المليارديرة الصينية تشانغ شين: النموذج القديم لم يعد نافعاً!

نشر في 31-01-2016 | 00:00
آخر تحديث 31-01-2016 | 00:00
يعكس مسار تشانغ شين (50 عاماً) التي أصبحت رائدة في مجال العقارات قصة نجاح تقليدية في الصين المعاصرة. في شبابها، عملت في خطوط التجميع في مصانع القماش والإلكترونيات قبل أن تقصد إنكلترا في عمر التاسعة عشرة كي تصبح أمينة سر دولية. ثم نالت شهادات في الاقتصاد وعملت كمصرفية استثمارية في لندن وفي {وول ستريت». عادت إلى بكين في عام 1995 وأسست الشركة التجارية «سوهو تشاينا» لتطوير العقارات مع زوجها شايي بان. تتحدث تشانغ أيضاً عن المسائل الاجتماعية والسياسية دوماً مع أنه سلوك غير مألوف بالنسبة إلى رواد الأعمال الصينيين.

جلست شين مع مراسلين من صحيفة {شبيغل} في بكين لإجراء المقابلة في حين كانت تستعد للسفر إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا.

تناقش المليارديرة الرائدة في مجال العقارات انهيار السوق حديثاً ونهاية طفرة البناء في الصين... وإلى التفاصيل

لو كان الاقتصاد الصيني شركة أنتِ مديرتها، كيف كنت لتجعلي شركتك تتماشى مع متطلبات المستقبل؟

لا يمكن أن يطوّر أي اقتصاد أو شركة أو فرد قدراته الكاملة اليوم من دون تبني نزعتين أساسيتين: العولمة والرقمنة. ومن المتوقع أن تطغى هاتان النزعتان خلال فترة طويلة مستقبلاً.

ما معنى ذلك بالنسبة إلى الصين؟

يعني ذلك أن البلد يحتاج إلى متابعة الانفتاح والتواصل. ويجب أن يدرك أن العالم أصبح قرية واحدة. اليوم لم يعد مفهوم العزلة القديم، أي فكرة أن نحلّ مشاكلنا بنفسنا، نافعاً على المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية. تعني العزلة غياب النمو. نشأتُ في الصين حين كان البلد معزولاً بالكامل. لكن انتهت تلك الحقبة الآن.

أدت دورة الازدهار والكساد في السوق خلال الصيف وفي بداية السنة إلى انهيار الثقة الخارجية بقوة الصين الاقتصادية. كيف تقيّمين هذا التقلب الحاد في أسواق الرساميل؟

لا يحب المستثمرون التقلبات. يشير وضع السوق إلى أنهم يحتاجون إلى الاستقرار ويريدون أن يعرفوا إلى أين يتجه الاقتصاد. إذا التزمت الحكومة بمتابعة {سياسة الباب المفتوح}، ستحتاج إلى ابتكار سياسات ملموسة وخطوات تنفيذية واضحة لزيادة الثقة.

تريد القيادة الصينية تحويل اقتصادها من اقتصاد مبني على الاستثمارات إلى اقتصاد مبني على الخدمات والاستهلاك. هل ستنجح هذه الخطة؟

في الوقت الراهن، لا يزال استهلاكنا صغيراً جداً من حيث الناتج المحلي الإجمالي. لكننا نسير في الاتجاه الصحيح.

يتساءل عدد كبير من مراقبي الوضع الصيني عن نسبة نجاح هذا التحول.

لا تتعلّق المسألة الأساسية بنجاح الخطة أو فشلها بل بسرعة تنفيذها. سيحصل تغير بنيوي. حين يزدهر الاقتصاد، يأتي وقت نعجز فيه عن الاتكال على الاستثمارات وحدها. لقد مررنا بتلك المرحلة وبدأت عائدات الاستثمار تتلاشى تدريجياً لذا يجب أن نغير الخطة. النموذج القديم لم يعد نافعاً. يتعلّق العامل المحوري بسرعة التحرك.

نموذج مهني

شركتك واحدة من أكبر الشركات العقارية في الصين. كيف تغيّر نموذجك المهني على مر السنين؟

منذ 20 سنة، كنا نكتفي ببناء الأكشاك. أما اليوم، يعمل مهندسون من أنحاء العالم معنا: زها حديد من لندن؛ غيركان، مارغ وشركاؤهما من هامبورغ؛ كينغو كوما من اليابان. لقد جلبنا التصاميم والرقمنة من الخارج إلى الصين.

