، بهذه الطريقة لا  يكرر الفنان نفسه.

تضيف: {بالقراءة تُطبع في الذاكرة صور يستحضرها الفنان في مشاهد تمثيلية يجسدها، وهنا يبدو التغيير في الأداء وطبيعة الحركة للشخصية، انطلاقاً مما احتفظ به في عقله الباطن من بكاء وحزن أو سعادة، وأحاسيس شعر بها  لدى قراءة تفاصيل شخصية ما في كتاب أو لدى متابعته عملاً فنياً}.   

تتابع: {التنوع في الأدوار الفنية يتمّ من خلال المعايشة التي أشعر بها لدى وقوفي على خشبة المسرح وبحثي في أعماق الشخصية، فالفنان يعيش حالة من الجنون باستحضار مشاعره الفنية في وقتها المناسب}.

                                                                    النوعية لا الكميّة

ورد الخال

{يعود غيابي عن الأعمال الدرامية، في فترات معينة، إلى رفضي تكرار نفسي وبحثي الدائم عن الجديد والمختلف، وحرصي على الإطلالة بشخصيات جديدة»، تؤكد ورد الخال لافتة إلى أنها جمعت بين التراجيديا والكوميديا في الشخصيات التي جسدتها.

 تضيف: «أشعر بالقدرة على تقديم أداء متفاعل سواء في الكوميديا أو الدراما أكثر مما قدّمت لغاية اليوم، وانتظر النصوص والأدوار الصعبة التي أتحدى من خلالها نفسي أكثر».

حول الشخصيات المتعددة للمرأة التي جسدتها في نصوص منى طايع ولم تقع من خلالها في فخ التقليد والتكرار توضح: «أحبّ المرأة القويّة وأحب كيفية كتابة طايع لهذه المرأة بوجوهها المختلفة وإعطائها بعداً وعمقاً، فتكون الأدوار كافة مُغرية لدى الممثل، كونها تثير فضوله وتجعله يحتار أياً منها يختار ولا يشبه أي منها الآخر».   

حول مواضيع الأعمال الدرامية المتشابهة تتابع: «صحيح لكنها تتميّز وفق روحية الكاتب وأسلوبه وحواره، إنما يجب أن تتوافر عناصر أخرى أيضاً، أي الطاقم الجيّد والمخرج المبدع، لأن لا قيمة للقصة الجميلة من دون ممثلين جيّدين ومخرج قادر على التعبير عن روحية الورق، وتقديم صورة لها أبعادها التقنية والجمالية المختلفة».

نهلة داود

{نجحت في تقديم شخصية المرأة الشريرة والمتسلطة وتميزت في أدوار الطيبة والخير والحب}، توضح نهلة داود مشيرة إلى أن ما من ممثل إلا ويسعى إلى التنويع وعدم تكرار نفسه، كي لا يقع في الرتابة، واضعاً نصب عينيه الهدف والتحدي.

تضيف: {ثمة ممثلون طُبعوا بشخصية معيّنة في ذاكرة الناس، رغم التنوع الذي حققوه في مسيرتهم، علماً أن الممثل الذي ينوّع في أدواره وشخصياته، يعيش همّاً كلما عرضت عليه شخصية جديدة ولا يفكّر بأعماله السابقة}.

حول الشخصية الكوميدية التي قدمتها في مسلسل {سمرا} تتابع: {لا بدّ من تقديم شخصية كوميدية لينسى الجمهور الشخصيات القاسية التي قدمتها سابقاً. لذلك تنوّعت شخصيتي في {سمرا} بين التراجيديا والكوميديا الخفيفة.

حول بحثها الدائم عن أدوار غير نمطية تقول: {أنوّع أحياناً في هذا الإطار، وأحاول تأطير أدواري وإضافة بعض الزركشات إليها، لكنني أشعر بأنني أريد أدواراً أخرى بعد، إنها طبيعة الممثل الذي يطمع دائماً بالمزيد}.

دارين حمزة

{أرفض تكرار نفسي ولا اهتمّ بكمية الأدوار التي أقدمها بقدر نوعيتها ومضمونها والجديد الذي أطلّ به على المشاهد من خلالها}، توضح دارين حمزة التي تعتبر إحدى أكثر الممثلات اللواتي نوّعن في أدوارهن.  

تضيف: {أدائي أدواراً مركبّة وأخرى بسيطة وتجسيدي لشخصيات كوميدية وتراجيدية، ذلك كله نتاج طبيعي نظراً إلى تخصصي في التمثيل والإخراج ولست دخيلة على المهنة.

تتابع:} صحيح أن الموهبة هي الأساس إنما تحتاج إلى احتراف وتخصص، لذا نتميّز كممثلين متخصصين بإلمامنا بتفاصيل التمثيل، وكيفية تكوين الشخصيات والتقنيات على عكس الآخرين}. تلفت إلى أنها بلغت مرحلة من الحرفية والخبرة بحيث أصبح تكوين الشخصيات أمراً سهلاً بالنسبة إليها، فتحوّلت مهنتها إلى متعة إضافة إلى شغفها فيها.

