إدنبرة... قصور وطبيعة

نشر في 12-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 12-03-2016 | 00:01
صادفت في بضعة شوارع نابليون بونابرت، دارث فايدر والرجل الخفي، ولاحظت أن الزجاج يرتفع وينخفض في ما بدا لي هواء خفيفاً.
قابلت فرقة رقص كورية ترتدي أزياء جميلة ملونة، وامرأة تحمل حوضاً لغسل الصحون، و«الملكة إليزابيث} على رأسها التاج تلوح لكل المارة بطريقتها الملكية المعهودة.
لكن المشهد الذي أحببته حقاً سندويش الهوت دوغ الراقص الذي كان يوزع قناني الكتشاب والخردل على الأولاد الفرحين ويشجعهم على فتحها ورشّ محتواها.
كنت على درب {رويال مايل} الذي يربط قصر إدنبرة بقصر هوليرود، مقر العائلة الملكية البريطانية في إدنبرة. كان كل هؤلاء الفنانين يشاركون في مهرجان Fringe في المدينة، الذي يُعتبر أكبر مهرجان للفنون في العالم.
صحيح أن هذا المهرجان ممتع للغاية، إلا أنه كان مجرد سبب واحد من أسباب كثيرة دفعتني إلى زيارة إدنبرة خلال شهر أغسطس.

بالإضافة إلى مهرجان Fringe، يستطيع الزوار زيارة مهرجان إدنبرة للفنون، مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب، مهرجان ميلا للموسيقى والرقص العالميين، مهرجان Tattoo العسكري، والأهم من ذلك كله، مهرجان إدنبرة الدولي.

وُلد هذا المهرجان الدولي من دمار الحرب العالمية الثانية، حين تكبدت بريطانيا كلفة كبيرة بسبب معاندتها هتلر. فقد عملت هذه الجزيرة الجريئة التي لم تنحنِ على إعادة بناء نفسها. من الجهود التي بُذلت في هذا المجال إقامة المهرجان الدولي، الذي افتُتح عام 1947 بغية السمو بالحياة الثقافية وإغنائها لا في بريطانيا فحسب، بل في أوروبا ككل. ولا نبالغ مطلقاً إن قلنا إنه حقق نجاحاً باهراً.

يقدم هذا المهرجان الذي يدوم ثلاثة أسابيع أفضل ما في عالم المسرح، الرقص، الأوبرا، الكاباريه، والأوركسترا. وعندما أقول الأفضل، لا أغالي. فكان النجوم البريطانيون الحاليون هيوغ لوري، إيما واتسون، جود لو، وهيوغ غرانت من بين مَن شاركوا في المهرجان قبل بلوغهم شهرتهم الحالية. ومن بين مَن شغل وسائل الإعلام هذه السنة الفنانة الفرنسية جوليات بينوش ومشاركتها في Antigone.

من بين العروض التي حضرتها كان الأبرز إنتاج غني يعيد تخيل أوبرا موزار The Magic Flute. صحيح أن الموسيقى لم تتغير، إلا أن كامل التفاصيل الأخرى تبدلت تماماً. فقد جمعت هذه النسخة المبتكرة الرائعة بين الأنيمايشن والحركة الحية (كان المغنون حقيقيين) في إطار عام من الأفلام الصامتة التي تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، فن الكاباريه، أعمال ديزني (فكر في Fantasia)، وتفاصيل مسرحية قديمة شبيهة بما نراه في سيرك دو سوليه (soleil).

بدأ مهرجان Fringe في السنة عينها كما المهرجان الدولي، عندما لم تُدعَ ثماني شركات مسرح أرادت أن تشارك في المهرجان. فقدموا في مطلق الأحوال، ولم يكفوا عن ذلك منذ ذلك الحين، مقدمين أكثر من 3 آلاف عرض في صالات المدينة هذه السنة.

يشمل الكثير من العروض أعمالاً فردية عادية، إلا أن بعضها الآخر يقدم أداء عالمياً. ومن هذه الأخيرة Limbo الذي تقدمه فرقة Underbelly’s Circus Hub في منطقة مادوز. وُصف هذا العرض بإبداع يجمع بين فنون السيرك والكاباريه. وقد ظللت طوال العرض مشدوداً بالخدع والعروض الجسدية المذهلة التي تخطف الأنفاس. ويبدو أنهم نجحوا أيضاً في أسر اهتمام مادونا، بما أنها شاهدت هذا العرض مرتين، حسبما يُقال.

كتب وفن وعروض عسكرية

من المهرجانات الأكثر حداثة مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب، الذي يُعتبر أكبر مهرجانات للكلمة المكتوبة في العالم، ومهرجان إدنبرة للفنون، وهو الأحدث بين هذه العروض. فقد افتُتح عام 2004.

من الطبيعي أن تستضيف إدنبرة، أول مدينة أدبية في العالم وفق اليونسكو، مهرجاناً سنوياً للكتاب يحضره نحو ربع مليون شخص يتدفقون إلى حدائق ساحة شارلوت للاستماع إلى الكتّاب وهم يناقشون أعمالهم. فهنا قدّمت ج. ك. رولينغ قراءة عامة لمجموعة من تلاميذ المدارس من كتابها الأول في سلسلة هاري بوتر.

يُعتبر مهرجان الفنون وليمة ممتعة للغاية، مع كثرة المعارض في المتاحف، الكنائس، الصالات، والأبنية العامة، فضلاً عن مساحات في الهواء الطلق، مثل محطة وافرلي للقطار التي تضم القطعة الفنية الأحب إلى قلبي: منحوتة غريبة تشبه مجموعة من أحواض الاستحمام.