مقارنةً بهذه الأسماء، كيف بدأتِ مسيرتك؟

حين بدأنا العمل، كنا من بين الرائدين في هذا المجال. لم تكن بكين تشمل أي مبانٍ ضخمة وكان عددها قليلاً جداً في شنغهاي. في تلك الفترة، كان كل شيء يتمحور حول البناء، ثم صبّ التركيز على البيع. كنا نعمل وكأننا شركة تصنيع. لكن سرعان ما أدركنا أن الأراضي في بكين وشنغهاي بدأت تنفذ. لذا بدأنا نحتفظ بالمباني ونديرها ونؤجّرها. هكذا أصبحنا من أصحاب الأراضي. هذه هي المرحلة الثانية.

ماذا حصل بعدها؟

انتقلنا إلى المرحلة الثالثة. زاد الاقتصاد الصيني تعقيداً. اليوم، يرتفع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل بطريقة مختلفة عن الشركات الكبرى التي تملكها الدولة. لا تتبع هذه الشركات أي خطة مهنية طويلة الأمد ولا تستأجر مساحات للمكاتب طوال سنوات. بل إنها تنشأ وتحتاج إلى مكتب فوري لمدة أسبوع أو شهر أو نصف عام، وتريد أن تتواجد بين رواد الأعمال الآخرين. يشمل المستأجرون اليوم شركات مثل {أوبر} ومكاتب سيارات الأجرة وموقع Meituan.com، النسخة الصينية من {غروبون}، إلى جانب عدد كبير من الشركات المبتدئة. تعمل هذه الشركات بطريقة معاصرة، مثل عملائها تماماً، ما يعني أنها تستعمل شبكة الإنترنت وتبحث عن العروض وتأخذها.

اضطرابات وقلق

بعد الاضطرابات التي شهدتها البورصة، هل يفاجئك أن يبدأ الناس بالقلق؟

لا تكفّ الصين عن إدهاشنا. حين عدتُ من الولايات المتحدة منذ عشرين سنة، لم يتوقع أحد أن نصل إلى الوضع الراهن. ما حققته الصين يتحدى كل منطق. أنسب ذلك إلى العمل المجتهد وروح المغامرة لدى الشعب الصيني.

هل يمكنك أن تعطينا مثالاً على ذلك؟

أنا عداءة. في شهر أكتوبر الماضي، حصل ماراثون هنا في بكين. لم أشارك هذه المرة لكن أخبرني أصدقائي بأن السباق لم يكن منظماً جداً. وفّر المنظمون كميات طعام وماء تكفي لثلاث ساعات فقط. لكن لا ينهي معظم الناس السباق خلال ثلاث ساعات. قد يبدو هذا الوضع مؤسفاً بالنسبة إليهم. لكن حتى آخر الأشخاص الذين ينهون السباق يحصلون على ما يحتاجون إليه، لا سيما بعد أربع أو خمس ساعات من بدء السباق، أي حين يبلغ الطلب ذروته.

لماذا؟

لأن الناس على طول مسار السباق أدركوا ارتفاع الطلب على الإمدادات ووفّروها سريعاً. إنه أسلوب صيني بامتياز. في بلد منظّم مثل ألمانيا، لا يمكن أن تنشأ هذه المشكلة أصلاً. لكن في الصين يرصد الناس الفرص فوراً.

لا أحد يشكك باجتهاد الصينيين ومرونتهم، لكن هل تُعتبر هذه الصفات كافية لتجنب انهيار الاقتصاد الصيني؟

سيتباطأ النمو لا محالة. لكن لا بد من التساؤل: أين هي الفرص المتاحة اليوم؟ أشاهد بعض النزعات الإيجابية والسلبية. من الإيجابي أن تصبح إجراءات تسجيل الشركات أكثر بساطة في الصين، ومن المفيد أن يصبح سعر صرف العملة أكثر مرونة وأن يسهل على رجال الأعمال الصينيين السفر إلى الخارج. تعزز هذه التدابير كلها انفتاح اقتصادنا. لكن يسود قلق معين بسبب تأخير خطة إصلاح الشركات التي تملكها الدولة الصينية. نعرف جميعاً أن إدارة الشركات الخاصة تكون أكثر فاعلية من إدارة الشركات الحكومية. ينتظر الجميع تطبيق هذه الإصلاحات لأنها قد  تنشئ ديناميكية مفيدة.

