لماذا نجحت السينما في مصر؟

نشر في 31-03-2016
آخر تحديث 31-03-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر هل لا تزال السينما أهم الفنون في اعتقاد الكثيرين، أم أن أدوات التواصل الاجتماعي والتلفزيون وغيرهما سبقتها؟

صدر في بيروت مؤخراً عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب للناقد "إبراهيم العريس" بعنوان "السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للأفلام"، في نحو 500 صفحة، في هذا الكتاب يقدم المؤلف قراءة تحليلية ونقدية لمئتين وعشرين فيلماً، تنتمي إلى عدد كبير من البلدان العربية، تقول صحيفة الحياة، 15/ 1/ 2016، "وإن كانت مصر تحتل الحيز الأكبر في إنتاج الأفلام".

لقد تنافست مصر ولبنان بنجاح كبير ولسنوات طويلة في العديد من مجالات الفن والثقافة، كالغناء ونشر الكتب والصحافة والندوات وغيرها، وكان لبنان بانفتاحه القديم نسبياً والواسع على أوروبا والمهاجر في أميركا اللاتينية، وحيوية الطوائف المسيحية المختلفة، والحريات الديمقراطية، وتحرر المرأة اللبنانية وغير ذلك، يرشحه لأن يكون أعظم استديو للسينما العربية والشرق الأوسط، ولكن مصر اكتسحت كل السينما العربية بمراحل، وصار اللبنانيون يظهرون فيها، والإيرانيون يترجمون أفلامها، وتصل نسخ من هذه الأفلام إلى الكثير من الدول الإسلامية والدول النامية في كل القارات... فلماذا؟

لم أطالع بعد كتاب الناقد الفاضل إبراهيم العريس، ولكني تساءلت دائماً عن الأسباب المحتملة لهذا التفوق المصري فوجدت أن منها ربما حجم مصر كسوق قائمة مستقلة، فكانت السينما المصرية كالسينما الهندية تعتمد على نفسها وجمهورها، وتتعامل داخل حدود بلادها بمئات الملايين من الروبيات" والدولارات، حتى اضطر العالم بأسره أن يعترف بها ويسميها أفلام بوليوود، ولا يرى بأسا في نقاط ضعفها وقلة إمكاناتها مقارنة بأفلام هوليوود.

وكانت السينما العربية المصرية إلى جانب السوق المحلية، تستفيد من أسواق العالم العربي وغيرها، وإن كان غائباً عني مدى انتظام الدفع والعملة المستخدمة وصرف المبالغ المستحقة وتنظيم عملية تأجير الأفلام للعرض في المنازل مثلاً.

ثاني عوامل نجاح السينما المصرية في اعتقادي، المخزون الواسع من الممثلين والممثلات، والمخرجين وسائر الفنيين في مجال السينما والمؤلفين وغيرهم، كما استفادت السينما المصرية من الزخم الهائل في التراث الشعبي والفولكلور وتنوع المواسم الشعبية والدينية، وما فيها من حفلات ذكر ورقص وتنوع في التعبير.

