عدم المساواة باقٍ... ويتمدد

نشر في 14-02-2016
آخر تحديث 14-02-2016 | 00:00
 منصور مبارك المطيري بعيداً عن المألوفات التراثية السقيمة بأن عدم المساواة أمر طبيعي، والمهم هو التركيز على تحسين حياة الأقل حظاً، فإن هناك مشكلات ينتجها عدم المساواة حين يكون لدى أقلية الوفرة في حين لا تحوز الأغلبية سوى القليل.

في معزل عن التفاصيل التي "يطنطن" بها الاقتصاديون "إياهم"، وبعيداً عن التفاهات التي تقطع الطريق على نقاش مستقيم، تشكل الإجراءات الاقتصادية المزمع تطبيقها تحدياً أخلاقياً للمجتمع لا تقل تكاليفه عن الأضرار الاقتصادية التي ستسقط على أفراده.

ذلك أن عدم المساواة - التي لا يكون تجاوزه متأتياً من خلال فرض الضرائب على أصحاب الدخل الأعلى - يلحق الأذى بالاقتصاد والنمو الاقتصادي، وهو ما حدا بحوتين رأسماليين مثل وارن بافيت وبيل غيتس إلى إصدار بيان مشترك حول مخاطر عدم المساواة وضرورة معالجته صوناً للاقتصادات، وبمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى نشر تقرير في مايو الماضي تحت عنوان "لماذا في تقليص عدم المساواة نفع للجميع؟"، والعنوان يكشف فحوى التقرير.

 وما يزيد الإلحاح على قضية عدم المساواة أن ما يخرج من بطنها مخيف للغاية، فهي تطرح شروراً كثيرة، كإثارتها الانقسام والتفتت بين الناس، وحرمانها الكثيرين من فرص النجاح وإرغامهم على امتطاء قاطرة العوز، وتأتي شهادة أساطين المال والمؤسسات الاقتصادية لتبدد المعتم والداكن، وتوضح أن عدم المساواة يسهم كذلك في الحد من النمو والرخاء الاقتصاديين.

بيد أن الناس حينما يتبرمون وينتفضون ضد عدم المساواة فإن ذلك يكون موجهاً بشكل مباشر إلى المنظومة الكبرى التي تمنح مكافآت لأفراد يقومون بأدوار معينة ومكافآت أقل لأفراد آخرين ينهضون بأدوار متباينة، وهنا يبرز السؤال الأشد حساسية: لماذا يتحتم على الفرد المشاركة في هذه المنظومة أو الانصياع للقانون بشكل عام أو أداء واجباته في الوقت الذي توجه فيه تلك المنظومة الحوافز للشخص صاحب النصيب الأوفر؟

وبعيداً عن المألوفات التراثية السقيمة من أن عدم المساواة أمر طبيعي، والمهم هو التركيز على تحسين حياة الأقل حظاً، فإن هناك مشكلات ينتجها عدم المساواة حين يكون لدى أقلية الوفرة في حين لا تحوز الأغلبية سوى القليل، أُولاها الجوانب السيكولوجية، فمن نكد الدنيا أن يحيا المرء في مجتمع يكون فيه الآخرون مادياً أفضل حالاً منه، وقد سبق للاسكتلندي آدم سميث أن لفت في كتابه "ثروة الأمم" إلى أن الحياة لا تستقيم في مجتمع تكون فيه حياة المرء بالعلن مذلة. وثانيتها: أن الفوارق الحادة في العدالة تمنح أشخاصاً سيطرة كبيرة على حياة البشر الآخرين، كالهيمنة على الإعلام الذي يمكنهم من التحكم في إيقاع الحياة اليومي والمؤسسات المالية التي تسهل لهم صياغة التوجهات العامة للوظائف المتوافرة والتمويل ونوع وكلفة المنازل التي يتم بناؤها، وذلك في المحصلة يجعل حياة المرء مرهونة لهم.

وثالثتها تتعلق بعدالة وإنصاف المؤسسات، فعدم المساواة يشد من ساعد عدم عدالة النظام السياسي، فهو يتيح للنخبة الغنية احتكار الناخبين، ومن ثم القرار السياسي، فيجعل يدهم هي الطولى في انتقاء المرشحين وشاغلي الوظائف العليا، كما أنه يحطم الفرص الاقتصادية حين يتيح لأبنائهم وحدهم الحصول على تعليم راقٍ وعلى المزايا الكبرى في النظام تاركاً أبناء البقية ينتظرون بـ "سينيكية" مذهلة مصائر اجترحوها لهم.

back to top