هل تشعرين بالقلق من تسريح عدد كبير من الموظفين حين تبدأ الإصلاحات في الشركات المملوكة من الدولة؟

عمدت الصين إلى إصلاح قطاعها الحكومي في أواخر التسعينيات وتمّ تسريح عشرات ملايين الموظفين في تلك الفترة. كان الوضع مخيفاً وتلقينا تحذيرات من وقوع اضطرابات اجتماعية. لكن لم يحصل ذلك. بل نُفذت خطة لإعادة هيكلة نظامنا الاقتصادي. لست واثقة من أن الصين ستطبّق القواعد الغربية في هذا المجال.

ماذا تعنين بذلك؟

من جهة، بدأ العالم يصبح أكثر اندماجاً ويجب ألا نعتبر القيم الاجتماعية {غربية} لأنها قيم عصرية. ومن جهة أخرى، لكل دولة فردية تاريخها ومسار تطورها الخاص. لا يشبه دور نقابات العمال في الصين مثلاً ما تفعله في أوروبا أو الولايات المتحدة.

حقبة كاملة

رسمتِ مع رواد أعمال آخرين من جيلك معالم حقبة اقتصادية كاملة في الصين بما يشبه ما كان يُعرف بـ}عصر المؤسسين} في ألمانيا خلال القرن التاسع عشر. هل توشك هذه الحقبة على الانتهاء الآن؟

حين بدأنا العمل، لم نكن نظن أن حقبة الفرص الضخمة ستنتهي يوماً. كنا منشغلين جداً بتطوير شركتنا. لكن في الصين المعاصرة، يمكننا بناء مدينة، حتى لو كانت عملاقة مثل بكين أو شنغهاي، خلال 10 أو 15 سنة. ثم ينتهي المشروع. في عالم تطوير العقارات، انتهى {عصر المؤسسين}. لكن لا ينطبق ذلك على قطاعات أخرى.

أي قطاعات مثلاً؟

أنا مقتنعة جداً بأن الرقمنة بدأت للتو في الصين. بالإضافة إلى سيارات الأجرة ووسائل النقل والتسوق وخدمة الفنادق، ستحذو قطاعات أخرى حذوها مثل التعليم، والرعاية الصحية، وإدارة الشركات، وحتى الفرع القانوني... وجميع القطاعات فعلاً! لا تزال الفرص كثيرة في الصين بالنسبة إلى جميع الأشخاص المبدعين والطموحين.

اليوم تجتاح تصاميم المباني التي ابتكرتِها خلفية بكين وشنغهاي، وكأنها تعكس بصمة الصين المعاصرة. هل تساءلت يوماً حتى متى ستصمد هذه المباني وإلى أي حد ستبقى التصاميم التي ابتكرتها مع المهندسين العاملين معك مستدامة؟

 

أصبح البناء اليوم سريعاً وفاعلاً. يسهل أن نبني نسخة جديدة من أهرام الجيزة أو سور الصين العظيم. لكن لم تصمد هذه المباني رغم مرور الزمن بسبب نوعيتها. بل إنها لا تزال قائمة لأنها تحمل قيمة رمزية وتمثل ثقافة بحد ذاتها. أخشى ألا تعطي أبنية اليوم الأثر نفسه وألا تكون هندستها مستدامة بقدر الهندسة الشائعة منذ 100 أو 500 أو ألف سنة. كانت المباني في تلك الحقبة عجائبية. لكن ما عدنا نقوم بعجائب مماثلة اليوم. لذا يجب أن نتواضع قليلاً. من جهتي، سأسرّ بعرض أحد تصاميمي يوماً أمام أحفادي فأقول لهم: أنا فخورة بهذا العمل.

أثرياء الصين...والحزب... والسياسة

اغتنى جيل المؤسسين في الصين خلال السنوات العشرين الماضية. ما الذي ستفعلينه أنت ونحو 600 ملياردير صيني آخر بأموالكم؟

أعلن مارك زوكربيرغ حديثاً أنه سيهب 45 مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية. منذ سنتين، قررتُ أنا وزوجي تخصيص 100 مليون دولار لتدريب الطلاب في شركة {سوهو تشاينا}.

سيقدم البرنامج مساعدة مالية للطلاب الصينيين كي يتمكنوا من الذهاب إلى أفضل جامعات العالم. يقدم عدد من رجال الأعمال الصينيين اليوم هبات للتعليم ويدعم آخرون مؤسسات تُعنى بالرعاية الصحية والأبحاث. لا يريد أي منا أن يصبح أغنى شخص في المقبرة!

غالباً ما يعتبر الأوروبيون الأعمال الخيرية مؤشراً على تقصير الدولة في مجالَي الرعاية الاجتماعية والتعليم.

