الإعلام الكويتي أيام الاحتلال (2-2)

نشر في 26-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 26-02-2016 | 00:01
الصحافة في الخارج والداخل... مسيرة سطِّرت بأحرف من نور
كان الاحتلال العراقي جريمة لا تشبهها جريمة، هدف إلى الاستيلاء على الأرض والشعب والممتلكات، وعمل من أجل ذلك على إخفاء الحقائق وإلغاء التاريخ وانهاء الشرعية وتشويه الكيان والوجود، وحاول منع كل الأصوات الحرة التي ترفض هذا التشويه المتعمد للإنسانية السوية وسلوك العالم المتحضر من الظهور، ولولا أن لدولة الكويت أيادي بيضاء وللسياسة الكويتية يداً ممدودةً إلى العالم منذ زمن، ومصالح متشابكة، ولولا أن للشعب الكويتي إرادةً وعزيمةً لا تستكينان، ولولا الموقف الدولي الذي لا يمكن إنكاره في وقوفه مع الحق، لنجحت السرقة وتمت الجريمة ونجا المجرم من العقاب.

كانت الصرخة الكويتية مدوية لم يستطع الغازي خنقها، وكان الإعلام الكويتي إحدى أدوات الصرخة ووسائلها، وقد حاول ذلك الغازي أن يجرد الإرادة الكويتية من عزيمتها لكن ذلك لم يتم، لأن العزائم كانت فوق قدرة المحتل، إذ رفض الكويتي أن يتخلى عن وطنيته وأرضه، وأبى أن يستكين للتدجين، فكان صوت الشرفاء مدوياً في الخارج والداخل طوال الأشهر السبعة العجاف، ليعود الوطن كما كان حراً والموطن كما كان عزيزاً في أرضه وبلده.

كانت فكرة إطلاق صحافة كويتية قد راودت النخب الرسمية والشعبية منذ الأيام الأولى للغزو، سواء في الخارج حيث الإمكانات المادية والفنية والبشرية الكبيرة، أو في الداخل حيث ضيق ذات اليد وغياب الإمكانات الفنية والبشرية، وخطورة هذا العمل على حياة القائمين عليه. وقد كان العمل الصحافي الكويتي بارزاً قبل الغزو العراقي، فكان للصحافة شارعٌ استقطب الكفاءات الكويتية وغير الكويتية، وهو الأمر الذي بسببه كانت العديد من الكوادر الإعلامية الكويتية مؤهلة على مستويات مرتفعة.

وحين غزا العراق الكويت، سارع الكويتيون إلى مقاومة الاحتلال ومحاولة الغازي طمس الهوية الكويتية بمختلف الأسلحة المتوافرة، والتي كانت الصحافة أحدها.

الصحافة في الخارج

صدرت صحيفتان في فترة الغزو العراقي خارج دولة الكويت، الأولى جريدة الأنباء التي أعيد صدورها في مصر منذ الشهر الأول من الغزو، لكي توفر المادة الإعلامية الورقية للكويتيين الذين لجأوا إلى مصر في فترة الغزو، والثانية جريدة صوت الكويت التي أصدرها سمو الشيخ ناصر محمد الأحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية في تلك الفترة، وترأس تحريرها د. محمد غانم الرميحي، وصدر العدد الأول منها في الأول من نوفمبر عام 1990م في لندن، واستمرت في الصدور حتى منتصف نوفمبر عام 1992م، وقد استقطبت العديد من الكتاب الكويتيين أمثال المرحوم محمد مساعد الصالح، وفؤاد الهاشم، وعبد الرحمن النجار وآخرين، وكانت تصدر من مقر جريدة القبس الدولي.

كما صدرت مجلة وحيدة هي «المرابطون»، وكانت في بداية الأمر تصدر في الكويت مدة شهر تقريبا، وبعد القبض على أحد الشباب بسبب حيازته المجلة أوقفت لتصدر من جديد في لندن بترخيص من وزارة الإعلام الكويتية، وقد رأس تحريرها د. ناصر الصانع.

