عمر سي: أبتسم كي أطرد القلق!
عمر سي رجل سعيد، فهو زوج وأب مُكتَفٍ بحياته: انتقل من منطقة {تراب} الفرنسية إلى لوس أنجلس، تحديداً من استديوهات {كانال بلس} إلى هوليوود. ويبدو أن الحياة بدأت تبتسم له بقدر ما يحب أن يبتسم لها.يتميّز عمر سي بابتسامته الصادقة والسخية التي تزيد لمعان عينيه وتثلج قلوب المحيطين به. يتمتع أيضاً بروح مرحة تُعدي كل من حوله ويبدو أنها مفتاح السر الذي فتح له أبواب النجاح. حتى أكثر الأشخاص جدية لا يستطيعون مقاومة سحر هذه الابتسامة.
عمر سي ابن عامل سنغالي وخادمة موريتانية، وُلد في ضواحي باريس في عام 1978. سمحت له ابتسامته بخوض لقاءات جميلة رغم ظروفه الصعبة وبعقد صداقات حقيقية منذ الطفولة. اقترح عليه صديقه جمال الانتقال إلى الإعلام للترفيه عن الناس، فعمل في قناة {كانال بلس} ثم اشتهر بثنائيته الكوميدية مع فريد تيستو، فقدما معاً فقرات تسخر من شخصيات البشر. ثم شارك في أدوار صغيرة في السينما وصولاً إلى فيلم Intouchables (المنبوذون) في عام 2011. شاهده أكثر من 20 مليون شخص في فرنسا وعدد مماثل في الخارج، وسرعان ما تحوّل هذا الإنسان المرح إلى ممثل محبوب وأصبح الشخصية المفضلة لدى الفرنسيين. اليوم، يقيم عمر الذي يجسد معاني {الحلم الأميركي} في الولايات المتحدة لأجل مسيرته المهنية وعائلته. فهو أب لأربعة أولاد ومتزوج من هيلين التي قابلها حين كان في العشرين من عمره. لكنه ليس مضحكاً دوماً حين يؤدي دور الأب مع أولاده ويحرص على دعم زوجته التي أسست جمعية تُعنى بالأولاد والمراهقين المرضى. قد يظن كثيرون أن هذا المشهد المثالي جزء من خطة النجومية التي رسمها نجمٌ باع نفسه لهوليوود، لكنّ هذه الصورة العائلية الجميلة نشأت قبل أن يصبح مشهوراً، أي حين كان عمر كوميدياً مغموراً.ستكون أي مقابلة جدية وحميمة مع عمر سي فرصة جيدة للتعرف إلى هذه الشخصية المعقدة والمنفتحة وسريعة التأثر. قد يضحك طوال الوقت، لكنه لا يخفي حزنه أمام هذا العالم المضطرب. مقابلة مع عمر سي بمناسبة صدور فيلم Chocolat (شوكولاتة)...ماذا وراء ابتسامة الدائمة، وما هو مصدرها الحقيقي؟بدأتُ أضحك منذ الطفولة على ما أظن. كنت طفلاً منغلقاً على نفسي، لكن حين أرتاح مع الناس لا أكف عن الضحك. حين كبرتُ، تعلمتُ أن أجد سريعاً مكانتي بين الآخرين، فطغى هذا الجانب الضاحك على انغلاقي. لكني ما زلت خجولاً طبعاً!متى تكون خجولاً مثلاً؟حين أستكشف الأماكن أو الأشخاص. أبقى متحفظاً لوقت طويل فأراقب ما يحصل بصمت. بهذه الطريقة أكتشف الآخرين والحياة ويفيدني ذلك طبعاً في مهنتي...ألا يسمح هذا الوقت المخصص للمراقبة بتطوير فرح الحياة؟لا أعلم. لكني أحب الحياة كثيراً في مطلق الأحوال. هذه هي طبيعتي. لكن يرتبط هذا الجانب أيضاً بتربيتي على الأرجح. في ثقافتي العائلية الإفريقية، يسود هذا الرابط السعيد مع الحياة. منذ أيام المدرسة، لاحظتُ اختلاف بيئتي وجذوري واعتبرتُ هذا الوضع مصدر غنىً لي. لا أعلم السبب. أحب كل ما هو جديد وأشعر بأن السير نحو المجهول يعطيني فرصة للتقدم والتعلم والاغتناء.للسير نحو المجهول، يجب أن تتمتع بمستوى مرتفع من الثقة بالنفس، أليس كذلك؟