منظور آخر: خدعة الأبدية والخلود

نشر في 28-01-2016
آخر تحديث 28-01-2016 | 00:00
 أروى الوقيان في مرحلة ما ستخون كل وعودك، وتخلف جميع توقعاتك، وقد تطرق سبلا لم تكن تظن يوما أنك ستسلكها، ستكتشف لاحقا أن كل ما قيل لك عن الأبدية والاستمرارية والخلود ما هو سوى خدعة كبيرة سوّقها العاشقون والشعراء وصدقناها لأننا حالمون.

خدعونا حين سوّقوا للأبدية والخلود والوعود، خدعونا وصدقناهم لأننا حالمون، هذه الحياة تتغير في كل مرحلة عمرية قد تمر بها، وحين تكون المشاعر في ولادتها تبدو أجمل، وحين تطلق الوعود وهي طازجة تبدو ألذّ، ولكن لم يقل لنا أحد إن الوقت كفيل بأن يجعل كل شيء عاطباً!

قد تصل إلى حقيقة بألا جدوى من أن تعافر هذه الحياة، تبدو وكأنها ممر طويل مرهق للروح إلى أن تصيبك فرحة غير متوقعة، وباتت الأخيرة من النوادر في حياتنا.

نحن نتشبث بالأمل لأنه قابل للهروب وغير مستقر، نتمسك به لأنه الشيء الوحيد الذي يجعلنا نتمسك بالحياة ولأن ويلات الحياة وإحباطاتها هي المستمرة لا العكس.

من قال لنا إن هذا العالم وردي فهو بدون شكّ يعاني عمى ألوان، الحياة أكثر واقعية مما نريد، والفراق حاله كاللقاء سريع وحتمي وقادم لا محالة، ويجب أن نكون على أتم الاستعداد له حتى لا نُفاجأ به.

تقبل بأنه في مرحلة ما ستكون مجرد رسالة مهملة في هاتف أحدهم، قد يتذكرك مصادفة وقد لا يتذكرك حتى، ستكون اسماً عابراً لدى أحدهم بعد أن كنت كل شيء، وذلك لسبب واحد ألا شيء دائم، حتى حياتك هي رهن للموت في أي لحظة.

وفي مرحلة ما ستخون كل وعودك، وتخلف جميع توقعاتك، وقد تطرق سبلا لم تكن تظن يوما أنك ستسلكها، ستكتشف لاحقا أن كل ما قيل لك عن الأبدية والاستمرارية والخلود ما هو سوى خدعة كبيرة سوّقها العاشقون والشعراء وصدقناها لأننا حالمون.

لا تُصدم حين تكتشف أنك الطرف الأسوأ بالعلاقة، وأنك ظالم لا مظلوم، ما قالته أمك عنك وأنت طفل بريء لم يعد سارياً بعد أن كبرت وكشّرت عن أنيابك، واكتشفت أنك لست مواطنا صالحا.

قد تكون أنت المرتشي الفاسد الذي ينخر اقتصاد البلاد ويرفع لها تحية في كل مناسبة، وقد تكون أنت من سمح لهم بكسر الإصلاح لأنك مستنفع ككثيرين سبقوك، لكنك لا تشعر بوخز الضمير لأنك اعتدت خيانته.

الخيانة قابلة للاعتياد، والوفاء قابل للزوال، الأشياء الجميلة هي غالبا تقتات على مخيلتنا لا واقعنا؛ لذا فالمعاني الجميلة السامية باتت هي الاستثناء، أما باقي الأشياء القبيحة فهي المنتشرة لأنها تتغذى على الواقع المليء بالعنف والجشع.

لم يعلمونا، ونحن صغار، أن المستبد سيعيش، والبريء سيموت، ولم يقولوا لنا إن السلام هو الأصعب في الاستمرار أما الحرب فهي الأساس.

لم يقولوا لنا إن الربيع العربي سيتحول إلى شتاء قاسٍ يحول أبناء البلد الواحد إلى نازحين ولاجئين، لم يعلمنا التاريخ أن القادم سيكون أسوأ.

ولكن علمونا أن الأمطار تزين السماء بقوس قزح، نراه فنبتسم لأنه لحظة جميلة نراها ولا نستطيع أن نلمسها، كحالنا اليوم.

back to top