تؤكّد أن رفضها التكرار وبحثها عن الجديد يخولانها المشاركة أحياناً كضيفة وأحياناً أخرى في دور صغير أو ثانوي: {إذا أحببت الدور وكان مميزاً وجديداً وفيه نفحة إنسانية معينة، أؤديه بغض النظر عما إذا كان دور بطولة أو ثانوياً أو كضيفة. فإذا عُرضت علي البطولة في عمل ما وأحببت دوراً ثانوياً فيه، أرفض البطولة وأختار ما أعجبني بكل بساطة}.

                                                                 اللمسة الخاصة والسيناريو

يمكن للفنان  تجنب تكرار نفسه عبر ضوابط عدة، برأي حسن الرداد،  أولها عدم الاستعجال أو الاستسهال في اختيار العمل، فضلاً عن قراءة كل ما يعرض عليه من سيناريوهات بحثاً عن دور مميز.

يضيف: «في حال وجد الفنان نفسه أمام دور سبق له تقديمه من ناحية الشكل الخارجي، سواء كان بتشابه المهنة أو المرحلة التاريخية مثلاً، فلا بد من أن يسعى، بالتنسيق مع المخرج وفريق العمل، إلى إضفاء لمسات خاصة لابتكار تجديد وعدم التكرار، مثل استحداث لزمات في الحوار أو تغيير في طريقة الحركة، أو تعديل في الماكياج والشكل».

 يشير إلى أن الجمهور قادر على التمييز بين عمل فني بُذل فيه مزيد من الجهد وعكف فيه السيناريست على كتابة حبكة درامية متميزة، وبين آخر سهل وسطحي، مؤكداً ضرورة عدم الاستسلام للإحباط وتكرار الأدوار نفسها على الشاشة، لأن الخاسر الأكبر في هذه الحالة سيكون الفنان نفسه.

تنويع

تلفت نسرين أمين إلى أن التميز وعدم التكرار في الأدوار يجب أن يكونا من أبرز المبادئ التي يعتنقها الممثل منذ انطلاقته في الفن، كي لا يصاب بتشبع فني على المستوى الشخصي، وكي لا يعتاد الجمهور على  تجسيده شخصية معينة، موضحة أن منتجين ومخرجين كثراً يتمسكون بأداء ممثلين بعينهم أدواراً معينة، ولا يمكنهم الخروج منها بسبب تكرارهم الظهور فيها.

تضيف أن الفنان الذي  يهدف إلى التميز وترك أعمال تضاف إلى تاريخه، لا بد من أن ينوع بين الأدوار التي يقدمها، سواء على شاشة السينما أو التلفزيون، ويختار أدواراً تحدث نوعاً من المفاجأة لدى الجمهور، ذلك أن الأدوار السهلة تحقق نجاحاً مؤقتاً بعيداً عن أي تميّز، وعلى الفنان أن يختار طريقه.

 أما داليا البحيري فتعتبر أن بناء شخصية فنية متميزة إحدى أصعب الأمور في المسيرة المهنية للفنان، لا سيما أنها تأتي بعد مرحلة نضج يصل إليها، كي لا يتخبط بين الأدوار ويكون من الصعب عليه حفر ملامح شخصيته.

تضيف أن الفنان الذي تخطفه أجواء العمل ولا ينتبه إلى ضرورة أن تكون له بصمة خاصة من دون تكرار أعماله، سيدخل سريعاً دوامة النسيان الفني، ويصبح مجرد مشارك في الساحة وليس فنانا متميزاً. من هنا تفرّق بين البصمة المتميزة والحصر في أدوار معينة، مؤكدة أن البصمة تعني الأسلوب وليس الشخصية الثابتة.

جهد

تضع إيمان العاصي السيناريو المميز، في الدرجة الأولى، كي يتفرد الفنان  ولا يكرر أدواره على الساحة، موضحة أنه لا يوجد تميز من دون جهد وشقاء في اختيار العمل المناسب وإضفاء صفات خاصة داخل العمل، لضمان عدم تكراره مع شخصيات أخرى سبق تقديمها من خلال فنانين آخرين، أو من خلال الممثل نفسه.

تضيف أن إصرار الفنان على اختيار المميز من الأعمال يؤدي إلى البقاء والاستمرار وتحقيق جماهيرية للعمل والممثل على حد السواء، وهو أمر يكتسبه الفنان عبر سنوات الخبرة ويزداد بالثقة التي يضعها الجمهور فيه.

بدورها تعتبر لقاء سويدان أن تميز الفنان، يرتبط بنوعية الأعمال التي يشارك فيها، وليس بسنوات العمل فحسب.

 تضيف: «ثمة فنانون يعملون منذ سنوات طويلة، لكنهم يكررون أنفسهم في الأدوار ذاتها، وبالتالي لا يمكن اعتبار ذلك تميزاً»، لافتة إلى أن معيار العمل وتنوع الأدوار من أبرز الأسس لتقييم العمل المتميز، فضلا عن التأني وعدم الاستعجال، {لذا أتردد في قبول بعض الأعمال كي أظهر أمام الجمهور في صورة أرضى عنها، وبعيدة عن التكرار». وتشير إلى أن لعدم التكرار وبذل جهد في سبيل ذلك، مهما كان شاقاً في البداية، مردوداً يتمثل في الاستقبال الجيد للعمل وتقدير المشقة والتعب.