أثق بنفسي لكن بحدود معينة... لدي شكوكي أيضاً، لكن تعزّز تلك الشكوك حجم الثقة. أظن أن هذا الميل إلى السير نحو المجهول يشتق من شعوري بعدم وجود خيارات أخرى أمامي، فقد أردتُ منذ سن مبكرة أن أتهرب من مصيرٍ حتمي. كنت مراهقاً حين بدأوا يكلموني، في المدرسة وفي أماكن أخرى، عما سأفعله بحياتي لاحقاً. ولاحظتُ سريعاً أن الخيارات التي يقدمونها لي محدودة جداً. فقررتُ ألا أكتفي بها وأن أوسع مشاريعي وأتجاوز تلك الخيارات الضيقة.يحمل جميع الشبان الذين تربوا في ضواحي باريس وفي عائلات متواضعة مثلك الطموح نفسه. لكن لا يصل الجميع إلى المستوى الذي بلغته أنت. ما الذي أحدث الفرق في حالتك؟كانت اللقاءات أساسية في حياتي، ولا داعي لتكون مهمة أو استثنائية، بل يكفي أن يحمل شخص عابر نظرة مختلفة عنا أو يبتسم لنا شخص لا نعرفه في الحافلة... قد تبدو هذه الفكرة ساذجة لكني مقتنع بأن هذه المبادرات يمكن أن تغير حياتنا لأن التبادلات أشبه بمعايير قد تقودنا إلى طريق مختلف إذا تنبّهنا لها. تتعلّق أهم العوامل بالعلاقات والتواصل والروابط مع الآخرين. حصلت أجمل لقاءاتي مع أستاذ رياضيات مدهش ومع جمال الذي شجعني على إطلاق مهنتي ومع فريد وزوجتي طبعاً...{شوكولاتة}يروي فيلم Chocolat (شوكولاتة) القصة الحقيقية لرافاييل باديلا، ابن عبدٍ أصبح أشهر مهرج أسود وحقق نجاحاً باهراً رغم نهايته المأساوية. كيف أثر بك مصيره؟أنا أشبهه من ناحية أننا غيرنا المصير الذي كان ينتظرنا لكن تتوقف المقارنة بيننا عند هذا الحد: يختلف الوضع بين أبناء المهاجرين وأبناء العبيد! نشأتُ في بلد أنتمي إليه وأشعر فيه بالحرية بينما اضطر رافاييل باديلا إلى سرقة حريته قبل أن يشعر في النهاية بأن محيطه لا يقبله.حين ينشأ الفرد في ضاحية فرنسية مثل {تراب}، ألا يشعر أحياناً بأنه {غريب} في بلده؟قد يشعر بذلك الآن، لا أعلم. لكنّ هذه الضاحية اليوم لا تشبه ما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة من حيث الشكل وأسلوب الحياة. أجدها غريبة بالنسبة إليّ اليوم ويحزنني هذا الوضع لكنها الحقيقة. أراد الصحافيون أن أرفع الصوت نيابةً عن تلك الضاحية لكني قلت لهم: {أنا لا أجيد أداء هذه الأدوار. اسمعوا صوت المقيمين هناك اليوم! أنا متأخر عنهم بعشرين عاماً!}.كانت نهاية رافاييل باديلا سيئة أيضاً لأنه لم يكن مستعداً لعيش هذا النجاح. هل كنت أنت مستعداً له؟لا ولا أعلم إذا أصبحتُ مستعداً اليوم. لم أقيّم ما حققتُه حتى الآن بموضوعية. لكن على عكس رافاييل باديلا، أنا محاط بأشخاص يدعمونني. ساعدني المقربون مني على تجنب الانجرار وراء النجاح. لذا قررتُ أن أستفيد من هذا النجاح إلى أقصى درجة كي لا أندم لاحقاً. قد لا تكون هذه المقاربة حكيمة جداً لكنها طريقتي لتقدير قيمة الحياة.لكنّ تقدير الحياة من دون التفكير بما سيحصل غداً يعكس سلوكاً حكيماً فعلاً. من علّمك هذه المقاربة؟سمعتُ هذه الأفكار في طفولتي حين كنت أجلس وسط حكماء مسنين في منطقتي أو في إفريقيا التي كنا نزورها دوماً. لضمان {مستقبل} مثمر، يجب أن نبدأ بعيش حاضرٍ مثمر. سرعان ما أثبتت لي تجاربي صحة هذه الفكرة.خوف... وماضٍما هو أكبر خوف لديك؟يخيفني التفكير بالغد: ما الذي سيحصل معي؟ لذا أسعى قدر الإمكان إلى التركيز على الحاضر. إذا كان المستقبل صعباً، لِأستفد على الأقل من الحاضر.هل أنت قلق بطبيعتك؟نعم على الأرجح. ربما لهذا السبب أبتسم طوال الوقت... كي أطرد القلق مني ومن الآخرين.أتصور أن النجاح يعزز هذا الخوف من المستقبل، أليس كذلك؟ إنه الخوف من الخسارة أو من تراجع المكانة المهنية... يعزّز النجاح كل شيء، بدءاً من الثقة وصولاً إلى الشكوك. لكن بالنسبة إلي، لا يتعلق الخوف من المستقبل بالنجاح، بل إنه خوف من المجهول.ماذا عن الماضي؟ هل تعود إليه كي تقيّم ما حققته؟لا. كنت أقول دوماً إنني سأقوم بهذا التقييم في عمر الستين. لكني أشعر بحنين قوي!إلى ماذا تحنّ تحديداً؟إلى الطفولة والماضي وكل لحظة عشتُها لأني أعلم أنها لن تتكرر... ولهذا السبب على الأرجح أبتسم امتناناً لكل لحظة من تلك اللحظات التي استمتعتُ بها ولن أعيشها مجدداً.الإيمان والقيمأنت مسلم مؤمن. ما هي مكانة الإيمان في حياتك؟الإيمان جزء مني ومن طريقتي في التعبير عن الحب وتقدير ما تقدّمه لي الأيام، لأن الإيمان في نظري يعني عدم الخوف من الحب والوثوق بالحياة وبالآخرين لدرجة تسمح لنا بتجاوز المخاوف والمبادرة إلى مقابلة الناس. قد أبدو مثالياً، لكني أؤمن بضرورة أن نذهب للقاء الناس بشكل عاجل ويجب أن نتبادل الكلام لإسقاط جميع مخاوفنا لأننا لا نملك خياراً آخر. أريد أن أطلق هذه الحركة: حركة الكلام والحب والتعبير. بعد اعتداءات باريس، تفوهنا جميعاً بعبارات عاطفية: {هذا البلد جميل جداً! أحبه كثيراً! يجب أن ندعم ونحضن بعضنا البعض}... لكن دام هذا الموقف لثلاثة أيام ثم نسينا كل شيء. يجب ألا ننتظر التعرّض لجروح عاطفية كي نحب بعضنا ونفصح عن حبنا.لنعد إلى شعائرك الدينية...إنها مسألة حميمة وشخصية. يعيش كل فرد دينه بطريقته الخاصة. لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه على الناس في هذا المجال.لديك أربعة أولاد يعيشون في الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات مثلك. لكن تختلف طفولتهم كثيراً عن طفولتك. كيف نحافظ على الحماسة والفضول وجميع القيم التي يجب أن يكتسبها الأولاد المحظوظون أكثر من غيرهم؟يمكن أن نشرح لهم في البداية أن التعايش مع ثقافات وديانات متعددة يعطيهم فرصة مهمة لأنه مصدر غنى لهم. علمني والدي أن التربية تزيد فاعليتها حين ترتكز على الأفعال أكثر من الأقوال. يشاهدني أولادي وأنا أجتهد في العمل، حتى لو اختلفت البيئة المحيطة بهم، لكنهم يلاحظون حجم التزامي بعملي والطاقة التي تبذلها والدتهم لأجلهم. يكون وقع هذه الأفعال أقوى من الكلام. هم يعرفون المكان الذي نشأتُ فيه وجذور أجدادهم وقد زاروا أفريقيا... كذلك يتعرفون إلى هويتهم انطلاقاً من هذه التجارب كلها. لم تساورني الشكوك يوماً بشأن هويتي، فقد شعرتُ دوماً بأنني فرنسي ولم أكن بحاجة إلى البحث عن أصلي. لكن كان عليّ في مناسبات عدة أن أثبت أنني فرنسي وهذان الوضعان مختلفان.هل تجدّد هذا الشعور لديك حين وصلت إلى الولايات المتحدة، بمعنى أنك مضطر مجدداً إلى إثبات أصلك؟لا، لأنهم فهموا طبيعتي فوراً. أنا ممثل له طابع فرنسي!هل سبق وزرت طبيباً نفسياً؟