من الأسباب الرئيسة التي دفعتني إلى القدوم إلى هذا المهرجان احتمال المشاركة في مهرجان Tattoo الملكي العسكري في إدنبرة. كنت قد شاهدت صوراً عن تميز هذا المهرجان وجماله، فيما يظهر قصر إدنبرة وراءه. عرفت أنه يشكل عرضاً لمدى مهارة الموسيقى العسكرية ودقتها، التي تحولت إلى مسرح قائم بحد ذاته، وذلك بفضل عازفي الطبول والمزامير الذين يرتدون التنانير وينتمون إلى الأفواج الملكية  في أرجاء بريطانيا.

كانوا كلهم حاضرين: من عازفي مزامير وطبول المناطق المرتفعة وفرقة Black Watch في الفوج الملكي الاسكتلندي إلى Massed Bands في سلاح الجو الملكي وحرس الملكة، فضلا عن فرقة رقص Tattoo Highland العسكرية في إدنبرة. وكان هذا المهرجان بالتأكيد على قدر توقعات أي محب للإنكليز والإنكليزية.

لكن ما لم أتوقعه كان الجزء الممتع المتبقي من الأمسية، الذي امتد من تنانين اللوتس الصينية الملونة وعروض بوليوود الراقصة إلى الذكرى الخامسة والسبعين لمعركة بريطانيا. ثم بلغت هذه الأمسية ذروتها بعرض ألعاب نارية وعرض صورة العلم البريطاني على الجهة الخارجية من القصر.

في الختام، ما إن شبكنا الأيادي لنؤدي معاً {نشيد الوداع} وظهور عازف المزمار الوحيد على سور القصر، حتى اغرورقت أعين الجميع بالدمع.

مصادر متعة أخرى

من السهل أن ترى لمَ استمدت رولينغ الإلهام من إدنبرة، مدينة يصفها ابنها روبرت لويس ستيفنسون بـ}حلم العمارة الحية}. تتوزع المدينة على طبقات انطلاقاً مما كان سابقاً بركاناً ناشطاً وصولاً إلى أقبية تحت الأرض، وهي تضم زاوية وتفاصيل كثيرة لا يمكن للإنسان الاطلاع عليها كلها مهما عاش. ولكن ثمة أماكن قليلة لا بد من زيارتها عندما تقصد المدينة.

• قصر إدنبرة: يقع على أعلى صخرة القصر المتعرجة، التي تشكل بركاناً منطفئاً. يعتبر هذا القصر أبرز المعالم في اسكتلندا. ويتهافت الزوار عادةً على رؤية جواهر التاج الاسكتلندي وحجر «سكون» الذي يُعرف أيضا بحجر المصير. ولكن لا تفوت فرصة الاستمتاع بصالة الحفلات القديمة وغرفة الولادة، حيث أنجبت الملكة الاسكتلندية ماري ابنها الذي أصبح لاحقاً الملك الإنكليزي جيمس الأول، موحداً بالتالي المملكتين.

• قصر هوليروك: بالحديث عن ماري، إن كنت من عشاق حياتها المأساوية والمضطربة، فزر قصرها الملكي. يقع هذا القصر عند أحد طرفي طريق «رويال مايل» وتحيط به حدائق خلابة. أما غرفه التاريخية التي تعود إلى القرن السادس عشر، فتُفتح أمام العموم، باستثناء الفترة التي تنتقل فيها العائلة المالكة للإقامة في هذا القصر.

لكن الأبرز في هذا القصر المصلى حيث سُحب المساعد الخاص للملكة ماري ديفيد ريزيو عام 1566 عن الطاولة حين كان يتناول الطعام مع الملكة وقُتل على يد زوجها اللورد دارنلي وأعوانه. حتى إن بعض الزوار يدعون أنهم ما زالوا يستطيعون رؤية بقايا الدم على الأرض جراء الـ  56 طعنة التي تلقاها ريزيو.

• اليخت الملكي بريتانيا: للاستمتاع بنزهة ملكية أقل دموية، زر اليخت الذي قالت الملكة إليزابيث الثانية إنه المكان الوحيد الذي يمكنها أن تسترخي فيه وتتخلى عن دورها الرسمي. يرسو هذا اليخت اليوم بشكل دائم في محطة المحيط في إدنبرة وهو مفتوح أمام العموم. وقد نقل هذا اليخت الملكة والعائلة المالكة مسافة مليون ميل حول العالم طوال أربعين سنة.

إن زرت إدنبرة:

الإقامة: 24 {رويال تيراس}. بُني ليكون منزلاً خاصاً عام 1820. يقع هذا الفندق الصغير المؤلف من 16 غرفة في منطقة مميزة في الجهة الخلفية من هوليرود غاردنز وكالتون هيل، وقد خضع لإعادة ترميم واسعة، وهو يضم اليوم مجموعة فنية أصلية مميزة تصل قيمتها إلى نصف مليون جنيه إسترليني. أما الموظفون فيه، فودودون ولا يترددون في خدمة النزلاء. تقدم حانة الفندق عدداً محدوداً من الأطباق، إلا أن حديقته، التي تحتوي مصاطب عدة، تشكل موضعاً مميزاً للاستمتاع بكوب شاي (24royalterrace.co.uk).

الطعام: كي تستمتع بأطباق اسكتلندية تقليدية وتتمتع بمنتجات المنطقة المحلية الأفضل، زر Field (Fieldrestaurant.co.uk) وCompass. أما إذا أردت جواً مميزاً يرافق وجبتك، فاختر Angels with Bagpipes على طريق {رويال مايل} (Angelswithbagpipes.co.uk) و Whighams Wine Cellars الذي يعود إلى القرن التاسع عشر ويقع في مبنى من الطراز الجورجي (Whighams.com).

back to top