هل ننجح بحل رشيد للهدر والتبذير؟

نشر في 24-01-2016 | 00:15
آخر تحديث 24-01-2016 | 00:15
No Image Caption
نعم... إنها قضية وطن بكل مكوناته ومشاربه، بحاضره ومستقبله، وضمانات حياة أجياله القادمة. إنه النفط الذي عشنا في خيراته أكثر من ستة عقود، نبذر عائداته دون حساب لما يمكن أن يأتي، ودون خوف من سنواتٍ عجاف يخبئها المستقبل.

اليوم، وقد أصبح الفأس في الرأس ولم تعد عائدات النفط تغطي ربع كلفة الرفاهية التي اعتدناها صار لزاماً عليناً – جميعاً - أن نخرج من هذه الكارثة بأقل ضرر.

 إن انعكاسات تدهور أسعار النفط جلية، والتعامل معها ليس مسؤولية الحكومة منفردة، بل مسؤوليتنا جميعاً، حكماً وحكومة ومجلساً ومجتمعاً مدنياً. وقد جسد سمو الأمير هاجس الحكم من السنين المقبلة، وبيَّن خلال لقائه رؤساء التحرير ضرورة وقف الهدر، وهو الخطوة الأولى لطريق الترشيد وتعزيز ثقة المواطن بجدية الدولة ومصداقيتها.

لقد أعطى سموه مثالاً حياً للهدر بـ"العلاج في الخارج" وهو فساد "لا تحمله البعارين"، كما وصف سموه ذات مرة فساد البلدية بذلك.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يبدي فيها سموه مخاوفه من الهدر، لكن التعامل مع تلك المخاوف بمحاولة معالجة أسبابها لم يترجم إلى ما يحمله من معانٍ وما يقتضيه من عمل.

المؤسف أننا نقر، منذ سنوات، بأن هناك هدراً لكننا لم نجتمع عند قرار بوقفه بل تمادينا، وراحت السلطتان التشريعية والتنفيذية تتسابقان فيه، الأولى لإرضاء ناخبيها، والأخرى لإرضاء النواب... على حساب مدخرات الوطن ومستقبله وبقائه.

لماذا لم نحرك ساكناً إزاء تلك المخاوف؟ هل لأن أسعار النفط كانت تجاوزت 120 دولاراً للبرميل، والآن أصبحت دون العشرين؟ فمن يتحمل مسؤولية ما نحن فيه؟ الحكم، الحكومة، المجلس؟ المسؤولية تشملنا جميعاً، لكنها منوطة بالدرجة الأولى بأولئك المؤتمنين على إدارة شؤون الدولة... قيادةً وتشريعاً وتنفيذاً، فأين كان هؤلاء وقت الرخاء، ذلك الوقت المثالي للترشيد ووقف الهدر لا العكس؟

ما تشهده أسعار النفط من تدهور ليس غريباً، بل متوقع ومعروف، وسبق أن حذر منه اقتصاديون وماليون، لكن الطامة الكبرى أن بيننا من لا يدرك تلك الحقائق ويجهلها، وتلك مصيبة، وبيننا من يدركها ويتجاهلها وتلك مصيبة أخطر.

إن نكران الحقائق أو إنكارها لا يعني أنها ليست قائمة، لكنه يعني المضي بالدولة إلى طرق لا تحمد عقباها نتحمل تبعاتها جميعاً، وسنعيش على تداعياتها.

الآن، وبعد أن أكد الحكم، ممثلاً بحضرة صاحب السمو، مخاوفه وبيّن هواجسه ووضع أصابعه على "دمامل" كثيرة في جسد الدولة ولَّدتها سياسات الترضيات والفساد والمصالح وشراء الخواطر لكسب المواقف والأصوات على حساب البلاد وحقوق المواطنين... الآن أليس لزاماً علينا، حكومة ومجلساً، أن نعي هذه المخاوف بشعور كامل من المسؤولية والواجب الوطني؟

حين تدعو الحكومة، أو المجلس - وهذا مستبعد- إلى وقف الهدر فإنهما يقرّان بوجود ما كانا ينكرانه، وحين تأتي الدعوة إلى الترشيد فإنها إقرار بالإسراف... لكن هل تمت محاسبة المسؤولين عن ذلك؟ أليست تلك أولى خطوات تعزيز الثقة؟ نقول ذلك لكل من قدموا مصالحهم، أو مصالح من يعنيهم، على مصلحة الوطن وأبنائه.

في حساب الموازنات المالية للدولة سيتعدى العجز %60، وربما أكثر، وقد تستمر أسعار النفط في التدهور، فلنتعامل جميعاً مع حقائق لا يمكن تجاهلها أو نكرانها، ولتتحمل السلطتان مسؤولياتهما، فهما منابع الهدر، مثلما هما مسؤولتان عن رسم سياسة شاملة للترشيد، فهل تستطيعان إيجاد حل رشيد لوقف الهدر والتبذير.

لنتعامل مع الأزمة كقضية وطن أكثر منها مصلحة متنفذ أو إرضاء ناخب... ففي الأمس نفط وغداً ربما قحط.

الجريدة

back to top