آن ماري سلوتر: الولايات المتحدة الأميركية مستعدّة لامرأة في البيت الأبيض!

نشر في 05-03-2016 | 00:00
آخر تحديث 05-03-2016 | 00:00
آن ماري سلوتر من مستشاري هيلاري كلينتون الكبار في وزارة الخارجية، ذلك قبل تركها السياسية لتتفرّغ لعائلتها. الكاتبة والخبيرة في السياسة هي من بين قلائل يتكلّمون بثقة بالغة حول قضية عمل النساء واهتمامهن بالمنزل في آن، كذلك حول هيلاري كلينتون كمرشحة، وحول الوضع في سورية.

في السابعة والخمسين من عمرها، خدمت سلوتر كمديرة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية في ولاية هيلاري كلينتون من عام 2009 إلى 2011. وكانت قبل ذلك، أول عميدة من الجنس اللطيف في مدرسة {وودرو ويلسون} العامة، وأول عميدة لكلية العلاقات الدولية في جامعة برينستون.

في صيف 2012، نشرت مقالة في مجلة {أتلانتيك} الشهرية بعنوان {لم لا تستطيع النساء الحصول على كل شيء؟}، حيث تشرح كيف وضعت حداً لحياتها المهنية في العاصمة واشنطن كي تهتم بابنيها المراهقين. وقد أحدثت المقالة جلبةً لدى المهتمين بشؤون المرأة وحصلت على نسبة قراءة عالية في غضون أيام قليلة. تشغل سلوتر اليوم منصب مديرة مؤسسة أميركا الجديدة، وهي مؤسسة مركز أبحاث مقره واشنطن.

في مقابلة مع {شبيغل}، تتناول سلوتر موضوع النساء، كذلك تبدي رأيها بشأن الأزمة السورية.

كنت أول امرأة تدير هيئة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية. ولكنك معروفة بجملتك الشهيرة {لا يستطيع النساء الحصول على كل شيء}. بمَ تشعرين حين تسمعين هذه الجملة؟

بصراحة، أشعر بأنني أريد أن أقتل نفسي. لعل ذلك قوي الوقع بعض الشيء ولكنه يصف الوضع بدقة.

أنادمة أنت على كتابتك تلك المقالة إذاً؟

أبداً، لأننا بحاجة إلى فتح باب النقاش حول هذا الموضوع. لا بل لعله أهم ما قمت به في حياتي. ففي وزارة الخارجية مهما علا منصبك لا يسعك معرفة انعكاسات ما تفعل. أما المقالة فمسّت حياة عدد كبير من النساء، ويسعدني أنها فتحت باب النقاش على مصراعيه، لأن ذلك لا بدّ من أن يفضي إلى تغيير الأمور.

تعرّضت لانتقاداتٍ كثيرة، إذ اتهمتك الحركات النسوية بالخيانة لتركك منصبك في وزارة الخارجية للاهتمام بأطفالك.

نعم. وحاول البعض الآخر في أوروبا استخدام قضيتي لمصالحه. قال هؤلاء: {أخيراً، ها هي امرأة تؤكد ضرورة بقاء الأم في المنزل إلى جانب أولادها}. ولكن لم تكن تلك المسألة هدفي بالطبع. لست من هذا النوع أبداً. أعني أن زوجي أمضى وقتاً أطول مع أولادي مما فعلت شخصياً. ولا أعتقد أن ذلك أثّر فيهم سلبياً.

ماذا تقصدين إذاً؟

أقصد أنه يجب التوقّف عن الكذب. أي أن نعترف بأن الواقع أكثر تعقيداً من قدرتنا على التخطيط له. كان مثيراً للاهتمام أن أتعرّض لانتقادات من {النسويين} من جيلي، فقد اعتبروا أنني كنت أحبط الأمهات الشابات مكرّسةً لنموذج تقليدي من النساء، مما ينعكس سلباً على تقدم المرأة. ما يهمني أنني تسببت بفتح باب النقاش، خصوصاً لدى الأجيال الشابة.

بالنسبة إلى شيريل ساندبرغ، وهي من مديري موقع {فيسبوك}، يمكنك التوفيق بين المهنة والعائلة إن بذلت جهداً كافياً بهذا الاتجاه.