بعد توقف الصحف الكويتية اليومية عن الصدور منذ اليوم الأول للغزو شعر الكويتيون بحاجتهم إلى بديل يجمعهم بالحدث ويوصل لهم الخبر والرأي، الذي يشد من أزرهم ويرفع من معنوياتهم؛ ليحتفظوا بعزيمتهم وقوتهم في مقاومة العمليات المتتالية لطمس الهوية الكويتية، التي اتبعها الغازي بقوة وشراسة ودون هوادة، فلجأت العديد من المجاميع والأفراد إلى كتابة العديد من المطبوعات الأقرب إلى النشرات منها إلى الصحف، بسبب قلة الإمكانات المادية والفنية، وعدم توافر الكوادر البشرية للتحرير، لكن هذه النشرات أدت أدواراً مهمة في الحفاظ على اللحمة الوطنية، والصمود في وجه الغازي والاحتفاظ بالمبادرة دون استسلام أو يأس، وقد تعددت النشرات والجهات التي كانت تصدرها وفترة استمرار كل منها.

الصمود الشعبي

يُعتقد أن جريدة «الصمود الشعبي» هي الأولى التي صدرت بعد الغزو، والأولى من حيث الانتشار والتوزيع، والأولى أيضا من حيث فترة الاستمرار وعدد المراسلين وأسرة التحرير.

وقد بدأت الفكرة من خلال اجتماع حضرته مجموعة من الناشطين الكويتيين قبل الاحتلال وفي أثنائه، منهم د. غانم النجار، ومحمد بوشهري، ومحمد القلاف، وفلاح الوسمي، وثريا البقصمي، وفؤاد أكبر، وعلي سلامة، وإيمان البداح، وأماني البداح، وخالد الشعيبي، وأمل النجار، وماجد سلطان.

وقد تحدد هدفان مهمان لإصدار جريدة الصمود الشعبي، أولهما معالجة النقص في المعلومات السليمة التي يحتاج إليها المواطنون الصامدون، وتوفير المعلومة التي تتناسب مع الإبقاء على مستوى مرتفع من المعنويات، وثانيهما إشعار الكويتيين بأن الوطن مازال يدار بأيدي أهله، وأن العراقيين يسيطرون عسكرياً فقط، وهم سيخرجون مدحورين طالت المدة أو قصرت، وإن لم يكرس مثل هذا الشعور داخلياً، فلن يكون للأسماء التي تدير الأمور من الداخل أهمية للمواطن، إذ يكفيه الشعور بأن الكويتيين هم من يديرون شؤونهم رغم الغزاة.

وصدر العدد الأول منها مكتوباً باليد، وقد قام بتصميمه ماجد سلطان، ثم طُبعت عبر الكمبيوتر منذ العدد الثاني، لكن المشكلة الأولى التي واجهت فريق التحرير هي في الحصول على آلة تصوير، وقد أشار محمد بوشهري وحميد أبل اللذان كانا طالبين بالجامعة إلى وجود آلة تصوير جديدة في جمعية العلوم الطلابية، فذهبت مجموعة من القائمين على إصدار الجريدة إلى هناك، لكنهم وجدوا الباب مقفلا، فاضطروا الى كسر الزجاج الجانبي، وقد أصيب د. غانم النجار بجرح غائر في يده أثناء كسره الزجاج، مما استدعى عدة غرز لعلاجه، لكن جهدهم لم يذهب هباء واستطاعوا الحصول على الآلة.

وكانت أهم أخبارها ما يتعلق بعمليات المقاومة لبث الشعور الوطني بأن هناك من يعمل بجد لتحرير الوطن من المحتل وبث الرعب في أوساطه، وكان التصوير في بادئ الأمر يتم في منزل فلاح الوسمي بالرميثية، ثم توزع على مسؤولي المناطق.

وكانت الاجتماعات وتحرير الجريدة بعد ذلك تتم في منزل خالد الشعيبي وأمل النجار، وبعد تشديد الغزاة على تفتيش السيارات وخطورة نقل كميات كبيرة من الجريدة أصبح التصوير يتم في عدة مناطق، وما يتم توزيعه نسخة واحدة لكل منطقة، وتُصور الجريدة بكميات تناسب المنطقة، حسب قرار المسؤولين عنها.

وقد استمرت الجريدة في الصدور ولم تتوقف طوال شهور الغزو البغيض، وبعد التحرير أعيد إصدار عددين منها قبل أن تتوقف نهائياً.

(DEED)

هي نشرة أسستها قيادات الداخل، وكانت تهدف الى جمع المعلومات الدقيقة عن الأعمال الإجرامية للمحتل، ولم تكن النشرة تُعد للتوزيع في الداخل، بل كانت ترسل بواسطة السيد خالد بودي الذي كان يتسلمها من لجان التكافل ويرسلها إلى لندن وجدة، ليقوم من يتسلمها هناك بتوزيعها على وكالات الأنباء العالمية والصحف والمحطات التلفزيونية المختلفة؛ لتكون مصدرا مهما في معرفة أخبار الكويت من الداخل بعيون كويتية.

