بعيدا عن السياسة ... 21 مارس

نشر في 25-03-2016
آخر تحديث 25-03-2016 | 00:01
 د. محمد لطفـي 21 مارس يوم من أيام السنة الميلادية له مكانة خاصة في عالمنا العربي، فهو يوافق بداية فصل الربيع، فصل الجمال والزهور، وأجمل ورود العالم لا تضاهي ابتسامة أم مع وليدها، لذلك فهو أيضا يوم الأم أو عيد الأم (بالمعنى اللغوي للعيد لأنه يعود كل عام)، وكان الصحافي المصري الراحل علي أمين أول من دعا للاحتفال بالأم في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، وبدأ الاحتفال به فعليا في مصر في 1956 (سنة مولدي) وكان الاحتفال بيوم للأم تقليدا متبعا في أميركا منذ بداية القرن (1908)، وتختلف دول العالم في توقيت الاحتفال بعيد الأم.

في طفولتي وشبابي، قبل أن ترحل أمي، كنت أترقب يوم 21 مارس وأنتظره بلهفة وأتمنى لو تكرر كل شهر بل كل أسبوع لأستغله (بصراحة كنت بتلكك) لأعبر لأمي عن سعادتي بوجودها وفرحي بها، ومنذ فارقتني منذ أكثر من 25 عاما لم أعد أترقبه، بل لم أعد أتمنى وجوده أصلا، وأتمنى لو اختفى من التقويم السنوي، فيأتي 22 مارس مباشرة بعد العشرين منه.

بالتأكيد لست أنانياً ولا أسعى إلى حرمان غيري من الاحتفال بأمه والتعبير عن سعادته وفرحه وتقديره لها، ولكني فقط أعبر عن اشتياقي لها وحزني لفراقها، ولا يخفى على أحد أن الاحتفال بالأم في يوم ما لا يعني أبدا أن نقصر في طاعتها وبرها باقي العام، أو أن يقتصر البر والطاعة على هذا اليوم، فبرها وطاعتها أمر من الله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين، ولكن في هذا اليوم تشعر الأمهات بالفرح والسعادة والمكانة والتقدير من جانب الجميع، فلماذا يريد البعض حرمانها من هذا الشعور ورفض الاحتفال، في حين يصمت هؤلاء تماما في احتفالات أخرى كالعيد الوطني ويوم المعلم والطبيب والشهيد... إلخ؟ وإن كان البعض يتخوف أن يتحول الاحتفال بمرور الوقت إلى قاعدة ويقتصر تكريم الأم وبرها على يوم واحد فهذا خطأ في الفهم يعالج بالشرح والتفسير، وبيان الصواب والخطأ لا الرفض والمنع.

الأم لها منزلتها العالية والغالية والجنة تحت قدميها، وبرها وطاعتها طوال العام، ولكن كل ذلك لا يمنع من تحديد يوم يعبر فيه الأبناء عن سعادتهم وفرحهم تماما كما نعبر عن انتمائنا وإخلاصنا لوطننا في العيد الوطني، وبالتأكيد وفاؤنا له طوال العمر، وباختصار البر بالأم فرض أمر به الله سبحانه وتعالى، أما كيفية البر فمختلفة ويجوز فيها الابتكار ومنه كان الاحتفال بيوم الأم.

أمي:

منذ رحلت ورغم نجاحاتي وفرحي فإن سعادتي دائما منقوصة، فكنت أتمنى وجودك لتكتمل سعادتي وتعلو ضحكتي وابتسامتي.

 أمي: لا أملك الآن إلا الدعاء لك. فاللهم بكل زفرة ألم في ولادتي نقّها من ذنوبها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم بكل دمعة قلق سالت على خدها باعد بينها وبين خطاياها كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم بكل ليلة سهر قضتها بجانبي أنر قبرها بضياء ونور لا ينطفئ أبدا، اللهم بكل دعاء رفعت يدها تدعو لي أنزلها منزلا مباركا مع النبيين والصديقين والشهداء، اللهم بكل حرف علمتني إياه ارفع منزلتها وأكرم نزلها واغفر ذنبها.

وختاما، نصيحة لكل ابن وابنة: أترى لو أن عندك كنزا كبيرا من الذهب والفضة والمال أكنت تغفل عنه؟ أكنت تتركه لغيرك يسهر عليه؟ إن أمك كنز عظيم في البيت كنز من الرحمة والحنان، كنز من البركة والعطاء، كنز من الحسنات والثواب، فالزم كنزك وحافظ عليه واحرص على برها وطاعتها والعمل على راحتها وإسعادها، وكل عام وجميع الأمهات بخير وسعادة.

back to top