قد يكون ذلك صحيحاً، لكن يُعتبر الالتزام بنشاط نحبّه سلوكاً يستحق العناء. حصلتُ على منحة دراسية. وإذا كنت أهب المال للطلاب الصينيين اللامعين كي يحصلوا على فرصة الدراسة في الخارج، سأجسد بذلك كل ما أؤمن به في مجالات التعليم والعولمة والحراك الاجتماعي. أنا نموذج للحراك الاجتماعي.

غالباً ما تشبه الصين، رغم ماضيها الشيوعي، الولايات المتحدة وليس أوروبا. يحصد الأثرياء الإعجاب في الصين وليس الحسد.

أكره التباهي بالثروات المادية. إنه سلوك بارد ولم يُصنَع قلب الإنسان لهذا الغرض. لكن ما أحبه بشأن الصين وأفتقده في أوروبا أحياناً هو روح المبادرة لدى الجيل الشاب وطموحه وحيويته.

هل هو قاسم مشترك بين الصينيين والأميركيين؟

نعم، وأظن أن هذا الجانب يفسر بدرجة معينة الدور البارز الذي يؤديه التزام القطاع الخاص والأعمال الخيرية في هذا المجال.

كنت أسأل نفسي عما جعل الجامعات الأميركية تتكل على الهبات. لكني أعرف الإجابة الآن: في الماضي، كانت الدولة في الولايات المتحدة فقيرة وحين أراد المواطنون إنشاء مشروع معين، كانوا يحتاجون إلى جمع المال بنفسهم. تاريخياً، بدا الوضع مختلفاً في أوروبا. كانت الدولة هناك قوية ويرأسها عاهل أو ملك يكون مسؤولاً عن توفير المال.

في الصين، يحكم حزب قوي. لكن هل يمكن أن يغتني الناس في الصين من دون دعم الحزب؟

تنشط شركتنا في بكين وشنغهاي فقط، وهما مدينتان تسيطر عليهما الأسواق. استفدنا من هذا الوضع كثيراً. يشتري الناس الأراضي هنا في المزادات العلنية بطريقة شفافة. حين تعمل في مجال تطوير العقارات خارج بكين وشنغهاي، من المفيد أن تربطك علاقات حسنة مع أعضاء الحكومة المحلية.

من المعروف أن جاك ما، مؤسس مجموعة «علي بابا»، نصح رجال الأعمال بضرورة «أن يحبوا الحزب لكن من دون الحاجة إلى الزواج منه».

نحن لا نجيد تطبيق هذا المبدأ. يرتكز نجاحنا على تجربتنا الدولية وقدرتنا على قراءة السوق. لكني أعارض المفهوم القائل إن النجاح في الصين يتوقف على التقرب من جهات نافذة. أنا وزوجي لسنا أبناء أشخاص نافذين. ومع ذلك سمحت لنا الصين بتحقيق النجاح.

لكن أصبح الحزب صارماً جدا،ً ليس مع الصينيين فحسب، بل مع رجال الأعمال الأجانب أيضاً.

أظن أن نظامنا القانوني يحتاج إلى التطوير. يخاف الجميع لأن المواطنين يتعرضون للاعتقال ويضطرون إلى انتظار فترة طويلة قبل محاكمتهم. حين يرتكب شخص جريمة، يجب مقاضاته سريعاً. ما سبب المماطلة في هذه القضايا كلها؟ لا أعلم. هل يُعتبر نظامنا القانوني بدائياً حتى الآن؟ تعهدت الصين بتحديث نظامها القانوني. يُفترض أن تكون هذه الخطوة على رأس أولوياتها.

حين تزدهر البلدان اقتصادياً، يبدأ الناس في مرحلة معينة بالمطالبة بتوسيع المشاركة السياسية. هل سيحصل ذلك في الصين أيضاً؟

قلتُ سابقاً إن الصينيين ما عادوا يرغبون في تأمين الأغذية ووسائل الراحة، بل إنهم يتوقون إلى الديمقراطية. أؤيد هذا الموقف. لا أعرف النموذج الذي ستتبعه الصين. لكن كلما ارتفع مستوى معيشتنا، ستتحسن مستويات التعليم وتزيد مطالب الناس. ويمكن أن نلاحظ مستوى الانفتاح الذي تتمتع به المجتمعات الأخرى. لسنا مختلفين عن غيرنا ونريد اكتساب الحرية أيضاً. لكن ما هو هامش الحرية المسموح به؟

back to top