6/6 : خطآن لا ينتجان صواباً

نشر في 22-04-2016
آخر تحديث 22-04-2016 | 00:01
 يوسف الجاسم الآن، وبعد أن هدأت العاصفة، أسجل رأيي في أحداث الإضراب النفطي الأخير الذي شل مفاصل الدولة، قبل أيام، وانتهى مخلفاً خسائر مؤلمة في الاقتصاد الوطني.

الناس خطّأت الحكومة حين تخبطت بعشوائيات الكوادر قبل سنوات، وخلقت سخطاً في أوساط غالبية الشعب العاملة في الدوائر والقطاعات الحكومية، ولم تُقم ميزاناً عادلاً بين الجميع يراعي توحيد الأساسيات، ويمايز بالاختصاصات والمسؤوليات، وفقاً لمنظور إستراتيجي شامل، كما أن الحكومة قد أخطأت حين لم ترسم مساراً آمناً لجيش الموظفين العموميين العاملين لديها قائماً على الموضوعية والتجرد، بل وفقاً لحسابات السياسة لا حسابات الاقتصاد، والترضيات والمجاملات لا حسابات الحوكمة الإدارية الرشيدة التي تحقق الأمن الوظيفي العام لشعب أغلبه مرتهن لوظيفته الحكومية.

 ولعل جرد أخطاء الدولة يطول، ولكن في مسألة الإضراب فإننا بحاجة إلى وقفات العقل، لا زفرات العاطفة.

لن أخوض في تفاصيل مطالب المضربين، ولا في البحث عمن هو المخطئ بالتفاوض، أكانت الجهات الحكومية أو النقابات، وأرى أن ملامسة أية حقوق وامتيازات وظيفية مستقرة قانوناً لأي موظف هي مدعاة للسخط والتمرد والعصيان، (فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).

ولكن في الوقت نفسه، ليس من المفهوم أو المقبول أو المستساغ أن يسترد أي موظف حقاً أو امتيازا متصلاً برزقه من رب العمل،  عبر الإضرار برزق شعبٍ بأسره وبأضعاف مضاعفة تخسرها الدولة من مصدرها الوحيد، وفي زمن الشدّة وانهيار أسعار النفط.

المضربون لاموا الإدارة النفطية والحكومة وخطأوها، ولكن أخطاءها لا تبرر خطأ الإضراب، وبالتأكيد فإن "خطأين لا ينتجان صواباً"!

وإذا كانت القوانين العمّالية في العالم المتقدم قبل المتخلف، تنظّم الإضرابات عن العمل وتؤطرها بحدود عدم الإضرار بالأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لتلك الدول، كما أنها تُحرّم الإضرابات المفتوحة على سبيل المثال للمهن الطبية والإطفاء والإنقاذ لتهديدها أرواح البشر، فإن إضراباً كالذي شهدناه من قبل إخواننا العاملين في قطاع المورد الوحيد لرزق البلاد والعباد، والذي أودى بثلثي إنتاج الكويت من النفط خلال ثمانية وأربعين ساعة، استفز المشاعر العامة بانتقاله من الخاص إلى العام، بعد أن أهدر حقوق شعب كامل في ثروته الوطنية مقابل مكاسب أو مطالب لفئة من هذا الشعب، مهما علت أهمية مسؤولياتها من النواحي الفنية والمهنية، ومهما كانت صوابية مطالبها.

إن إضراباً محدوداً أو جزئياً لاسترداد امتيازات أو حقوق سلبتها الدولة، حسب منظور المضربين، ربما كان أقرب للتعاطف والمساندة الشعبية، منه إلى سخط واستياء عريضين من مختلف الأوساط، بسبب أنانية الإضراب الشامل وإضراره الجسيم بالمصلحة العامة تحت العصبية الهِرقليّة (عليّ وعلى أعدائي!).

إن ساحة القضاء، لا ساحة الإضراب، كانت ولاتزال الملجأ الآمن لاسترداد الحقوق المطلوبة، دون الإضرار بمصلحة الكويت وأمنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الذي ينبغي أن يتقدم على جميع الاعتبارات والمصالح الفئوية.

back to top