الدبلوماسية وسيلة تخدير في سورية

نشر في 23-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 23-02-2016 | 00:01
 فريد حيات اعتقدَ كيري سابقاً أن السلام كان في متناول اليد، ففي ربيع 2013 خرج من اجتماع في موسكو ليثني على بوتين بعد موافقته على التعاون بغية وضع خطة "تفرض على الحكومة والمعارضة السوريتين تحديد الأطراف التي ستشكل لاحقاً الحكومة الانتقالية"، والواقع أن الوضع في سورية طوال خمس سنوات من الحرب تحوّل من مريع إلى كارثي.

خطر سؤال على بالي عندما كنت أستمع إلى وزير الخارجية الأميركية جون كيري وهو يتحدث عن "النجاح الأخير" الذي حققته المفاوضات مع روسيا وغيرها في الشأن السوري، فقد ذكر كيري أن هذه المحادثات أدت إلى اتفاق "لوقف الأعمال العدائية".

أخبر كيري رؤساء وزراء، وجنرالات، وغيرهم ممن حضروا مؤتمر ميونخ للأمن يوم السبت: "هذه اللحظة المنتَظرة. هذه النقطة المفصلية. فقد تنهي القرارات، التي تُتخذ في الأيام والأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، الحرب في سورية أو قد تحدِّد مجموعة صعبة من الخيارات للمستقبل".

اعتقدَ كيري سابقاً أن السلام كان في متناول اليد، ففي ربيع عام 2013، خرج من اجتماع في موسكو ليثني على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد موافقته على التعاون بغية وضع خطة "تفرض على الحكومة والمعارضة السوريتين بالتراضي تحديد الأطراف التي ستشكل لاحقاً الحكومة الانتقالية"، وفي شهر نوفمبر، أعلن كيري أن سورية "قد تكون على بعد أسابيع فحسب" عن "عملية انتقال كبيرة".

ولكن مع حلول النقاط المفصلية وانقضائها طوال خمس سنوات من الحرب، تحوّل الوضع في سورية من مريع إلى كارثي، فمن المؤكد أن حصيلة الوفيات التي بلغت منذ زمن 250 ألفاً، قد تخطت هذا العدد بأشواط، كذلك أُرغم أكثر من نصف مواطني أمة تعدّ 22 مليون نسمة على ترك منازلهم، مع نزوح أكثر من 4 ملايين إلى خارج البلد كلاجئين، فأدت الهجرة الجماعية الناجمة إلى ما دعاه كيري "أفظع أزمة إنسانية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية" و"خطراً شبه وجودي... يهدد السياسات ونسيج الحياة في أوروبا".

وبينما كان كيري يناقش آخر التطورات الدبلوماسية، راحت الطائرات الحربية الروسية تقصف المدنيين في مدينة حلب وقطعت خط إمدادها، مما زاد بالتأكيد احتمال محاصرة المدينة وإرغام أكثر من 400 ألف شخص على الهرب أو مواجهة المجاعة، التي تشكل المناورة المفضلة لدى الحاكم السوري وحليف بوتين، بشار الأسد.

نتيجة لذلك، قال لي السفير الأميركي السابق نيكولاس بورنز، الذي شارك أيضاً في المؤتمر: "ينجح بوتين في خداعنا في سورية. نتعرض للإذلال، فقد خسرنا وجودنا الاستراتيجية وتخلينا عن دورنا القيادي".

دفعني كل هذا إلى التساؤل عما إذا كان كيري يمكّن، لا بوتين أو الأسد، رئيسه باراك أوباما بحد ذاته.

عندما استلم كيري منصبه خلال ولاية أوباما الثانية، كان مقتنعاً بأن من المستحيل إنهاء الحرب في سورية، التي كانت تمزق هذا البلد منذ سنتين، إلا من خلال التسوية السياسية، وبأن من الضروري تقوية المعارضة قبل أن يرضى النظام بالتسوية.