كلنا نحب الروايات الزهرية، ونسعى إلى إعطاء صورة أننا ربان السفينة ونسيطر على الأمور كافة، ولعل الأميركيين أكثر من يحبّ هذه المثاليات، إذ يقولون: {يمكنك أن تحقق أمانيك كلها}. أقدر فعلاً كل ما قامت به شيريل ساندبرغ، ولكنها في ما تقول كأنها تلمح بأنها مسؤوليتك في حال لم تنجح في هذا التوفيق. وثمة ظلم في ذلك. ينبغي أن تتغيّر ظروف عمل المرأة، وليس المرأة بحد ذاتها. يجب أن نعترف بأن المرأة ما عادت تستطيع التأقلم مع العقلية الذكورية السائدة في أماكن العمل منذ الخمسينيات.

بالإضافة إلى مفهوم {السقف الزجاجي}، يتحدّث كتابك عن مفهوم {الحائط الأمومي}.

نعم، لأنّ الأمومة تشي اليوم بانعدام المساواة في الأجور أكثر من مسألة الجنس. عندما نتحدّث عن الفوارق في الأجور في الولايات المتحدة، عندما ننظر إلى النساء من دون أطفال، نجد أنهن يكسبن نحو 96 سنتاً مقابل كل دولار يكسبه الرجل. يتقلص هذا الرقم إلى 76 سنتاً لدى المرأة أي أقل بـ25%. والوضع أسوأ بالنسبة إلى الأمهات العازبات، فثلثهن يعيش في فقر مدقع أو على حافة الفقر، وهو وضع لا يحتمل.  

ذكرت أرقاماً مخيفة أيضاً. أقل من 15% من الوظائف الإدارية في الولايات المتحدة هي للنساء وفي الوقت نفسه تشكّل النساء 62% من متقاضي الحد الأدنى للأجور. كيف يمكن تخطي هذا الوضع؟

لديّ طريقتان. أولاً، على الدولة أن تؤسس بنية دعم. ثانياً، علينا أن نغيّر دور الرجال في هذا المجال. أفكر في هذا الأمر كـ}ثورة للجندر}. علينا أن نقدر رغبة أخذ الرجال أو النساء بعض الوقت للاهتمام بأطفالهم.

قوانين وانتقادات

تسمح القوانين الأميركية بأن تأخذ المرأة بضعة أسابيع من الإجازة غير المدفوعة بعد الولادة. ولكنك في الوقت نفسه انتقدت موقف ألمانيا المتساهل حول الموضوع. لم ذلك؟

تكمن المشكلة الأوروبية في أنّ فور إنجاب المرأة طفلاً تصبح هويتها كأم أهم من هويتها المهنية. إنها {الأم}، وبالتالي عليها أن تكرس لهذا الجانب وقتها كله. إنها مسألة {ثورة الجندر} عينها هنا. لا ينبغي أن يحدّد الجنس البيولوجي ما بوسعنا القيام به، وما نطمح إليه، وما نقوم به في الحياة.

طلبت الناشطة الأميركية في الحركة النسوية غلوريا شتاينم الأمر نفسه في السبعينيات. وانتقدت أخيراً الشابات لدعمهن برني ساندرز بدلاً من هيلاري كلينتون، وكأن ليس من حقهن التمتّع برأيهن الخاص.

أعتقد أنها أخطأت بمعاملة الشابات بهذه الطريقة. هالني الأمر عندما سمعت بذلك. لا تستطيع السيطرة على الثورة. لا يجب توقّع تصرف تلك الشابات مثلنا. علينا أن نقول لهن: لا تنتخبن هيلاري لأنها امرأة فحسب بل اسألن نفسكن من بذل جهوداً أكبر في سبيل المرأة حتى الآن، ومن سيفعل المزيد لأجلها في المستقبل، ثم خذوا قراركم.

تلقّت هيلاري كثيراً من الدعم من الأقليات والأفارقة الأميركيين ولكنها تواجه صعوبة كبيرة في جذب أصوات النساء البيض في الولايات المتحدة. لم برأيك؟

أعتقد أنّ الشباب يريد التغيير أي الثورة، لذلك انتخبوا باراك أوباما عام 2008. ولكن هيلاري كلينتون لا تمثل الثورة. كانت السيدة الأولى، كانت السيناتور، كانت وزيرة الخارجية. أمضت في واشنطن أكثر من 20 سنة. تنتاب بلدنا اليوم مشاعر ضد المؤسسات، ولا علاقة لذلك بالحركات النسائية، إنها مصادفة غير جيدة بالنسبة إليها للأسف، ولكن الحملة ما زالت في بدايتها. لم يتم التعرّض لها لأنها امرأة، ولكن حين يحصل ذلك قد تدعمها النساء أكثر مما يفعلن اليوم.