ومع امتزاج فن السينما بالسياحة إلى مصر، وبالتطورات السياسية التي برزت كذلك فيها منذ عام 1952 وغيرها، واتساع أسواق السينما المصرية، تعززت مكانة الممثلين والممثلات في الأفلام المصرية، وصار جمهورهم خارج مصر ينافس من هم في داخلها، وغدت شخصيات كفريد شوقي ومحمود المليجي وعماد حمدي وأنور وجدي وإسماعيل ياسين وكمال الشناوي وشكري سرحان والكثيرين غيرهم من الممثلين من الشخصيات المعروفة في كل منزل خليجي أو عراقي أو سوري إلى المغرب، ولم تبرز في كل دول العالم العربي، بما فيها لبنان وسورية والعراق مثلاً طاقات رجالية مماثلة في مجال التمثيل. وكان للممثلات المصريات دور أكبر أهمية في مجال التأثير الاجتماعي والقيمي، فشخصيات نسائية مثل فاتن حمامة وشادية ونادية لطفي وسعاد حسني ونجلاء فتحي وماجدة، ومريم فخر الدين، وأخريات كثيرات ممن مثلن مختلف القصص والأدوار، ولبسن مختلف أنواع الفساتين، وتصرفن مراراً وتكراراً على شاشة السينما كفتيات ونساء عصر جديد، تركن آثارا عميقة في فكر وسلوك وقيم ملايين النساء في العالم العربي، وتأثرت كذلك من خلالها قيم الأسرة والزواج والتعارف وحرية المرأة... وغير ذلك كثير في لبنان نفسه وعموم دول الشام!  ووفّرت البيئة المصرية جغرافياً، من مدن وقرى وأرياف وصحاري ومناطق جبلية وعرة وسواحل بحرية ونهر النيل، تنوعاً مشوقا اجتذب المشاهد المحلي والعربي، فقد وجدت المجتمعات الخليجية تماثلاً في بعض الأفلام مع البيئة الصحراوية والبحرية المحيطة بها، ووجدت المجتمعات الزراعية أشياء مماثلة، وكان تأثير أفلام المدينة، وهي أغلب الأفلام المصرية، بالغ الانتشار في كل مكان.

وجمعت بعض الأفلام المصرية حياة وقيم الصحراء بقيم تراثية وبطولية كالشريط السينمائي الذي لا يزال يثير في نفوس الكثيرين الذكريات مثل فيلم "عنتر وعبلة"، وهكذا ربطت الأفلام المصرية الريف بالمدينة والمدن الساحلية بالمدن الداخلية، ونبهت الأذهان إلى مشاكل مختلف المناطق وهموم مختلف الطبقات وعيوب وثغرات القوانين.

وكان للأفلام الفكاهية كذلك دورها الترفيهي الذي لا يزال حياً في بعض هذه الأفلام، ومما أعطى للثقافة السينمائية أهمية فائقة بلا شك واقع الأمية، وصعوبة مخاطبة الجماهير، وصعوبة المواصلات والاتصالات.

ومما ساعد في تفوق صناعة السينما المصرية تعزز الدولة المركزية والاقتصاد الموجه، وتبني النظام الثوري الناصري جملة من الأهداف السياسية والاجتماعية، ورعاية الدولة لمفاهيم ثقافية تعزز دور السينما والفنون الجماهيرية عموماً ومحاولة الاقتداء بالمدارس الفنية في الدول الاشتراكية. وهكذا لم تجد السينما المصرية منافسة حقيقية من الدول العربية الأخرى التي تبنت بعض الأفكار الراديكالية في الفن والثقافة، كسورية أو الجزائر والعراق واليمن، ولكنها افتقدت كلها ما كانت السينما المصرية تتمتع بها.

كما وجدت السينما المصرية، لدور مصر القيادي سياسياً، سهولة ملحوظة في احتضان المواهب داخل مصر وخارجها ومخاطبة شعوبها، ولم يكن هذا ممكناً سياسياً وفنياً للسينما اللبنانية مثلا.

وتمنعت مصر كذلك بصناعة سينمائية عريقة منذ بدايات القرن العشرين، وبوجود بنية تحتية من استوديوهات وعمالة فنية مدربة وحركة مسرحية وغنائية والكثير من المؤسسات الترفيهية التي دفعت بالسينما المصرية إلى الإمام.

استعرض المؤلف "علي أبو شادي" وقائع السينما المصرية، كما عنون كتابه الصادر عام 2004 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليغطي الفترة من 1895، وهو عام ظهور السينما في العالم، عندما قدم الشقيقان الألمانيان ماكس وأميل سكلا- دانوفسكي، أول عرض سينمائي في العالم بمقهى "الحديقة الشتوية بمدينة برلين، فشاهد الجمهور الألماني فيلم "صورة حية" في الأول من نوفمبر من ذلك العام، وقد تكوّن الفيلم من تسعة أجزاء تبلغ مدة عرضها سبع دقائق، تصور عروضاً بهلوانية شائقة.

