إيران... وسيناريو محتمل!
بعد الاتفاق النووي الغربي الإيراني، وبعد بدء الإفراج عن الأموال المحجوزة لدى البنوك الغربية ورفع الحظر عن كثير من الأنشطة الاقتصادية الإيرانية، ضروري أن أموالاً طائلة ستجد طريقها إلى الخزينة الإيرانية، إضافة إلى أن أنشطة اقتصادية متنوعة وكثيرة ستدار وتدور رحاها في الداخل الإيراني، وهذا التغير أو النقلة المادية الكبيرة بعد سنوات طويلة من الحصار أو ما نستطيع أن نسميه "العوز" والفاقة، هو ما يجعلنا نضع هذا السيناريو المحتمل للسياسة الإيرانية المقبلة.ولعل من المحتمل أن إيران وقياداتها والمؤسسات الفاعلة فيها ومراكز القوى التي تتحكم في القرار السياسي داخلها ستلتهي وتنشغل بتلك الثروة القادمة والأموال الطائلة التي باتت تدخل خزينتها، وما يتبع ذلك من عقود وصفقات وتنفيذ مشاريع داخل إيران وإعادة هيكلة البنية التحتة التي تهالكت خلال سنوات الحصار، هذا الانشغال والالتهاء سيبعد إيران عن دعمها أو تدخلاتها في دول الإقليم، وستكف يدها عن كل الأحزاب أو الميليشيات العاملة بدعمها سياسياً ومادياً في كثير من دول المنطقة، وستنسى أهدافها التوسعية في دول الإقليم! هذا هو السيناريو الذي نظنه محتملاً للسياسة الإيرانية المستقبلية خارجياً، لكن ما مبررات هذا الظن؟ هناك عدة عوامل تدعونا لتبني هذا السيناريو كحالة متوقعة للسياسة الخارجية الإيرانية مستقبلا.داخل إيران ووفقا لنظامها الدستوري، هناك كثير من المؤسسات الدستورية ومراكز القوى التي بات من الواضح تصارعها مع بعضها، وتباين وجهات نظرها حيال كثير من المسائل، بل من الواضح جدا صراع هذه الأجنحة في كل القضايا الداخلية والخارجية ابتداء من مؤسسة المرشد العام الذي يتبع له الحرس الثوري وكل المؤسسات الإعلامية وفق نصوص الدستور الإيراني، مرورا بمؤسسة الحكم ورئيس الجمهورية، والحال ذاتها بمؤسسة مصلحة تشخيص النظام، أضف إلى ذلك كثيرا من المؤسسات الدستورية والدينية التي تخوض مع بعضها حربا نحو فرض الهيمنة على القرار الإيراني. إيران دولة مثلها مثل كثير من الدول التي يشاع فيها أو تبث أخبار وتقارير ومستندات تتهم المسؤولين وأرباب السلطة بالفساد، وتلقي الرشا والتربح على حساب صفقات الدولة ومشاريعها، هناك كثير من التقارير تشير إلى سقوط كثير من المتنفذين في إيران وأصحاب السلطة في وحل الرشا واستغلال المناصب وعقد الصفقات المشبوهة وبناء إمبراطوريات مالية كبيرة جدا من وراء استغلال النفوذ.في حالة الإنسان العادي كثيرا ما تتغير اهتمامات الشخص، بل حتى أصدقاؤه يتغيرون عندما تتغير حاله من الفقر إلى الغنى أو عندما يتقلد منصباً مهماً بعد أن كان موظفا عاديا، هذا التغيير قد يأتي بالسليقة لا بسوء نية أو تكبر، إذ إن الغني يلتهي بماله وأعماله والمسؤول يلتهي بموجبات وظيفته وأشغاله، فتتغير طبيعيا اهتماماته، بل قد يتغير حتى أصدقاؤه، وحال الدول مثل حال الإنسان العادي تتغير اهتماماتها وأصدقاؤها إذا تغيرت حالها، وبدأت بالثراء وعقد الصفقات وبناء المشاريع وذاق المسؤولون فيها حلاوة المال وتنعموا في كثرته من غير تعب!باختصار، مليارات قادمة وعقود وصفقات ومشاريع كبيرة، ومؤسسات حكم متناحرة ومختلفة، وسلوك غير سوي بالقيام بأعمال التربح وتلقي الرشا، حسب كثير من التقارير، كل هذا فعلاً قد يؤدي إلى أن تترك إيران كل ملفاتها في المنطقة وتترك دعمها لكثير من الميليشيات أو التدخلات وتنسى أصحابها القدماء لتتفرغ لجني المرابح وتضخيم الأرصدة الشخصية! فالمال يلهي صاحبه... سيناريو محتمل!