هل أنت متأكدة من حصول هجمات من هذا النوع كونها امرأة؟

طبعاً. أنا مقتنعة. هذا البلد جاهز لاستقبال امرأة في البيت الأبيض، ولكني مؤمنة كذلك أننا نعاني عنصرية جنسية. بمعنى آخر، ثمة عدد كبير ممن لا يحبون هيلاري كلينتون لأنها امرأة، ويتهمونها غالباً بالبرودة وإخفاء الأسرار والتعقيد لمجرد أنها امرأة. شخصياً، لا أعتقد أنها كذلك بتاتاً، ولا أن هؤلاء كانوا ليتكلموا عن رجل بالطريقة عينها.

إذاً تؤمنين أن مسار المرشحة المرأة أصعب من مسار الرجل؟

لا شك في ذلك. عام 2008 مثلاً، كان عليها أن تبرهن أنها قوية. أما اليوم فعليها أن تبرهن أنها لطيفة. على الأقل باتوا يهتمون بشكلها اليوم، ولكن عمرها أيضاً مسألة مهمة بالنسبة إلى بعض الناخبين بينما لا يهتمون لهذا الأمر لدى غيرها. برني ساندرز أكبر منها مثلاً فيما دونالد ترامب بعمرها. إنها المعايير المزدوجة. ومع ذلك ثمة امرأة تُقدّم بأسلوبٍ مختلف هذا العام.

عملت إلى جانب هيلاري كلينتون لسنتين. هل كانت تدير وزارة الخارجية بشكل مختلف عن الرجل مع أنني أخشى أن يبدو سؤالي من النوع التقليدي؟

بالتأكيد. لعل أهم مثال أنها اختارت البدء بأول اجتماع عند الساعة الثامنة والربع صباحاً، وذلك بالغ التأخير في معايير واشنطن. فمعظم الاجتماعات غالبا ما يحصل في السابعة صباحاً، ما يعني أن عليك الاستيقاظ عند السادسة كي تتحضّر وتكون في العمل في الوقت المناسب. وهي تعمدت تحديد الاجتماع في الوقت هذا لأنها أرادت مساعدة الأهالي الذين يوصلون أولادهم إلى المدارس صباحاً، وكانت السباقة في ذلك.

لم لا تظهر طابعها الحنون واللطيف خلال الحملة الانتخابية برأيك؟

أعتقد أنها تفضل الفعل على أن تخبر الناس لم عليهم التصويت لصالحها. لا تحبّ أن تقول للناس لم هي رائعة. إنها إنسانة مجاهدة وبالغة الفاعلية في الاجتماعات، كذلك غالباً ما تحصد نتائج باهرة. أي حين تلتقي بها لا تقبع في مكانها قائلة: {أخبرونا ما الذي يمكننا فعله}، بل تحبّ أن تشارك في الفعل، أن تبذل مجهوداً خاصاً. وحين كانت وزيرة للخارجية كان طاقمها {يعشقها} لأنها كانت تقدم على الأفعال أكثر من الكلام.

سورية والتدخل

حين اندلعت الحرب في سورية، كنت وهيلاري كلينتون مع سياسة تدخّل أكبر، على عكس الرئيس أوباما. هل كان العالم ليكون مكاناً أفضل لو اعتمدت نصيحتكما بهذا الشأن؟  

لا أعتقد أن إدارة أوباما مسؤولة عمّا يحصل في سورية. لا يسعك أن تتكهّن مسار الأمور أبداً. ولكن في شتاء 2012، كتبت مقالة رأي في {النيويورك تايمز} مطالبةً بإنشاء ممرّات آمنة. كان ذلك قبل أربع سنين. كان كثير من الناس يؤكد آنذاك أننا إن لم نتحرّك لن يتوقّف الأسد من بطشه، وسيدمر البلد بأسره. توقع الناس أن يزداد التطرف في حال لم ندعم المعتدلين. كنا حسبنا هذا الحساب سابقاً ولكن ماذا فعلنا؟ ذهبنا إلى الأمم المتحدة لتضع روسيا الفيتو في وجهنا.

ماذا كان البديل؟

أعتقد أنّ الإدارة كان يجب أن تقول: {لا. على الأقل سننشئ الممرات الآمنة. لن نسمح بقتل الناس وارتكاب المجازر من دون محاسبة}. كنا نعلم أنّ الأسد كان يستخدم الأسلحة الكيماوية. وعندما تجاوز الخط الأحمر واستخدمها كان يجب أن يكون لدينا رد فعل على ذلك.

