6/6: السنعوسي الذي عرفت

نشر في 15-01-2016
آخر تحديث 15-01-2016 | 00:01
 يوسف الجاسم في مصر والولايات المتحدة تلقى تعليمه العالي، وتخصص في الإعلام وصناعة السينما. مواهبه سبقت دراسته، ومثابرته صنعت تاريخه المليء بالأحداث والإنجازات.

 سبّاقٌ في اقتناص الأفكار، مبدع في صياغتها بألوان تدهش المشاهد والمستمع والمراقب. عضو دائم في نادي المتميزين، ومبدع في أعماله وخيالاته ونتاجه القائم على الابتكار والإبهار. لا يستسيغ الرتابة، ولا يطيق المياه الراكدة، حيث يلقي دائماً بها الأحجار.

سعت إليه المسؤوليات ولم يسعَ إليها منذ أنهى دراسته الجامعية في مطلع الستينيات، وتدرّج في وظائفه حتى أصبح وزيراً للإعلام، ذلك الميدان الذي شكّل وصاغ مسار حياته وبذل فيه عصارة فكره وجهده وعطائه.

لم تكُ الوظيفة مبلغ همّه، بقدر اهتمامه بالأداء والتميّز. ناقدٌ بطبعه وباحثٌ عن الأفضل، مثيرٌ للجدل من حوله كلّما تحدث أو فعل.

عاصر وعانق أمجاد الإعلام في وطنه الكويت، وملأ شاشات التلفزيون منذ بداياته الأولى قبل نصف قرن وحتى يومنا هذا بأعماله النقدية الهادفة والمغلّفة بإطارات الظُّرف وفنون الإطلالة، واتسعت دوائره إلى المحيط الخليجي والعربي، واقتحم العالمية بأعماله السينمائية الجريئة والكبيرة مع نجوم عصره من العرب والأجانب، وكان إنتاج فيلم "الرسالة" في طليعة سجلّه الحافل.

صاحب رأي جريء وموقف صلب، لا تثنيه العقبات عن قبول التحديات، فهو مقدام بطبعه، يأبى التراجع ويرفض الانكسار برغم الفواجع التي واجهها، وكان آخرها فقد ابنه الأكبر "طارق" عليه رحمة الله، ودفع بصدقه وعفويته أثماناً باهظة من رزقه وصحته واستقراره في كرسي الوزارة، ولم ينكفئ.

 "السنعوسي" مدرسةٌ إعلامية تتلمذ في فصولها الكثيرون من رواد الإعلام بالأمس واليوم، وهو في عطاءاته لا يعرف المنّة ولا يبحث عن الفضل، فاستحق بجدارة لقب عميد الإعلام الكويتي.

"أبو طارق" مكسب كبير لبلده وأصدقائه ومحبيه، وعملاق في أخلاقه مثلما هو عملاق في أعماله وحضوره ومشاركاته... وعلى قدر ظن البعض بقسوته فإن واقعَه يخبرك بعكس ذلك، حيث إنه الفنان المرهف الحس، والذي يسكن الطفل بداخله فتسابق دموعه كلماته، وتزاحم أحاسيسه أفعاله حين يكون أمام موقف إنساني مؤثر لطفل أو محتاج أو ضعيف.

متسامحٌ بالرغم من سرعة غضبه ولا يتردد في الاعتذار حين يكتشف خطأه... متواضعٌ بالرغم من هالة الشموخ التي تبدو على محيّاه وهيئته، وكريمٌ مع أهله وأبنائه ورفاقه. محبٌ للخير، بقدر حُبّه للحياة.

 "محمد ناصر السنعوسي" الأخ الكبير، والأستاذ الذي تعلمنا منه الكثير، نسأل الله له الشفاء وسرعة التعافي وطول العمر، واستمرار عطائه المتدفق لوطنه وجمهوره الذي احتضنه في عقله وقلبه طوال مسيرته الزاخرة.

***

صبيحة إرسال هذه المقالة، فُجِعنا بخبر رحيل قامة وطنية من قامات العلوم والاستنارة في بلدنا، الأستاذ الدكتور أحمد بشارة، رحمه الله الذي لا راد لقضائه، لكنها خسارة وطنية فادحة بغيابه الذي سيترك فراغاً صعب الاستعاضة.

عليه رحمة الله، ولأهله ومحبيه الصبر والسلوان و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".

back to top