ريجيني و«الداخلية» والعبارة السحرية (2)

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 00:01
 د. محمد لطفـي يقول المثل الشعبي «الكذب مالوش رجلين»، ويقول العرب «الصدق أقصر الطرق للوصول للحقيقة»، لذلك على الجانب المصري أن يراجع موقفه بسرعة بشأن قضية ريجيني ويقرر الالتزام التام بكشف الحقيقة وتقديم المتهم الفعلي للمحاكمة، فكرامة مصر ومكانتها أكبر بكثير من أي فرد هنا أو هناك مهما كانت رتبته أو وظيفته.

من الطبيعي أن يشعر الكاتب بالفرح إذا صدق توقعه وثبت صواب رأيه، خاصة إذا كانت هناك آراء مختلفة حول الموضوع ذاته الذي يتحدث فيه، ولكن هذا الفرح يشوبه الكثير من الحزن إذا كان التوقع، في الأساس، أمرا سيئا لا يتمناه الكاتب، تماما كأن يتوقع مدرس مثلا لطالبه الرسوب لأنه لا يذاكر جيدا ولا يهتم بدروسه فإن جاءت النتيجة رسوبا فعلا فهل يفرح المعلم لصدق توقعه؟ أم يحزن لرسوب طالبه؟!

سبق أن كتبت حول حادثة الطالب الإيطالي ريجيني، وذكرت باختصار أن المبرر الهلامي والعبارة السحرية التي يستخدمها النظام لتبرير الحادثة، والتي اعتاد ترديدها لإسكات المعارضة عند المطالبة بوقف الاعتقال العشوائي والتعذيب في السجون "المهم خلصنا من الإخوان... علشان منبقاش زي سورية وليبيا"، هذه العبارة لن تقنع الرأي العام الإيطالي وأسرة ريجيني، وأنه يجب كشف الحقيقة بكل وضوح وشفافية كي يحترمنا العالم، ولكن للأسف أصر الجانب المصري على السير في طريقه القديم نفسه، وبالغ في عناده ورفضه لكشف الحقيقة، واستغل الزيارة التاريخية للملك سلمان في التغطية على معرفة الرأي العام لحقيقة ما دار في إيطاليا في أسلوب أشبه بخداع إعلام السبعينيات كما نتذكر جميعا، بل أراد أن يحول القضية برمتها إلى اعتداء على سيادة مصر وكرامتها وقضائها!! لكن الحقيقة أن فساد ضابط مهما كانت رتبته وفشل وزارة مهما كانت أهميتها لا ينسحبان على كرامة الوطن وشرفه الذي هو فوق الجميع أو هكذا يجب أن يكون.

ما عرضه الوفد المصري لم يلق قبولا عند الجانب الإيطالي، وكما ذكرت وكالات الأنباء فقد تم رفضه تماما، خصوصاً أنهم شعروا أن الجانب المصري يهين ذكاءهم (كما ذكروا) وأنه يتعمد استغلال عامل الوقت، فقدم أكثر من 3000 صفحة من التحقيقات بالعامية المصرية، تستدعي ترجمة خاصة ووقتا طويلا للانتهاء منها، بالإضافة إلى عدم وجود الكثير مما طلبه الجانب الإيطالي كسجل مكالمات ريجيني، والبيانات الخاصة به على حاسوبه الشخصي، وتفسير وجود متعلقاته مع زوجة رئيس عصابة قتل الأجانب التي أُعلن عنها... إلخ.

يقول المثل الشعبي "الكذب مالوش رجلين"، ويقول العرب "الصدق أقصر الطرق للوصول للحقيقة"، لذلك على الجانب المصري أن يراجع موقفه بسرعة ويقرر الالتزام التام بكشف الحقيقة وتقديم المتهم الفعلي للمحاكمة، فكرامة مصر ومكانتها أكبر بكثير من أي فرد هنا أو هناك مهما كانت رتبته أو وظيفته... أما إذا كان الخطأ خطأ نظام كما يدّعي هذا الفرد، أنه كان ينفذ التعليمات، فهنا يجب أن يعترف النظام بصدق وشجاعة بخطئه ويعتذر عنه، فقد تشفع له شجاعة الاعتذار ويتم قبوله، وأن يلتزم بكل مبادئ وقيم حقوق الإنسان مع الجميع سواء كان الشخص الذي يتم التحقيق معه مصريا أو أجنبيا، بدلا من السخرية التي حصدها الوفد حين قال أحد أفراده، عندما عرض الجانب الإيطالي فيديو للرئيس يتحدث عن عدم محاسبة الضابط الذي يقتل، إنه كان يقصد المواطن المصري لا الأجنبي... فهل يعقل هذا؟!

back to top