وكان يشرف على تحرير DEED مجموعة من المختصين من ذوي الشهادات العليا، وكانت صياغة النشرة قائمة على طريقة التقارير، كما كانت تُرسل مجموعة من سلال الأخبار حول جرائم النظام العراقي المحتل، إضافة إلى إعداد مجموعة من البحوث حول بعض القضايا المهمة في الداخل.

وحُررت أيضا مجموعة من التقارير باللغة الإنكليزية، ووصل العديد منها إلى الرئيس الأميركي جورج بوش، والرئيس الفرنسي ميتيران، ورئيسة وزراء بريطانيا تاتشر، والعديد من الجهات الرسمية الأخرى.

 وكان العدد الأول من DEED قد صدر في الخامس والعشرين من شهر أغسطس، واستمر صدورها حتى الخامس من شهر فبراير، أي قبل أيام من التحرير.

«الكويت- الرأي الآخر»

وهي مجلة صوتية كانت تنسخ على أشرطة الكاسيت للدواعي الأمنية، حيث لا تتعرض الأشرطة إلى تفتيش دقيق مثل بقية المنشورات الورقية، وكان صاحب الفكرة ومنفذها زهير المزيدي، والفكرة في حد ذاتها مبتكرة، إذ يتم عمل لقاءات ميدانية لتغطية بعض الموضوعات المحددة سلفا، كما كانت تحتوي على أبواب ثابتة مثل باب المرأة، ورسالة الداخل وأبواب أخرى.

 وقد شارك العديد من المختصين في تحريرها، مثل فيصل الزامل ود. إبراهيم الخليفي وآخرين، أما اللقاءات التي كانت تسجل بالخفاء مع بعض الجنود العراقيين فكان يجريها شخص من الإخوة البدون.

نشرات أخرى

تعددت النشرات التي كانت تصدر فترات قصيرة ومتوسطة ثم تتوقف، لأن من قام على إصدارها أشخاص وبجهود ذاتية، وقد توقف بعضها إما بسبب عدم التمكن من الاستمرار دون توقف، أو بسبب شراسة المحتل وإصداره الأحكام التي لا ترحم، أو بسبب مغادرة بعض الذين أصدروا هذه النشرات أرض الكويت، متجهين إلى الخارج بعد شعورهم بالخوف والخطر الذي كان يهددهم.

ولعل أهم النشرات التي ذكرها الأستاذ صلاح محمد الغزالي في موسوعته الوثائقية سور الكويت الرابع، نشرة «نساء وأطفال الكويت» التي أصدرتها السيدة فاطمة العيسى والسيدة هداية سلطان السالم مع مجموعة من النساء، وكانت طباعة العدد تتم في منزل هداية السالم، ثم تُوزع على المناطق بكميات قليلة، حيث كانت توجد آلات التصوير في كل منطقة لاستنساخ أعداد إضافية تكفي المنطقة.

وتوزعت أخبار النشرة حول أخبار الحكومة الكويتية في المنفى وبعض الأخبار المحلية والعالمية التي تخص الكويت وبعض التعليمات والدروس التي تتعامل مع ما يطرأ، واستمرت النشرة تصدر بشكل يومي حتى العدد 24 ثم توقفت.

وأما «صوت الكويت» فقد أصدرتها مجموعة مقاومة بوبيان، التي شكلها الفنان عبدالله السلمان مع مجموعة من الشباب العاشق للثقافة والوطن، وقد صدر العدد الأول منها في الثلث الأخير من شهر سبتمبر، وكانت تطبع في عمارات الرقعي بشكل أسبوعي، وتحتوي على أخبار الداخل التي يجمعها هؤلاء الشباب، ثم بدأت المجموعة ترسل الأخبار إلى السفارة الكويتية في الأردن تمهيدا لإيصالها إلى الحكومة في الطائف عبر شخص أردني يوصلها بأجره إلى شخص كويتي مقيم في الأردن.

كذلك أصدر الشهيد محمود خليفة الجاسم نشرة بعنوان «صوت الحق»، وكان يكتب باسم مستعار هو جنود الرحمن، وبعد اثني عشر عددا تم القبض على الشهيد وتعرض للتعذيب الشديد، ثم أعدم وألقيت جثته في مشرف، وآثار التعذيب بادية عليه، لكن أصدقاءه أصروا ألا تتوقف النشرة تخليدا لذكرى المرحوم ودوره فأصدروها من جديد.