أما باريس فقد شهدت في الثامن والعشرين من ديسمبر في السنة نفسها أول عرض سينمائي للجمهور، وقد قدمه الأخوان "لوميير" في الصالون الهندي بالمقهى الكبير "جران كافيه"، وهو التاريخ الرسمي لبداية السينما في العالم. ومما يسجل للسينما المصرية أنها بدأت في العالم التالي، أي 1896!

ففي يوم الخميس 5 نوفمبر 1896، يقول علي أبو شادي، وهو ناقد سينمائي معروف ومؤرخ ومؤلف للعديد من الكتب عن السينما، "تم أول عرض سينمائي في مصر، في بورصة طوسون بالإسكندرية، وهو بداية تاريخ السينما في مصر"، وفي نهاية الشهر نفسه، يوم 28، نوفمبر 1896 "تم أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في صالة حمام شنيدرة".

وقد نشرت بعض الصحف ومنها "لاريفورم" الصادرة في مصر بالفرنسية في 1/ 12/ 1896 ما يلي: "دعا مسيو هنري ديللو سترولوجو مساء السبت الماضي صفوة مجتمع القاهرة إلى حفل افتتاح سينماثوغراف السادة أ. ول- ليميير، صاحب الامتياز في مصر، ولقد حاز هذا العرض المثير للاهتمام إلى أقصى درجة، إعجاب ودهشة المتفرجين الأفاضل".

ومضت الصحيفة تصف ما حدث فقالت: "توالت 15 صورة من موضوعات مسلية وناجحة الى حد الكمال، منتجة مناظر حية ومتحركة، أثار واقعها الرائع التصفيق الذي تستحقه، وكانت جميع النمر- أي الفقرات- مضرباً للمثل، حاز التقدير منها منظر نزاع الأطفال، التنين يعبر نهر السون، وصول القطار إلى محطة ليون، هجوم فرقة المدرعات، حمامات ميلانو".

وبعد شهرين من هذه التجربة السينمائية الافتتاحية، عرض أول دار عرض سينمائي واسمها "سينما توجراف لوميير" بشارع محطة مصر بالإسكندرية، في يوم السبت 30 يناير 1897، وبعد مرور عدة أشهر، تم افتتاح أول دار عرض سينمائي في القاهرة، في 3 أبريل 1897.

ومن الأحداث السينمائية المهمة التي يؤرخها كتاب "وقائع السينما المصرية" للناقد والمؤرخ "علي أبو شادي" عرض أول فيلم صُوّر في مصر "فقد وصل مسيو بروميو موفداً من "دار لوميير" بفرنسا إلى الإسكندرية، وباشر في 10 مارس 1897 تصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المشاهد في مصر، وكان أول فيلم هو "ميدان القناصل بالإسكندرية" أو ميدان محمد علي، ووصل عدد الشرائط إلى 35 شريطاً. وهذا التاريخ، يقول أبو شادي، "هو بداية تاريخ السينما المصرية أو التصوير السينمائي في مصر.

وفي الكتاب إشارتان عن بداية السينما الناطقة في مصر، ففي ص 26 من الكتاب يحدد أبو شادي الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 1906 لأول عرض سينمائي ناطق بمحلات "عزيز ودوريس" بالإسكندرية، وتم العرض بطريقة شركة جومون التي تعتمد على الاستماع إلى أسطوانة متزامنة مع شريط الصورة، ويقول المؤلف ص 66، إن عرض أول فيلم سينمائي ناطق في العالم وهو فيلم "مغني الجاز"، وكان في نيويورك في 6 أكتوبر 1927.

سنرى الخطوات الأساسية للسينما المصرية... وبدايات الرقابة!

back to top