الدب الروسي يستبق صيف المنطقة ويرحل

نشر في 19-03-2016
آخر تحديث 19-03-2016 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر في الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار إلى مؤتمر جنيف أتى قرار روسيا بسحب الجزء الأكبر من قواتها من سورية ليلقي بظلاله على مجمل الأوضاع هناك وفي المنطقة بشكل عام، وقد ذهب أغلب المحللين للقول إن هذا القرار يعتبر اعتراضا روسيا على الشروط المسبقة التي طرحها النظام السوري على المجتمعين في جنيف بخصوص بقاء بشار الأسد في السلطة، وأظهر مدى التباين بين موقفيهما بهذا الصدد، ليس هذا فحسب بل يظهر أنه تباين في المواقف مع إيران أيضا، التي أكد مرشد ثورتها خامنئي قبل أيام أن الأسد خط أحمر.

يمثل مؤتمر جنيف الحالي بالنسبة إلى الأطراف الدولية (أميركا وروسيا والغرب) فرصة لا يمكن التفريط بها للتوصل إلى حالة استقرار معينة في الملف السوري، وقد حاولت أميركا والدول الغربية إظهار موقف استباقي قبل انعقاده، بإبداء نوع من الضغط السياسي من خلال تصريح ديميستورا حينما صرح بأن فشل اجتماع جنيف الحالي سيؤدي إلى تحويل الملف السوري بمجمله إلى مجلس الأمن، ويبدو أن روسيا تلقفت الرسالة وفهمتها بشكلها الصحيح، حيث إن ترحيلاً كهذا سيغير مجمل الوضع الميداني والسياسي الذي نجحت روسيا في تثبيته بسورية حسب مصالحها طوال الفترة الماضية، ويضعها أمام باب مفتوح على احتمالات كثيرة قد تفقدها كل تلك المكاسب.

كما قلنا سابقا فإن الهدف الرئيس من دخول روسيا القوي في الأزمة السورية كان للحفاظ على مناطق نفوذ لها في تلك الدولة، خاصة في مناطقها المطلة على البحر، ويبدو أنها حصلت على تطمينات أميركية وغربية بهذا الشأن، ليس على مجمل الأراضي السورية كما كان سابقا قبل الثورة السورية، بل في المناطق التي يراد لنظام سورية الحالي البقاء فيها مستقبلاً (وأعني بها المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام في الوقت الراهن سواء بقي بشار الأسد أو جيء بآخر من المدرسة الموالية لروسيا نفسها).

إن هذا الانسحاب الروسي سيفتح آفاقاً عديدة للحل في الأزمة السورية، بشكل يرضي جميع أطرافها المتصارعة، وهذا يعني استقرار الوضع الميداني الحالي وترسيخه، فالانسحاب الروسي هذا بوجود عملية سياسية بين فرقاء غير متجانسين سيرسخ الخريطة الموجودة الآن بشكل أكثر ويفتح الباب بشكل أوسع على الحل الفدرالي في البلاد، بحيث يسيطر النظام على المناطق التي تسيطر عليها قواته الآن، ويبسط الجيش الحر وفصائل المعارضة الأخرى (المتحالفة مع الغرب وأميركا) سيطرته على المناطق التي يسيطر عليها إضافة للمناطق التي يسيطر عليها "داعش" وجبهة النصرة بعد طردهما منها، وتحافظ الفصائل الكردية على المناطق التي تسيطر عليها في الوقت الراهن.

هناك عامل، وإن بدا للبعض أنه غير مؤثر، فإنه قد تحرك بالتنسيق مع التوجهات الأميركية في المنطقة، وهو العامل الإقليمي المتمثل بدور تركيا والسعودية، والتهديدات المستمرة التي كانتا تطلقانها في إمكانية تدخلهما البري في سورية، فهذه التهديدات، وإن كانت لا تؤخذ على محمل الجد، أثرت تأثيرا قويا على التوجهات الروسية، فأي مغامرة من هاتين الدولتين كانت ستعني تغيراً في مجمل الموازين الإقليمية، توضع فيها روسيا أمام تحديات عسكرية وسياسية واقتصادية قد لا تتحملها.

يبدو أن روسيا قد تخلت بهذا الانسحاب عن كل الشعارات التي كانت تطلقها بخصوص محاربتها للإرهاب في المنطقة، وسلمت هذه المهمة بالكامل إلى الطرف الأميركي والغربي، سواء في سورية أو العراق وحتى ليبيا، وهي بذلك تكون قد فتحت المجال لأميركا في أن تخطط لمستقبل المنطقة السياسي دون منافس.

*كردستان العراق– دهوك

back to top