وبعد استيلاء الغزاة على مبنى جريدة القبس ومطبعتها، وإصدارهم جريدة النداء من المبنى نفسه، قامت الإعلامية نادية صقر بإصدار نشرة بعنوان القبس، كإشارة إلى رفض الكويتيين للتدنيس الذي تعرض له مقر الجريدة التي عرفت كقبس للحريات في الكويت والمنطقة في تلك الفترة، وكانت افتتاحية العدد الأول حماسية ترفع من الهمم وتشجع على الصمود، وتبشر بعودة الوطن حرا معافى.

كذلك انتشر منشور كان يتم توقيعه باسم «أحرار الكويت»، وهو من صفحة واحدة وخطاب موجه للشعب الكويتي الصامد وللجنود العراقيين الغزاة، وقد استمر هذا المنشور حتى شهر يناير.

كما تعددت النشرات ذات الأعمار القصيرة أو محدودة الانتشار مثل جريدة أحرار الكويت ذات المحتوى المنوع والطابع الإسلامي، ونشرة «الصباح»، وقد حملت اسم الأسرة الحاكمة كإشارة إلى تمسك أصحابها بالشرعية وبأسرة الصباح حكاماً، أما نشرة «صرخة» فتميزت بالطباعة الراقية، وكانت تحتوي على أخبار ومواقف وتعليمات وخطابات موجهة.

* باحث كويتي

«الصمود» للشاعر الكبير فائق عبدالجليل... تجربة خالدة

لعل العمل الذي أنجزه الشاعر الكبير فائق عبدالجليل ولحنه الموسيقي الكبير عبدالله الراشد، وحمل عنوان الصمود، يستحق أن يذكر في هذا الباب كعمل إعلامي أكثر منه فنياً، لما تركه من أثر رغم طريقة تسجيله البسيطة، وربما أخذ حجما كبيرا من الشهرة والأهمية، لما دفعه صاحباه من ثمن هو أغلى ما يمكن للإنسان أن يجود به «الروح».

وكانت الأغنية الوطنية التي أدتها مي صبيح العيدان مع مجموعة من الأصوات البريئة قد لقيت أصداء واسعة أثناء الغزو وبعد التحرير، خاصة بعد أن أعيد توزيعها وتسجيلها في القاهرة.

وفي الرابع من ديسمبر تم تسجيل الأغنية في إحدى الديوانيات بطريقة بسيطة وبإمكانات محدودة جداً، وكانت كلماتها تحمل من الإصرار ما يفوق الوصف:

«نبقى نبقى كويتيين، نموت نعيش كويتيين، لا أرقام ولا بنزين، لا جمعية ولا تموين».

وهي إشارة إلى رفض الكويتيين للقرار العراقي بتغيير لوحات السيارات الكويتية إلى عراقية، ما يعني استحالة الحصول على البنزين من المحطات.

« فصيلة دمي تقول كويتي، ولبنة بيتي تقول كويتي، لو قرب واحد ناحيتي، يسمع قلبي يدق كويتي».

والكلمات واضحة ومعبرة تهز الوجدان وتبعث على الحماس، وهي عمل إعلامي عاطفي بامتياز، وجاء في وقته المناسب، حيث أصيب البعض بالوهن في آخر العام، وبدأ اليأس يختلج في نفوس البعض، فكانت الكلمات بلسما أعاد للروح أمانيها وشفى النفوس من السقم.

 وكان ثمن الأغنية كبيرا كأثرها، فبعد أسبوع من انتشارها تم إلقاء القبض على شاعرها وملحنها ليختفيا إلى الأبد، ويظهر رفاتهما في إحدى المقابر الجماعية بعد سقوط الصنم.

لا بد أن نذكر في هذا المقام أغنية ألف كلماتها مسفر الدوسري، وهي: «من يقول إن إحنا كنا لحظة تحت الاحتلال، كنا إصرار وتحدّي كنا فوق الاحتلال»، وقد عزفها على العود خالد العوضي، وغنتها معه أماني البداح.

المصادر:

- تجربتي مع الاحتلال، يوسف مصطفى، الطبعة الأولى 1991

- سور الكويت الرابع، صلاح محمد الغزالي، الجزء الثاني، الكويت 1992

- بعض المعلومات التي زودني بها د. غانم النجار

- http://www.alanba.com.kw/aboutus/ar/

- http://www.kuwait-history.net/vb/showthread.php?t=4266

back to top