لم اختار أوباما عدم التدخل؟

كان يتجنّب المخاطر، وكأنه يقول في قرارة نفسه: {لا نعرف إن كان هذا التدخل سينهي المسألة أو لا. لذلك لن نفعل شيئاً}. أعتقد أن إدارة أوباما فعلت أموراً رائعة كثيرة في السياسة الخارجية، وأنا مؤمنة بذلك فعلاً. صفقة إيران مثلاً مهمة للغاية، كذلك الانفتاح على كوبا. قام الرئيس بأمور لافتة. لا أعتقد أنه كان ينبغي التدخل بقوات عسكرية على الأرض والسيطرة على سورية. طبعاً لا. ولكن هل كنا لا نستطيع قصف قوات الأسد الجوية مثلاً؟ كان ينبغي جرّهم بالقوة إلى طاولة المفاوضات. أما النتيجة اليوم فهي غرق المنطقة في هذا النزاع لخمس أو 10 سنوات إضافية.

هل تعتقدين أن الحلّ الدبلوماسي ما زال ممكناً؟

أعتقد أن الحلّ يجب أن يكون دبلوماسياً. لا يلوح في الأفق حلّ عسكري. علينا أن نقول للأسد بشكل واضح أن حربه يجب أن تكون شرعية، والبراميل المتفجرة ليست كذلك. علينا أن نقول له: {إن قمت بذلك مجدداً سنهاجم السلاح الجوي لديك}.

تعنين مهاجمة السلاح الجوي السوري؟

نعم.

ألا يؤدي ذلك الى صراع مسلّح مع روسيا؟ ألا تخشين هذا الاحتمال؟

أنا ابنة الحرب الباردة. لا يمكنك القول: {يا إلهي ثمة طائرات روسية لذلك سأستسلم}. أي نوع من العالم كنا سنعيش فيه لو أن الولايات المتحدة قامت بهذا الأمر منذ ستين سنة؟ عليك أن تكون صارماً وتعلن ملء الصوت: {هذا ليس مقبولاً}. أما لروسيا فتقول: {لعلك حليفة النظام ولكنه يبيد شعبه. إنه يرتكب مجازر ضد الإنسانية ولن نسمح نحن بذلك}.

هل يعني ذلك أنك لا تؤمنين بمفاوضات جنيف للسلام التي بدأها وزير الخارجية جون كيري؟

لست في اللعبة بما يكفي لأحكم. أعرف أن كيري يقول بوجوب التنازل لأنه لا يسعك الحصول على كل أمر. ولكن أتمنى أنه يقول ذلك للروس كذلك. لا نستطيع أن نستسلم للأسد بكل بساطة. اذا كانت لديك تسوية لصالحه فحسب، لن تستمر هذه التسوية لوقت طويل.

ماذا عن دعم الثوار؟ هل يمكن ذلك؟

السؤال هو: ما هو أهون الشرين؟ أنا واثقة في أن من يدعم الأسد لا يجب دعمه. أفضل إرغام الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات على أن أدعم أشخاصاً بالسلاح من دون أن نعرف وجهة استخدامه.

المرشح الجمهوري دونالد ترامب مقنتع بوجود طريق أسرع للحل. وعد بقصف الدولة الإسلامية بلا هوادة في حال أصبح رئيس الولايات المتحدة. هل تشعرين بالقلق من كلامه؟

بصراحة، نجهل ما قد يفعله ترامب. أنه شخص يعتمد على التسلية، ويجيد إبرام الصفقات. إنه شخصية مشهورة. لديّ فكرة عما قد يفعله كروز أو روبيو، فيما لا فكرة لدي إطلاقاً عما قد يقدم عليه ترامب. ولكن مما لا شك فيه أنه سيكتشف أن قصف {داعش} أمر بالغ الصعوبة. ثم ليس الأمر وكأن هذا التنظيم لم يُقصف حتى الآن.

في حال أصبحت هيلاري رئيسة الولايات المتحدة ما الذي تنتظره منها النساء؟ ما الحكومة التي قد تشكلها؟

لا شكّ في أنها ستحطم السقف الزجاجي في أكثر من مكان، وستوظف نساءً في الإدارة. كذلك تهتم بشكل كبير لمسألة الأقليات، لذلك أعتقد أنها ستجمع حولها أشخاصاً من انتماءات مختلفة وستضع النساء في مناصب لم تعهد إليهن بعد. لا شك في أنها ستغيّر أموراً كثيرة.

هل تفكرين عندئذ في العودة إلى السياسة مثلاً؟

طبعاً، في مرحلة من المراحل. أنا سعيدة جداً بما أقوم به راهناً، ولكن هذا لا يعني أني أستبعد الأمر. أصغر أبنائي ينهي المدرسة بعد سنة ونصف السنة، وكل أمر ممكن.

back to top