لا لكني أفكر بذلك. أحب أن يساعدني شخص آخر على ترجمة ما أشعر به أحياناً، مثل الخوف من الغد الذي تحدثتُ عنه. غالباً ما يسألونني عن ابتسامتي لكني لا أعرف إذا كنت أملك الجواب... هل تعتقد أن الطبيب النفسي يمكن أن يساعدني على إيجاد الجواب؟ [ينفجر بالضحك]نبذة عن فيلم Chocolatرافاييل باديلا (عمر سي) ابن عبد يعمل في سيرك البلدة حيث يؤدي دور الوحش {شوكولاتة} الذي يخيف الأولاد ببشرته السوداء وأسنانه البيضاء. أما {فوتيت} (جيمس تيريه)، فمهرج كبير بدأ يفقد بريقه ويحتاج إلى التجدد. في نهاية القرن التاسع عشر، يصبح {فوتيت} و}شوكولاتة} نجمَي السيرك الفرنسي ويشكلان ثنائياً شهيراً. من خلال تجسيد حياة باديلا، يكرّم رشدي زيم مهرجاً رائداً في مجاله، فقد كان {شوكولاتة} أول مهرج يقصد المستشفيات لإضحاك الأولاد. إنها قصة جميلة ويجسدها ممثلون ممتازون.«المنبوذون»شارك عمر سي بدور {إدريس} في الفيلم الدرامي الكوميدي الفرنسي {المنبوذون} إلى جانب فرانسوا كلوزيه بدور {فيليب}.العمل مبني على قصة حقيقية لفيليب، رجل أرستقراطي يملك ثروة طائلة أصيب بشلل رباعي نتيجة حادثة قفز بالمظلات، ويبحث عن مساعد له في حياته.يستأجر إدريس، شخص فقير يعيش على إعانات الضمان الاجتماعي ليرعاه ويعتني به، فيعطيه الكثير من الأمل والحب والتفاؤل، ويبدأ بالنظر إلى حياته من منظور جديد ومختلف.أخرج الفيلم كل من إيريك توليدانو وأوليفير ناكاش، وتصدر قائمة الأفلام الفرنسية والأجنبية، وأصبح الأكثر مشاهدة في فرنسا في عام 2011.كذلك حقق في 20 مارس 2012 أعلى إيرادات في فئة لغة أجنبية غير اللغة الإنكليزية بـ 281 مليون دولار، محطماً بذلك الرقم القياسي السابق المسجل باسم الفيلم الياباني {المخطوفة».«سامبا»{سامبا} أحد أهم وأروع الأعمال السينمائية الفرنسية التي تتناول موضوع المهاجرين غير الرسميين في فرنسا والظروف التي تحيط بهم. وهو أثار قلم النقاد الذين أشادوا به بسبب تأكيده عمق المضمون الذي يطرحه.أخرج الفيلم الثنائي اولفييه نقاش وايريك توليدانو، مشكلاً تعاونهما الثاني المشترك مع النجم عمر سي.يتناول {سامبا} قصة المهاجر السنغالي سامبا سيسيه، وهو كان قد هاجر إلى باريس منذ عشرة أعوام ويناضل أملا بالحصول على الإقامة والأوراق الرسمية، ذلك بعد أن تدرج في العمل بمختلف الوظائف الصغيرة بحثا عن لقمة العيش الكريمة. ومن خلاله، نتعرّف إلى شرائح مختلفة من المهاجرين العرب والأفارقة .وفي رحلة سامبا، يرافقه مهاجر عربي يؤدي دوره النجم الفرنسي ذو الأصول الجزائرية طاهر رحيم.يمزج الفيلم بخطوطه الدرامية البارزة قسوة الواقع بسخرية قاسية لا تخلو من وجع، فنرى كيف يواجه المهاجر الأبواب الموصدة والدهاليز المعتمة، حيث الأمل يكاد يكون معدوماً.بالإضافة إلى سامبا، تتحرك الشخصيات الأخرى في إطار ظروف المهاجرين وأحوالهم وقضاياهم، لا سيما أن هذه القضية التي تستوجب اهتماماً رسمياً وشعبياً، ما انفكت ترواح مكانها رغم الجهود والعمل الدؤوب الذي قام به سامبا وصديقته في الفيلم (النجمة شارلوت جونسبورغ)هو حلم المهاجرين بأرض تحضنهم، ومستقبل يطمحون فيه، وحياة يريدونها سعيدة بعيداً من مناطق الصراعات والموت والمجهول.أبدع عمر سي في الفيلم وكان خير ممثل يؤدي دوره بإتقان فأوصل الشعور، كما الرسالة، إلى الجمهور والنقاد.