على نحو مماثل، أيّد كبار مساعدي أوباما خلال ولايته الأولى تقديم دعم أكبر للثوار السوريين، لكن أوباما استخلص مراراً أن اتخاذ خطوات عملية، مثل المزيد من التدريب، وإنشاء منطقة حظر جوي، ومدّ المعارضة بأسلحة أكثر فاعلية، يحمل مخاطر تفوق ما ينطوي عليه الوقوف مكتوف اليدين.

نتيجة لذلك لم يتبقَّ لكيري إلا الدبلوماسية: دبلوماسية افتقرت إلى أوراق مناورة قوية، فأمل وزير الخارجية مراراً أن تقتنع روسيا وإيران، راعيتا الأسد، برؤية العالم من منظار الولايات المتحدة، لكن روسيا خدعت الأميركيين مراراً، فيما واصلت تنفيذ مآربها، مرغمةً كيري على التراجع تدريجياً، فتخلى، مثلاً، عن إصراره على مغادرة الأسد السلطة كخطوة أولى في التسوية.

 قد تقول إنه حاول على الأقل، وإن جهوده قد تثمر هذه المرة... أنا معجب بعناد كيري وإصراره، لكن الدبلوماسية، التي تحمل بشكل دائم وكاذب احتمال إحراز تقدّم وشيك، قد تتحوّل في النهاية إلى غطاء وعذر للوقوف مكتوفي الأيدي. لا شك أن الخيارات التي كانت متوافرة لأوباما منذ البداية خطيرة، وربما ما كان أي منها سيأتي بفائدة، وربما كان أوباما محقاً بامتناعه عن منح الثوار صواريخ لإسقاط الطائرات المروحية التي تلقي براميل متفجرة على الأحياء المدنية، وربما ما كانت المناطق الآمنة لتنقذ أوروبا من أزمتها "شبه الوجودية" الحالية، لكن سراب التوصل إلى سلام من خلال المفاوضات ساهم في إعفاء الإدارة الأميركية (والكونغرس والأمة) من مناقشة تلك الاحتمالات بجدية، في حين كانت إحدى أفظع الكوارث الإنسانية والاستراتيجية في زمننا تتطور.

نرى حالة مشابهة من تحوّل الدبلوماسية إلى مخدر في الجانب الآخر من العالم، حيث تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين، في حين تمضي كوريا الشمالية قدماً لتصبح دولة نووية بكل معنى الكلمة، مع أن سياسة الولايات المتحدة تقضي بعدم السماح لهذا البلد بأن يطور قدرة نووي. إليك المنطق المتَّبع في هذه المسألة: تتمتع الصين وحدها بنفوذ في كوريا الشمالية، ولا شك أن من مصلحة الصين أن تمنع كوريا الشمالية من تطوير قدرة نووية، لذلك يكفي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الصين للضغط على كوريا الشمالية.

قد يبدو هذا المنطق مقبولاً، إلا أنه خاطئ، فقد اتضح أن الصين تخشى عدم الاستقرار في كوريا الشمالية أكثر مما تخاف أسلحتها النووية، لذلك لم تثمر السبل الدبلوماسية، بيد أنها سمحت للإدارة بتفادي خوض مناظرة بشأن الخيارات المباشرة الأكثر صعوبة.

أعلن السيناتور جون ماكين (ممثل أريزونا الجمهوري) أنه لا يشاطر كيري آماله بشأن التوصل إلى اتفاق في سورية يسمح لروسيا بمواصلة القصف، وأكّد أن بوتين يطبّق مناورة "تسخير الدبلوماسية لخدمة اعتداء عسكري".

أضاف ماكين: "يبقى الأمر الوحيد الذي تبدّل في طموحات بوتين أن شهيته تكبر فيما يواصل الأكل، ومن المؤكد أن المنطق لن ينهي الصراع في سورية، بل تحتاج هذه الخطوة إلى الضغط والنفوذ".

* "واشنطن بوست"

back to top